أبعاد زيارة طارق صالح إلى روسيا
نعيش تحولات جديدة لمرحلة تفرز متغيرات متسارعة، فاليمنيون يتابعون باهتمام بالغ وتفاعل كبير أول انطلاقة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية في المحافل الدولية ،من عاصمة روسيا الاتحادية موسكو.
اختيار العميد طارق صالح رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية أن تكون البداية لتحركه السياسي من روسيا تحديدا؛ ليس عفويا، بل لقد حرص من هذا الاختيار، أن تكون لجولته مدلولات كثيرة ونجاحات تدفع لتخفيف معاناة الشعب اليمني ووضع نهاية لطغيان ميليشيات الحوثي والخروج بالبلاد إلى بر الأمان..
إذا فالبداية من موسكو عاصمة إحدى الدول العظمى في عالم اليوم، ومن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، كما أنها من الدول التي تهتم باليمن وتحرص على حل الأزمة اليمنية منذ بداية فوضى 2011م ، خلافا للعلاقات التاريخية التي تربط الشعب اليمني بشعوب روسيا الاتحادية، والتي تعود إلى 1928م، إضافة إلى أن موسكو تعتبر من أولى عواصم العالم التي أعلنت دعمها وتأييدها لثورة 26 سبتمبر وقيام النظام الجمهوري ،وظلت تساند وتدعم الشعب اليمني للقضاء على مسببات تخلفه وتجاوز الموروث الصراعي، والمضي باليمن نحو التقدم والازدهار.
ومن المواقف التاريخية المشهودة لروسيا أنها بعد قيام ميليشيات الحوثي بقتل الزعيم علي عبدالله صالح وعارف الزوكا، قررت إغلاق سفارتها في العاصمة صنعاء وأمرت طاقم سفارتها مغادرة أرض اليمن، كرد غاضب على تلك الجريمة الإرهابية وهو مالم تفعله موسكو مع تركيا عندما تعرض سفيرها لعملية قتل مشهودة.
ولأن موسكو هي أول محطة لجولة رئيس المكتب السياسي للمقاومة، فالرهانات كبيرة على أن تحقق هذه الزيارة نجاحات تدفع باتجاه التهيئة لترتيبات سياسة تستوعب المتغيرات، خصوصا وأن لروسيا حضورا فاعلا ومؤثرا على سير الأحداث العالمية، وخاصة على مستوى دول منطقتنا، ويمكن أن تلعب دورا رئيسيا في حلحلة تعقيدات الأزمة اليمنية ،من خلال الضغط على بعض الدول الإقليمية الداعمة لميليشيات الحوثي.
لقد حرص العميد طارق طالح أن يطلع الأصدقاء في روسيا وبكل شفافية على حقيقة الوضع السياسي والعسكري في اليمن ،والوضع الإنساني الماسأوي للشعب اليمني، والمخاطر التي ستنجم عن هذه الأزمة في ظل استمرار تعنت ميليشيات الحوثي ورفضها للحلول السلمية.. ومخاطر ذلك على الأمن الإقليمي والدولي جراء استمرار التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني وغيرها من القضايا.. كما تم في ذات الوقت مناقشة البدائل والحلول التي يمكن أن تقود إلى مفاوضات سياسية تفضي إلى توافق بين الأطراف اليمنية لمرحلة ما بعد الحرب..
لم يذهب طارق صالح إلى موسكو للترفيه أو النزهة، بل ذهب كقائد وطني يدافع عن القضية العادلة لشعبنا والذي يعاني الأمرين، حاملا في ذات الوقت رؤية المكتب السياسي لحل الأزمة والتي تعد بمثابة خارطة طريق سبق وأن أعلن عن بعض تفاصيلها في الأشهر الماضية، خصوصا وأن الشعب اليمني لم يعد قادرا على تحمل مثل هذه الأوضاع الكارثية.
الشيء الأهم أن زيارة قائد المقاومة الوطنية إلى موسكو تعد بمثابة انطلاقة لمكون سياسي له رؤاه الوطنية وله حضوره القوي على الأرض، وأنه لا يمكن تجاوزه، وأن على عواصم العالم أن تستمع إلى صوت الشعب اليمني والذي يعبر عنه اليوم رمز وطني ومدافع جسور عن الجمهورية والحرية والديمقراطية ومواجه شجاع لقوى الظلام والإرهاب والتخلف والاستبداد.
ويأتي هذا التحرك السياسي ليؤكد أن لدى المقاومة رؤى وطنية متقدمة مستمدة من إرث شعبنا الحضاري الذي تجاوز مثل هذه الصراعات بحلول ضمدت الجروح وانتصرت للإنسان اليمني والتعايش المشترك، ومن المهم أن تجد مثل هذه الرؤى آذانا صاغية لتجاوز مشاريع الحلول الفاشلة، باعتبارها جزءاً من المعركة النضالية لشعبنا في هذه المرحلة العصيبة، وهي معركة مفتوحة ولا يمكن حصرها على طرف سياسي أو جماعة بذاتها..
لا تراودنا أية شكوك في أن تأتي الزيارة ثمارها، سيما وقد استطاع المكتب السياسي بقيادة طارق صالح أن يحقق نجاحا داخليا وخارجيا في بضعة أشهر، متجاوزا الصعوبات والعراقيل.
واثقون بأن قضية شعبنا ستنتصر، طالما والربان يمخر عباب البحر بحنكة سياسة مذهلة، ومثلما استطاع طارق صالح إحداث تغيير في المعادلة العسكرية في المواجهات مع ميليشيات الحوثي، حتما سينجح في الجبهة السياسية، وفاء لنضال شعبنا وتضحيات الآلاف من شباب اليمن الذين قدموا دماءهم الطاهرة وأرواحهم الغالية دفاعا عن الجمهورية والديمقراطية والحرية والعدالة والمواطنة المتساوية.