يمنيون ينتقدون “الانتهازية السياسية” ويحضون على تنفيذ “اتفاق الرياض”
يترقب الشارع اليمني الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة بعد مرور عام على توقيع «اتفاق الرياض» ونحو 13 أسبوعاً من تكليف معين عبد الملك لتشكيلها.
وانتقد سياسيون يمنيون ما وصفوه بـ«انتهازية الأطراف السياسية» التي أدت إلى عرقلة تنفيذ الاتفاق الموقع بين الأطراف المؤيدة للشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وحذر عدد من السياسيين في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» من خطر تأخر تنفيذ الاتفاق في شقيه السياسي والعسكري، وأشاروا إلى أن طهران وأداتها المتمثلة في الميليشيات الحوثية هما المستفيد الأكبر من بقاء الخلاف بين الأطراف اليمنية.
وكانت الجهود السعودية قادت إلى توقيع «اتفاق الرياض» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، عقب أحداث أغسطس (آب) من العام نفسه والمواجهات العسكرية التي نشبت آنذاك في عدن، وانتقلت إلى أبين وشبوة.
ومع استمرار تباطؤ الأطراف اليمنية في تنفيذ الاتفاق والتهديد بالعودة إلى المواجهة المسلحة، عادت المساعي السعودية من جديد لمنع انفراط التقدم المحرَز، لتعلن المملكة في 29 يوليو (تموز) الماضي عن آلية لتسريع تنفيذ الاتفاق، بموافقة الطرفين، وهو ما أعقبه تكليف معين عبد الملك تشكيل الحكومة وتعيين محافظ جديد لعدن ومدير للأمن.
المصالح… اختزال المشكلة
في هذا السياق يرى الباحث السياسي والأكاديمي اليمني الدكتور فارس البيل أن اتفاق الرياض كان أعلى إنجاز سياسي لعلاج حالة تشظي الأطراف اليمنية، برؤيته المعتدلة وتفاصيله المتضمنة وضع أرضية لاستيعاب المستقبل اليمني باختلافاته، يدعمه بالتأكيد الدبلوماسية السعودية التي تلقى قبولاً من كل الأطراف، وتقود جهود استعادة الدولة اليمنية وتدعمها.
ويعتقد البيل – بالاستناد إلى المعطيات التي سردها «أنه لا بديل منجَز أفضل من (اتفاق الرياض) لحل هذه المشكلة» كما يعتقد «أن العائق هو المنفذ اليمني، حتى لو أُنجز له اتفاق أفضل من هذا» بحسب تعبيره.
ويضيف بالقول: «الإشكالية في الانتهازية السياسية، والبحث عن المصلحة الذاتية، واختزال المشكلة اليمنية في رؤية هذا الطرف أو ذاك، لذلك فإن أي اتفاق أدنى أو أعلى من اتفاق الرياض لن يجد سبيلاً للتحقيق، وحالة الانتهازية السياسية مستمرة، إذ ليست المشكلة في البنود حتماً، بل المشكلة في النفوذ الذي يريده كل طرف».
ينتقد البيل القوى السياسية المنضوية تحت راية الشرعية على خلفية عدم قدرتها على إنجاز الاتفاق والتسريع به، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الأطراف لا تدرك أنها ليست سوى حصيلة توافق طارئ، فهي بنفسها حصيلة اتفاق، ولم تأتِ بشرعية شعبية كاملة، بسبب الحرب والانقلاب، ومع ذلك تعد نفسها نابعة من قاع الشعب وبتفويضه، وهذا اختلال عميق، سمح لكل الأطراف السياسية الآن لكي تمارس هذه الخفة السياسية وتصارع لأجل ذاتيتها كما لو كانت تصارع لأجل ذات وحق الشعب».
ويرى البيل أن على هذه الأطراف «أن تدرك أن الشعب لا يحاسبها الآن لأنها مؤقتة وفي حالة توافق، ولا شرعية قانونية تملك أن تراقبها، لكنها مسؤولة ومنوط بها أن ترفع معاناة الناس لا معاناتها هي، وأن تحاول جهدها لإنهاء الأزمة واستعادة الدولة، لا ترسيخ وجودها هي». بحسب تعبيره.
ويتابع بالقول: «إذا أدركت الأطراف السياسية ذلك فإنها ستذهب إلى أي اتفاق لحماية اليمن واليمنيين وإسعادهم، وإذا لم تدرك طبيعة دورها في هذه المرحلة، فلن تنفع معها أي اتفاقات».
