هل تنجح مسارات السلام في اليمن؟

تُعيد التحركات الدولية لوقف الحرب في اليمن خلال هذه الفترة، إلى الأذهان ذلك الزخم الذي سبق اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي الموالية لإيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التي توجت في أواخر ذلك العام باتفاق ما بات يعرف بتقييد الجيش اليمني من استكمال تحرير الأراضي اليمنية.

غير أن الظروف الراهنة تختلف كليًا عن عام 2018، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا، فعام “ستوكهولم” أو عام إنقاذ الحوثي، كانت بريطانيا هي من تحرك الأطراف الدولية للضغط على الحكومة اليمنية التي كان جيشها هو المسيطر والمتقدم في كل الجبهات وسط تضييق الخناق على الحوثيين في محافظات الحديدة (غرب) وصنعاء العاصمة (وسط) وحجة (شمال غرب).

ففي الـ19 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عرضت بريطانيا مشروع قانون على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى هدنة فورية في مدينة الحديدة باليمن، ويضع مهلة للطرفين المتنازعين لإزالة جميع الحواجز أمام المساعدات الإنسانية، غير أن المشروع لم تتم الموافقة عليه، إلا بعد توقيع اتفاقية ستوكهولم في 18 من ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي ألزم الحكومة اليمنية بالتوقف عن مهاجمة الحديدة، تحت بند الحالة الإنسانية.

المشروع الذي أصبح قرارًا يحمل رقم 2451، بقدر ما كان ينادي باسم الحالة الإنسانية، كان مليئًا بالألغام الموقوتة والدائمة، وشكل بالفعل خطورةً على الحكومة اليمنية الشرعية التي التزمت به من طرف واحد، دون أن يلتزم به الحوثيون حتى يومنا هذا في شهر مارس/آذار من العام 2021.

بل ساهم ذلك القرار في إنقاذ الحوثيين من هزيمة محققة وساعدهم في لملمة صفوفهم، فتحولوا من الدفاع إلى الهجوم، وابتلعوا محافظة الجوف (شمال شرق) وأكثر من نصف محافظة مأرب النفطية، والوضع الميداني الحاليّ يتحدث عن نفسه.

هذه الفترة، تأتي التحركات الدولية، بضغط أمريكي، بعد أن شطبت إدارة الرئيس الأمريكي الحاليّ، قرار الرئيس السابق دونالد ترامب، بإدراج المليشيا الحوثية في قائمة الجماعات الإرهابية، بعد أربع سنوات من محاولة إدارة ترامب إقناع الحوثيين بالجنوح للسلام، دون فائدة وفقًا لما قاله ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية السابق بومبيو لشؤون الشرق الأدنى.

وقال شينكر في ندوة مرئية لـ”معهد واشنطن” مع روبرت ساتلوف في 10 من مارس/آذار 2021، إنه عمل جاهدًا خلال فترة خدمته في وزارة الخارجية مع السعوديين دبلوماسيًا لدعم الحل السلمي وتقديم المساعدات لليمنيين من خلال اللقاءات المستمرة مع السفيرة السعودية لدى أمريكا الأميرة ريما بنت بندر، والسفير السابق الأمير خالد بن سلمان، مفصحًا عن رفض الحوثيين الالتقاء معه ورفض السلام، واكتفوا بالتواصل معه عبر وسيط عماني، وفي نهاية المطاف بعد أن أغلقت كل السبل أمام إنهاء الحرب بسبب الحوثيين تم تصنيفهم كجماعة إرهابية.

تحمس أمريكي
اندفاع الإدارة الأمريكية نحو السلام في اليمن، يشوبه العديد من المخاطر ويواجه أمواجًا عاتية، ربما قد لا يستمر هذا الحماس حتى النهاية، لكن ما نخشاه أن تذهب نتائج ذلك للحوثيين على حساب التحالف العربي والحكومة اليمنية وشعبها الذي يعاني العنصرية الطائفية المقيتة والجوع وآلام من أمراض عدة آخرها فيروس كورونا، وفي نهاية المطاف يتم تسليم اليمن لإيران، وكأن تلك الدماء التي سالت في السهول والوديان للدفاع عن الجمهورية اليمنية لتحريرها وإيقاف المد الإيراني لم تكن.

نهج الإدارة الأمريكية المتحمس في حل الصراع باليمن، دون ضغط عسكري واضح ضد الحوثيين، لن ينجح في نهاية المطاف، وقد يتفاجأ الأمريكيون في النهاية أنهم فشلوا في ذلك نتيجة لعدم فهمهم لطبيعة الصراع في اليمن، فالحلول الدبلوماسية التي انتهجتها الإدارة الأمريكية وخصوصًا في الملف اليمني، قد تعيد كل الملفات المتقدمة إلى نقطة البداية وذلك سيكون سببًا في تفاقم الأزمات الإنسانية.

