شيطان الفيروسات بين الغباء والغيبيات
أدق وصف لفيروس كورونا ما قاله الرئيس الصيني شي جين بينج في نهاية يناير كانون أول الماضي بأن هذا الفيروس شيطان. فالواقع أن هذا الفيروس الغامض كلما تعمق العلماء في محاولة القضاء عليه اكتشفوا غموضاً محيراً في آلية عمله وأنواعه وأدى ذلك إلى تشتت الأذهان حوله بسبب كثافة الأخبار والتنبؤات العلمية وغير العلمية حول الفيروس وجائحته بحيث لم يعد الإنسان قادراً على التمييز بين العلم والجهل
والغباء والغيبيات.
ولعل تصدر بعض السياسيين المشهد الصحي هو الذي أدى إلى استفحال الفيروس وتمهيد البيئة الحاضنة له في كثير من البلدان لأنهم أصحاب القرار بشأن الإجراءات للوقاية منه ومواجهته، فيما تراجع دور ذوي الشأن من الخبراء والعاملين في المجال الصحي لصالح السياسيين ذوي المآرب الشخصية.
وقد استهلت ظاهرة تفشي الفيروس بتفشي نظريات المؤامرة الصينية أو الأمريكية وأخيراً مؤامرة النخبة الكونية التي تريد الهيمنة على كوكب الأرض وتنقيته من المرضى والشعوب الكثيرة العدد.
فالشيطان كورونا لعب بعقول الساسة وأهل العلم والمال وأهل البحث والخبراء والعلماء والجهلة على حد سواء. ثم أدلى كل بدلوه في مجال مكافحة الفيروس فخرج الأغبياء ممن يتاجرون بالأديان واقترحوا أتفه الاقتراحات.
فهذا كاهن أمريكي يظهر تلفزيونياً ويمثل كيف يقوم بقتل كورونا ويبحلق في الشاشة، وهذا شاب مراهق يعتلي منبر مسجد ويقول إن الفيروس لا يصيب مسلماً ويتبعه بعض الحزبيين من دعاة الإسلام السياسي الذين حاولوا كسر قرار إغلاق المساجد بحجة أن المسجد طاهر ولا يدخله فيروس.
وبرز رئيس جامعة في ايران ليقول وهو يحمل كأساً يشرب منه إن بول الإبل يشفي من الفيروس وجرى اعتقاله لاحقا فيما ظهر رجل دين ايراني يدعى حاج فردوسي يبيع أدعية للوقاية من الفيروس.
وزعم وزير الصحة «الإسرائيلي» المتزمت دينياً ليتسمان وهو وزير لا يفقه في الصحة شيئاً أن المسيح اليهودي المنتظر سيظهر في عيد الفصح (تم الاحتفال بالعيد قبل فترة بدون مسيح) وينقذ اليهود من الفيروس لأن رب اليهود لن يسمح للفيروس بالمس بهم.
وتدخلت مؤسسة العسكر «الإسرائيلية» بموسادها ومخابراتها وتولت مسؤولية مواجهة الفيروس بسرقة معدات طبية ونقلها إلى الاحتلال وتبين أن بعضها غير صالح وأن أطناناً من علاج الملاريا تم استيرادها من الهند لن تستخدم لخطورتها، وهمّشت دور خبراء الصحة ومديرها العام ففشل الكل في مواجهته وارتفعت حالات الإصابة بوتيرة كبيرة.
فإذا كان وزير غبي مع رئيسه المغرور أحدث هذا الضرر فكيف حال دول أخرى استخف زعماؤها بالفيروس وزعموا أنه لن ينتشر في بلدانهم واتهموا المهاجرين بنقله عبر البحر المتوسط من إفريقيا إلى أوروبا مع أن إفريقيا أقل القارات تأثرا به، ولعب قادة أحزاب اليمين الشعبوي في أوروبا دوراً في استغلال الجائحة لصالحهم فكانت الكارثة في أوروبا.
وكذلك استخف به الرئيس ترامب بشكل مستغرب واستبعد انتشاره في بلاده بناء على رأي مستشارين مقربين منه لا علاقة لهم بالصحة. وقد بات الرئيس ترامب ظاهرة ملازمة للفيروس لأنه ركب موجته وصار ناطقا باسم مكافحته ويظهر يوميا في المؤتمر الصحفي لاستعراض الجائحة وصولات الفيروس وضحاياه، وقد ارتكب ترامب الكثير من الأخطاء في ظهوره اليومي منها ما تحدث به عن أن دواء للملاريا يقضي على فيروس كورونا وهو ما فندته هيئة الأغذية والدواء الأمريكية.
وقد أفتى أيضا بأنه طالما أن المعقمات تقضي على الفيروس فلماذا لا يطور العلماء حقنة معقمة تعطى للمرضى للقضاء على الفيروس! وقد أحدث كلامه ضجة حتى أن شركة ديتول حذرت من الأخذ به لأنه سم قاتل.
الشيطان كورونا أحبط كل الجهود والهجمات العلمية ضده وبقي ينخر الجسد البشري ببطء حتى أن الخبراء في حيرة ويعتقدون أنه سيخف قليلا في الصيف وينتشر مجدداً في الخريف وأن الشفاء منه لا يعني عدم عودته مجدداً للشخص نفسه، ما يعني أن الإنسان مطالب بتكييف حياته مع وجود هذا الفيروس كشبح ثقيل سيلقي بظله على البشرية لفترة غير محددة.
المصدر: الخليج