تقرير استقصائي: بزنس النفط اليمني يجمع بين الحوثي والشرعية
أظهر تحقيق حديث لشبكة أريج للصحافة الاستقصائية مدى استغلال مسؤولين في الشرعية نفوذهم ومناصبهم لتحقيق منافع شخصية وعلى حساب الإضرار باليمن نظاماً وشعباً والتواطؤ مع مليشيا الحوثي.
التقرير الذي جاء بعنوان “بزنس النفط اليمني يجمع بين الحوثي والشرعية”، استند إلى وثائق مسربة حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” ( ICIJ logo )، وشاركها مع “أريج” وعدد كبير من الناشرين حول العالم، ضمن مشروع أطلق عليه أسم “أوراق باندورا”.
التسريبات التي يحقق فيها أكبر تعاون صحفي عابر للحدود في التاريخ، تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبية، وتكشف عن الأصول والصفقات السرية والثروات الخفية لأثرياء -من بينهم أكثر من 130 مليارديراً- وأكثر من 30 من قادة العالم وعدد من الهاربين أو المدانين ومشاهير الرياضة وغيرهم، وكذلك قضاة ومسؤولي ضرائب وأجهزة مكافحة التجسس.
وكشفت الوثائق أن العيسي أسس شركة أوف شور مع الحثيلي وشيخ في جزر العذراء البريطانيّة في السابع من أيار/مايو 2014. كان الغرض الأساسي منها هو الاستثمار والمشاركة في الشركات وفتح حساب بنكيّ.
“اتحدى أيّ شخص يثبت ذلك. منذ أول يوم من عملية عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015، ليس لديّ أي نشاط تجاري في المحافظات الخاضعة للحوثيين أبدًا. تجارتي متوقفة إذ استولى الحوثيون على بعض الممتلكات مثل منازل وأراض في صنعاء ومستشفى، كما أغلقوا مقر شركاتي ومصانعي وكليّة الشفاء الطبيّة في مدينة الحديدة. ما يوجد لديّ الآن هو عملي الخيري، ودفع رواتب الموظفين الباقين في منازلهم منذ 2015 حتى اليوم”، تصريحات للعيسي في آذار/مارس 2021 حول نشاطاته في شمال اليمن المسيطر عليها من قبل الحوثيين.
وفي تناقض واضح بين تصريحاته التي أدلى بها حول انه لا يوجد لديه أي أعمال أو شركات أو نشاط تجاري في صنعاء، أظهرت الوثائق أن أعماله مستمرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ونقل النفط فيها مستمر إلى الآن.
ففي الثامن والعشرين من تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، أي بعد سيطرة جماعة الحوثيين على معظم محافظات الشمال، أرسل مدير شركة النفط اليمنيّة رسالة إلى القائم بأعمال وزير النفط يشكو من شركة الحثيلي التي تبيع النفط في السوق السوداء وباعت بسعر الدولار في السوق السوداء، واكتفت الشركة بحجز قاطرات النفط في منطقة الصباحة، حيث لا تملك الشركة أيّ صلاحيات في منطقة رأس عيسى في الحديدة التي يديرها العيسي، وفي هذه الفترة لم يكن الحوثي مسيطراً على رأس عيسى أو محافظة الحديدة.
نفس المذكرة اتهمت شركة الحثيلي التي فرغت النفط في رأس عيسى وتبيعه في السوق السوداء، بأنها ساهمت في رفع سعر صرف الدولار من 215 إلى 280 ريالا يمنيا في ذلك الوقت، وباعت خلال أسبوع واحد فقط في السوق السوداء بـ48 مليون دولار.
ما قصة رأس عيسى والعيسي؟
في السادس عشر من تموز/يوليو 2013، وقعت شركة النفط اليمنية اتفاقية مع العيسي تقضي بإنشاء شركة باسم رأس عيسى النفطيّة، تقوم بتخزين وتجارة المشتقات النفطيّة في ميناء رأس عيسى بالحديدة لمدة خمسة وعشرين عاماً.
وبهذا الاتفاق يحتكر العيسي توزيع ونقل المشتقات النفطيّة عن طريق البحر عبر أسطول باخراته.
وبموجب الاتفاقيّة تدفع الحكومة اليمنية 13 دولارا أمريكيا كإيجار عن كل طن من المشتقات النفطيّة لدى الشركة سواء للتخزين أو التشغيل.
وعلّق عبدالله الضيعة الأمين العام للمجلس التنسيقي النقابي لعمال وموظفي شركة النفط في ذلك الوقت، “إن الاتفاقية تفرط في حقوق الدولة وتتضمن العديد من المخالفات القانونية، مؤكداً عزم النقابة التصعيد والإضراب في حال مرر الاتفاق وعمّد من قبل الوزارة”، بحسب تصريحات سابقة نشرت على مدونة محمد العبسي.
الاتفاقيّة تشمل بنوداً مثل توريث الحق في ورثة العيسي في استمرار الشراكة عند وفاته ولا يتمّ فسخ العقد حتى لو أعلن افلاسه.