الحلول الدبلوماسية والحوارات السياسية والقرارات الأممية، التي لم يصاحبها حلًا عسكريًا جذريًا، فشلت فشلًا ذريعًا، عدا تلك التي صاحبها عملًا عسكريًا سواء في جنوب اليمن أم الساحل الغربي أم محافظة مأرب التي تم تحريرها عسكريًا وليس سياسيًا، وقدم الحوثيون منكسين رؤوسهم إلى السويد للحوار السياسي بعد أن تم كسرهم في محافظة الحديدة بغية توقف الحرب وإنقاذ أنفسهم من النهاية.

أما في هذه الحالة، ما يتم هو صناعة قنابل موقوتة تضعها الإدارة الأمريكية للمملكة العربية السعودية وليس اليمن، فاليمن، ستسلمه أمريكا لإيران عبر الحوار السياسي، وستعاني الرياض لاحقًا، بعد أن يشيع الحوثي الشعب اليمني، وتجهز إيران الجيوش من العراق واليمن لغزو السعودية.

قصر النظر
إن شطب إدارة بايدن الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، إلى جانب سحب الدعم الأمريكي للمملكة في الحرب، هو مثال على قصر النظر وعدم فهم الحوثيين كجماعة مشروع حرب وليس سلام، وذلك الإجراء شجع الحوثيين على تصعيد عملياتهم العسكرية ضد التحالف العربي، وفي نفس الوقت هاجموا مأرب واحتلوا عشر مديريات ونصف المديرية من أصل 14 مديرية تتوزع على المحافظة بشكل كامل.

بعد أكثر من نصف عقد من الصراع، قد يعتقد المرء أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، سيعرف كيف يتعامل بشكل إستراتيجي مع سلوك الحوثيين ويفهمه في الحرب اليمنية، ومع ذلك، في الأسابيع الأخيرة، استمرت السياسة الأمريكية تجاه الجماعة في تسليط الضوء على فشل الدولة، أو ربما عدم رغبتها في فهم دور الميليشيا المدعومة من إيران في الصراع، وضغطت على المملكة العربية السعودية بهدف تقديم تنازلات للحوثيين، لكنهم رفضوها وهو ما يعني أن الحوثيين لا يسعون لإيجاد حل عادل في البلاد بل يسعون إلى أبعد من الانتصار في هذه الحرب.

مبادرة سعودية
الإثنين 22 من مارس/آذار 2021، أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن مبادرة سعودية جديدة لوقف إطلاق نار شامل في اليمن، داعيًا المليشيا الحوثية لقبولها والانخراط في العملية السياسية، تتضمن تلك المبادرة، وقفًا شاملًا لإطلاق النار وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي إلى عدة وجهات إقليمية ودولية، وهي ذات المطالب التي كان يطالب بها الحوثيون.

قبل أن تعلن السعودية مبادرتها، وتقريبًا في بداية شهر مارس/آذار الحاليّ، تعهد الحاكم العسكري الإيراني في اليمن حسن إيرلو في لقاء جمعه بوزير خارجية الحوثيين هشام شرف، أن تعمل إيران على تركيع السعودية، وإيقاف ما أسماه “العدوان”، لتعلن السعودية بعد ساعات من ذلك اللقاء تعرض ميناء رأس تنورة في الخليج العربي، لاعتداءات بطائرات مسيرة، وهو ما يعني أن إيران أصبحت تدير الحرب في اليمن، بهدف انتزاع مكاسب في ملفها النووي.

رغم أن المبادرة السعودية ترتكز على المرجعيات الدولية الثلاثة، فإن الحوثيين لن يقبلوا بها ولن يرفضوا، لكن سيقدمون ملاحظات تلو الملاحظات عليها بهدف المراوغة وإطالة أمد الأزمة السياسية في اليمن، ليتفاقم الوضع الإنساني، وسيزداد الضغط الدولي على السعودية لتقديم تنازلات حتى ينتزع الحوثيون كل ما يرغبون به، وباعتراف دولي.

يقول المثل الشائع: “إذا قدمت للحوثي إصبعًا واحدة، فسيأخذ اليد كلها”، وقد ثبت صحة هذا المثل، فقد استغلت الجماعة كل تنازل أو وقف لإطلاق النار خلال الصراع لإعادة تنظيم وتحسين مكانتها، وبمجرد أن تفعل ذلك، فإنها تنتهك بشكل صارخ هذه الاتفاقيات لتحقيق المزيد من التقدم.

يتلاعب الحوثيون بالدبلوماسية السعودية والموقف الدولي الضاغط لإنهاء الحرب في اليمن، من خلال إعلانهم تارة بالقبول المبدئي للمبادرة السعودية، في وقت يعلن فيه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي رفضها مطلقًا، مشترطًا إثبات التحالف العربي بفشله في استرداد الدولة اليمنية بعد سنوات من الحرب، وهذه سياسية تهدف إلى كسب جولات المفاوضات وتفاصيلها الدقيقة.