معاناة متفاقمة
بخصوص المخاطر المحدقة باليمن جراء تأخر تنفيذ الاتفاق، يرى الدكتور البيل أن ذلك «يقابله في كل ثانية معاناة أزيد لليمني البسيط، وأن بقاء هذا الخلاف دون تنفيذ (بحسب قوله) «يزيد من خسارة اليمن ومستقبلها، فكل يوم تتصلب الأطراف فيه لأجل مصلحتها يبتعد فيه اليمن عن الحاضر، ولا نرجو أن تأتي الفترة التي لا تجد فيها الأطراف هذه يمن تتصارع لأجله».
ويشير الباحث البيل في سياق حديثه إلى تبعات التأخر في تنفيذ الاتفاق: «حالة الدمار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والثقافي الذي يزيد كل يوم مع حالة اللااتفاق هذه، إذ يومياً يتضرر الحاضر اليمني والذهنية اليمنية، والعقل اليمني». وتابع محذراً: «سيصاب اليمنيون باليأس العميق والذبول وعدم الإنتاج ويتحولون إلى وحوش لا تثق إلا بجوعها».
وبسبب استمرار حالة التهرب من تنفيذ أي اتفاق يقود إلى لملمة الحياة والمؤسسة اليمنية يصف الدكتور البيل ذلك بأنه «جريمة لا تقل سوءاً عن جريمة الحرب والدمار، فمن يزيد من معاناة الناس لأجل مصلحته سيحاسبه التاريخ ولن يغفر له الشعب مهما تقلبت الأيام»، بحسب تعبيره.
تقوية الحوثيين؟
«لا مفر أمام جميع مكونات الشرعية ومناهضي الانقلاب الحوثي من تنفيذ اتفاق الرياض حرفياً والالتزام به دون مماطلة، والإسراع في ذلك». يجزم الكاتب والصحافي اليمني وضاح الجليل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «عدم الالتزام بكامل بنود (اتفاق الرياض)، وترتيبها زمنياً ومنطقياً؛ يتيح التنصل عن كامل الاتفاق لاحقاً وبالتالي عودة الأمور إلى نقطة الاشتباك والدخول في تعقيدات طويلة ومستجدة، وهو ما يعني بالضرورة الدخول في دوامة جديدة من التفسيرات والتأويلات التي قد تقود مجدداً إلى النزاع وتفويت الفرصة وإضاعة الوقت أمام الشرعية في مهامها وأولوياتها في استعادة مؤسسات الدولة».
وفي سياق التحذير من إطالة أمد التنفيذ للاتفاق وعن الأطراف المستفيدة من عدم تطبيقه على أرض الواقع، يرى الجليل أن الاتفاق «جاء لإنهاء الأزمة بين مكونات الشرعية ولتجاوز حالة الانقسام وإلغاء أسباب الفساد وتردي الخدمات في المناطق المحررة؛ ومن دون تنفيذه فإن الأمور مرشحة لمزيد من التشظي وإتاحة الفرصة أمام ميليشيا الحوثي العنصرية لتوسيع نفوذها وتحقيق تقدم ميداني وانتصارات سياسية تتمثل في تماسك جبهتها الداخلية مقابل تشظي جبهة الشرعية».
ويعتقد الجليل أن هذه المكاسب الحوثية الناجمة عن عدم تنفيذ «اتفاق الرياض» ستقود بالضرورة إلى نجاح الضغوط الدولية باتجاه إجبار الشرعية على تقديم تنازلات أمام الحوثي والموافقة على الدخول في مشاورات منقوصة وبشروط مجحفة، والأسوأ من ذلك هزيمة الشرعية أمام المجتمع وفقدانها ثقته وتأييده، بحسب تعبيره.
ويشاطر الكاتب اليمني والحقوقي همدان العليي هذه المخاوف، ويحذر بدوره في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من استمرار المراوحة ويقول: «هذا الاتفاق مهم لنتجاوز مرحلة المراوحة في مكاننا فيما يخص مواجهة الحوثي واستعادة الدولة، فكلما تأخرت عملية الانسجام بين مكونات الشرعية وتطبيق اتفاق الرياض كان هذا الأمر لصالح الحوثي».
ويعتقد العليي أن «الإسراع في إنجاز وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الرياض، سيكون لصالح اليمن ولصالح المنطقة ككل، أما التأخير فيصب في مصلحة إيران والجماعة الحوثية»، بحسب قوله.