يقول الخبير في الشؤون النفطية اليمنية عبد الواحد العوبلي لـ”أريج”، إن “النفط في اليمن دائماً وأبداً ما كان مسيطراً عليه من قبل الهوامير (المتنفذين)”، “بالنسبة للعيسي كان هو طوال الـ30 عاماً الماضية يحتكر نقل النفط بحرياً ما بين ميناء رأس عيسى الذي يصبّ فيه النفط من مأرب، وينقلها إلى مصافي عدن”.
صراع الفساد بين الحكومة والعيسي
في مقابلة بتاريخ 16 آذار/مارس 2021، أعلن العيسي الحرب على رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك بعد اتهامه له بأنه فاسد: “عليه إثبات ما يقول. هو رئيس الحكومة، يقول إنني فاسد وكل شيء في يدي، النفط في يدي. عليه أن يثبت ذلك. نحن خلافنا مع معين ليس لأنه رئيس حكومة أو لأنه مقصِّر، ولكن كونه تاجرا؛ لذا نحمّله مسؤولية جزء من الفساد”. وأشار العيسي أن رئيس الوزراء مرتبط بشركات ومجموعات تجاريّة كبيرة يسهل عملها ويسخر دعم الدولة لهم وهذه الشركات تدفع ضرائبها للحوثيين.
فيما رد رئيس الوزراء اليمني بصرف مستحقات العيسي في نيسان/أبريل من نفس العام بعد تصريحاته التي قال فيها إن الحكومة اليمنيّة مديونة له ولم تسدد ديونها.
وتعود أسباب الصراع على استيراد وتوزيع النفط بين العيسي والحكومة بعد قرار رئيس الوزراء بوضع خطط مستقبليّة لفتح باب استيراد النفط للتجار وإيقاف الاحتكار.
فساد نفطي بدعم الرئاسة اليمنيّة
ترتبط تجارة النفط في اليمن بشخصيات لم تتغير منذ 25 عاماً بسبب ارتباطها بمراكز نفوذ داخل الدولة.
ويتداول في أوساط يمنيّة أن حسين الحثيلي الذي يملك أسطولاً لنقل النفط هو واجهة نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر، ونشرت وسائل إعلام يمنيّة توجيهات حكوميّة بتسهيل مهام مؤسسته وحمايتها.
وتربط أحمد العيسي علاقة قويّة مع رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي وأولاده منذ بداية التسعينات.
وأشار تقرير لجنة الخبراء المعينة من قبل الأمم المتحدة، إلى أن اللجنة حصلت على فاتورة تبين مبالغ مستحقة الدفع بقيمة تزيد على ثلاثة ملايين دولار أصدرتها شركة مصافي عدن إلى شركة ASA Shipping Company FZCo، وهي شركة تابعة لشركة Overseas Shipping and stevedoring Company التابعة لمجموعة العيسي عن استئجار ناقلة نفط خام إم اسبيرت (M Spirit) وتتساءل اللجنة عن أسباب التأخير الذي أدى إلى فرض غرامة تأخير.
وذكر التقرير أن اللجنة اجتمعت مع العيسي الذي نفى أي تهم أو أي تورط في أي عمليّات فساد في إدارة ميناء عدن. العيسي الذي يعمل نائباً لمكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية يقول إنه لا يستفيد أبداً من منصبه وأن الحكومة اليمنيّة مديونة ولا تستطيع دفع ما عليها من ديون.
وفي تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2019، احتج مواطنون من محافظة مأرب النفطية على إعطاء مؤسسة الحثيلي الحقوق الحصريّة لنقل النفط من مأرب إلى شبوة وتمّت مهاجمة ناقلات نفط مملوكة للحثيلي مطالبين بتولي عملية نقل النفط لشركات مملوكة لأبناء المنطقة. تكرر الأمر ذاته في العام 2021 في محافظة حضرموت عندما اعترض مجموعة من أبناء المحافظة على نقل النفط من أراضيهم من قبل شركة الحثيلي.
وفي 2021 كان وزير النفط اليمني وجه رسالة لمحافظ حضرموت قائد المنطقة العسكريّة الثانية بحماية ناقلات النفط المملوكة لشركة الحثيلي.
تناقضات
أعلن العيسي أن الإمارات تحاربه، وتسعى لقتله بينما أعماله التجاريّة تنطلق من جبل علي بالشراكة مع شريكه في شركة الأوف شور ظفار إكرام شيخ.
يقول العيسي: “لا أموال لديّ في دبي. أنا أشتري من دبي فقط، وباسم شركتي وليس باسمي. أنا لا أدخل الإمارات، وإذا دخلتها، لن تجدني بعدها”. ويضيف العيسي إنه فقط يشتري النفط من الإمارات لأنها السوق الأفضل والأقرب لكن الإمارات تضايقه وتتهمه أنه يشتري النفط من إيران.
لكن فاتورة نشرها تقرير لجنة الخبراء المعينة من قبل الأمم المتحدة محدد فيها رقم حساب مجموعة العيسي في البنك الإسلامي في دبي، عندما قدم فاتورة للحكومة اليمنيّة بقيمة 3 ملايين دولار..
• عن وكالة خبر