تقديم السعودية تنازلات إضافية اضطرارية للحوثيين لوقف هجمات المليشيا ضدها، سيكون أخطر من الهجمات ذاتها، فهي سترسخ سلطة الحوثيين في اليمن، ما يجعل المملكة العربية السعودية تحت تهديد مستمر، ولن تدرك السعودية خطورة ذلك إلا عندما تجد التهديد الحقيقي على الأرض وزحف المليشيا الإيرانية من العراق والمنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية ومن اليمن نحوها.

ومع الزخم الحاليّ، ومراضاة الحوثيين بلطف، من المجتمع الدولي ومن المملكة العربية السعودية ذاتها ومن إعلامها، يفترض على أقل تقدير أن ترفض السعودية والحكومة اليمنية، أي قرار دولي في مجلس الأمن يعمل على إلزام الأطراف اليمنية بوقف شامل لإطلاق النار، فالحوثيون مليشيا لا تؤمن بالقرارات الدولية، فهي لم تلتزم باتفاقها مع الشعب اليمني (مخرجات الحوار الوطني) ولا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (اتفاق السلم والشراكة) ولا مع الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح (اتفاق تأسيس المجلس السياسي الأعلى)، ولم تلتزم بالقرار الدولي 2216 و2451 و2452.

فقرار صادر من مجلس الأمن الدولي يلزم الأطراف اليمنية بوقف شامل لإطلاق النار، ما هو إلا حبل مشنقة نهائية للحكومة اليمنية، وهو إعلان انتصار إيران على التحالف العربي وترسيخ وجودها في اليمن وانتزاع شرعية دولية للحوثيين، والقرار الأممي 2451 بشأن ستوكهولم، مرجعية وعبرة لكل من يعتبر.

الخلاصة
ينبغي على السعودية والحكومة اليمنية أن ينتبها لموقف الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ويرفضا أي قرار أممي من شأنه يلزم الأطراف اليمنية بوقف إطلاق النار كما حصل في اتفاق ستوكهولم، لكون ذلك سيقيد الحكومة اليمنية أكثر ويطلق يد الحوثيين نحو مزيد من توسيع سيطرتهم على الأرض، كما حدث في اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية.

فاتفاق ستوكهولم قيد كثيرًا من تحركات القوات اليمنية المشتركة في الحديدة، ومنح الحوثيين حرية التنقل وإعادة لملمة صفوفهم، وتحولوا من الدفاع إلى الهجوم، بل ومنح الحوثيين شرعية السيطرة على الحديدة وموانئها، وقد يكون أي قرار دولي جديد، بمثابة منح الحوثيين اعترافًا دوليًا مجانيًا.

حقيقة فإن المبادرة السعودية الأخيرة، في لغة السياسية، قد يفهما الحوثي ويروجها أنها اعتراف بهزيمتها، وهذا الشعور يحاول الحوثي إيصاله لليمنيين، لحشد الكثير من القوى البشرية من أبناء القبائل، وقد يكون سببًا كبيرًا في تغيير موازين القوى سواء العسكرية أو السياسية أو حتى الحاضنة الشعبية، وهو ما بدا بالفعل بالبناء على ذلك بواسطة إعلامه تحت شعار “اليمن ينتصر” في إشارة للمبادرة السعودية.

فزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خرج متحدثًا بلغة التحدي، ومهددًا ما أسماها بلغة “القرآن”، ومتحدث جماعتهم، هدد بضرب أرامكو طالما لم تقدم السعودية أي تنازلات أو تنهي الحرب، وتسلم اليمن للقوات الموالية لإيران في اليمن، ورئيس مجلسهم السياسي، يدعو ما أسماهم المخدوعين بالعودة لحضن وطن مختطف لدى جماعته، ويلوح بالانتصار والبقاء جاثمين على قلوب كل اليمنيين.

فالحرب لن تنته في يوم أو ليلة، ولن يقبل الحوثيون بالأصبع الواحدة التي تحاول السعودية تقديمها إليهم كهدية مقابل وقف الطيران المسير على المنشآت الاقتصادية في السعودية، بل سيحاول الحوثيون التهام الذراع بشكل كامل، قبل أن يفترس الجسد كله.

وحتى لا يفهم الحوثيون ذلك بشكل خاطئ، يتوجب على المملكة العربية السعودية أو الحكومة اليمنية أن يحددوا للحوثيين سقفًا زمنيًا معينًا للقبول بها أو الرفض بعيدًا عن المراوغة وإبداء الملاحظات، فالوضع في اليمن لا يحتمل التأجيل، ولا بد من الحسم.. عسكريًا كان أو سياسيًا.

عن منصة نون بوست

زر الذهاب إلى الأعلى