تزايد الضغوط الشعبية على الحكومة بتجميد اتفاق ستوكهولم
تتزايد مطالبات شعبية ورسمية في اليمن بإلغاء اتفاق ستوكهولم، الموقع بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، بالتزامن مع تصاعد هجمات الحوثيين، المتحالفين مع إيران، على محافظة مأرب النفطية شرقي البلاد.
وطلب 26 من أعضاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، الإثنين 14 سبتمبر 2020، من الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته ضرورة إلغاء الاتفاق، والبدء في تحرير مدينة الحُديدة (غرب) من الحوثيين، المسيطرين عليها منذ ست سنوات.
جاء ذلك بعد أيام فقط من طلب مشابه تقدم به 28 نائبا في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان).
وأبلغ وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، الأحد، مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن، مارتن غريفيث، بأن اتفاق ستوكهولم “لم يعد مجديا ولا أهمية له”، وهو ما أصبح ذلك نعمة يكررها وزير الخارجية، دون أن يكون هناك موقفًا محددًا وواضحًاـ تجاه التمادي الحوثي.
وشدد الحضرمي على ضرورة أن يضطلع مجلس الأمن بمسؤولياته، ويدين التصعيد والانتهاكات الحوثية المستمرة، لافتا إلى أن مأرب تحتضن أكثر من 3 ملايين مواطن، جلهم من النازحين والمهجرين بسبب “حروب الحوثي العبثية”.
وقبلها بأسبوعين، صرح رئيس البرلمان، سلطان البركاني، بأن الحكومة تواجه ضغوطات شعبية شديدة مطالبة بإلغاء اتفاق ستوكهولم؛ بسبب التصعيد العسكري المستمر للحوثيين في عدة جبهات، خصوصا مأرب.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، وقعت الحكومة والحوثيين اتفاق ستوكهولم، بعد مشاورات في العاصمة السويدية، برعاية الأمم المتحدة.
وكان الهدف الرئيسي من الاتفاق هو حل الوضع المضطرب ووقف المواجهات العنيفة آنذاك في محافظة الحُديدة، التي تحوي ميناء استراتيجيا يسيطر عليه الحوثيون حتى اليوم، ويستقبل قرابة 70 بالمئة من واردات اليمن، كأكبر منفذ حيوي في البلاد.
وجاء هذا الاتفاق بعد ضغوطات دولية وأممية كبيرة، نجحت في إيقاف هجمات قوات موالية للحكومة ضد الحوثيين في مدينة الحدُيدة، مركز المحافظة.
واستطاعت هذه القوات التقدم إلى بعض أحياء المدينة، والسيطرة على بوابتها الشرقية، وباتت على مقربة كبيرة من وسطها، لولا تدخل ضغوطات دولية هائلة تحت مبررات إنسانية تشير إلى أن عددا كبيرا من السكان سيتضررون من الحرب، وأنه في حال تضرر الميناء ستتوقف عملية المساعدات عبر المنفذ الذي يصل من خلاله حوالي ثلثي الإغاثة الدولية إلى اليمن.
ونجحت الضغوط الدولية والأممية في إيقاف المواجهات والاتفاق على هدنة بين الطرفين، وسط اتهامات يومية متبادلة بشأن اختراقها في عدة جبهات في المحافظة. ولم تحقق الحكومة أو الحوثيون أي تقدم ميداني منذ الاتفاق.
ورغم أن الاتفاق كان الهدف منه أيضا، ولو بشكل غير معلن، أن يعمل على التهدئة في كافة أرجاء اليمن، واتخاذ الوضع في الحُديدة كنموذج لهدنة شاملة، إلا أن هناك اتهامات للحوثيين بتحويل قواتهم إلى جبهات أخرى، عن طريق استغلال اتفاق ستوكهولم، ونجحوا منذ مطلع العام الجاري في السيطرة على معظم جبهة نهم شرقي صنعاء (شمال)، ومدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف (شمال)، ومناطق في جبهات أخرى، وهو ما أثار غضب الحكومة بشكل متكرر.
ضغط حوثي مستمر
مدينة مأرب هي آخر معقل للحكومة الشرعية في المناطق الشمالية لليمن، وفيها مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان، وهي أهم موطن للنازحين، حيث تشير تقديرات إلى أنها تحوي قرابة مليون نازح.
ومنذ أسابيع يهاجم الحوثيون محافظة مأرب من اتجاهات عدة، للوصول إلى مركزها (مدينة مأرب)، واستطاعوا تحقيق تقدم ميداني في مديريتي ماهلية ورحبة.
ورسميا، أعلن الحوثيون، قبل أسابيع، انطلاق ما أسموها “معركة تحرير مأرب”، ودفعوا بتعزيزات عسكرية غير مسبوقة لتحقيق الهدف.
وقال مصدر عسكري حكومي رفيع المستوى، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن المطالب المتكررة بإلغاء اتفاق ستوكهولم هي فقط من أجل إزالة الضغط العسكري الهائل الذي ينفذه الحوثيون على مأرب.
وأضاف أن “الحوثيين يستميتون للسيطرة على مدينة مأرب، التي تعد آخر معاقل الشرعية في شمالي البلاد، ورمزا مهما وحيويا للحكومة الشرعية وحتى التحالف العربي، بقيادة (الجارة) السعودية”.
ومنذ 2015، ينفذ هذا التحالف عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
وتابع: “من المؤسف أن هجمات الحوثيين أتت بضوء أخضر من جهات دولية، أبرزها بريطانيا، التي لا تمانع في سيطرة المسلحين المدعومين من إيران على هذه المدينة الحيوية، رغم التجمع السكاني الهائل فيها، والذي قد يتضرر كثيرا من الحرب”.
وتساءل مستنكرا: “تم إيقاف تحرير الحُديدة باتفاق ستوكهولم، تحت مبررات إنسانية، فلم لا يتم وقف هجمات الحوثي على مأرب، رغم أن المدينة من أكثر مدن اليمن اكتظاظا بالسكان والنازحين (؟!)”.
واستطرد: “هناك حسابات لا نستطيع تفسيرها، ففي الوقت الذي يتقدم فيه الحوثي في مأرب، استمر الجيش في التقدم بمحافظة الجوف، باتجاه عاصمتها مدينة الحزم”.
ومواجهات مأرب، التي تدور منذ أسابيع، هي الأشرس منذ بدء الحرب، حيث فقد فيها الحوثيون عددا كبيرا من مقاتليهم.
وخسر الحوثيون قيادات ميدانية بارزة في مأرب والجوف، منهم من يحمل رتبة لواء أو عميد، وهو مؤشر يؤكد أن الحوثيين لن يتراجعوا عن هذه المعركة ما لم يتم كسرهم عسكريا من القوات الحكومية، التي ما زالت تعزز نفسها عن طريق الدفع بأفراد من محافظات أخرى للمساعدة في إحباط هجمات الحوثيين هناك.
كما تكبدت القوات الحكومية خسائر بشرية كبيرة في معارك مأرب وجبهات أخرى، خلال الفترة القليلة الماضية، بينهم قادة عسكريون بارزون برتبة عميد.
وأودت الحرب المتواصلة بحياة 112 ألف شخص، بينهم 12 ألف مدني، ودفعت بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، إذ بات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليونا، يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.