كيف يحصل النباتيون على الفيتامينات الضرورية في تغذيتهم؟
يتمتع النباتيون بنظام غذائي من الحبوب، والبقول، والمكسرات، والبذور، والخضراوات، والفواكه مع اختيار البعض منهم أيضاً منتجات الألبان، بما في ذلك الجبن «النباتي» (المصنوع باستخدام خضراوات المنفحة) والبيض.
وتشير الدراسات إلى أن اتباع نظام غذائي نباتي مثل هذا يمكن أن يكون وسيلة صحية لتناول الطعام مع عدد أقل من حالات السمنة وأمراض القلب والسكري من النوع الثاني. وعادة، يحتوي النظام الغذائي النباتي المتنوع على كميات أقل من الدهون المشبعة والمزيد من حمض الفوليك والألياف ومضادات الأكسدة.
عناصر مفقودة
ما هي العناصر الغذائية التي قد تكون مفقودة من نظام غذائي نباتي؟
غالباً ما يتم انتقاد الوجبات الغذائية النباتية؛ لأنها تفتقر إلى العناصر الغذائية الرئيسية، مثل فيتامين «بي 12»، وأحماض «أوميغا3» الدهنية، والكولين؛ لأن هذه العناصر الغذائية منخفضة بشكل طبيعي في الأطعمة النباتية.
لقد تم تسليط الضوء على هذه العناصر الغذائية الأساسية أخيراً في الولايات المتحدة؛ لأن الأميركيين لا يحصلون على ما يكفي منها. ووفقاً لدراسة حديثة، فإن نحو 11 في المائة فقط منهم يلبون احتياجاتهم اليومية، و65 في المائة لا يعرفون حتى ما هي!
ومع ذلك، فإن تناول هذه المغذيات أمر بالغ الأهمية لصحة الفرد، وخاصة للحفاظ على نظام الكبد الصحي، والدماغ. بينما يحتاج الجميع إلى الكولين، الذي يبدو أنه أكثر أهمية في وقت مبكر من الحياة أثناء نمو المخ، وفي وقت لاحق في الحياة لمنع التدهور المعرفي. لهذا السبب قامت إدارة الغذاء والدواء (FDA) أخيراً بتأسيس مؤشر «المدخول الغذائي المرجعي» RDI من 550 مليغراماً (ملغم) للكولين للبالغين والأطفال الذين تزيد أعمارهم على 4 سنوات.
الكولين. أين يمكنك الحصول عليه في نظامك الغذائي النباتي؟
تشمل أهم المصادر كبد لحم البقر، والبيض، ولحم البقر، والسلمون، والدجاج، وسمك القد. لكن من أين ستحصل على الكولين إذا كنت نباتياً؟ يمكن للنباتيين الحصول على بعض الكولين في البيض ومنتجات الألبان. وهناك الكثير من مصادر الكولين النباتية بما في ذلك البقوليات و«التوفو» والخضراوات الورقية، والبطاطا، والمكسرات، والبذور، والحبوب، والفواكه – وكلها تحتوي على بعض كميات الكولين. ومع ذلك، فإن المصادر النباتية منخفضة إلى حد ما في الكولين؛ مما يجعل من الصعب الوصول إلى المدخول الغذائي المرجعي الذي يبلغ 550 ملغم يومياً إذا كنت نباتياً. علماً بأن متوسط تناول الكولين في الولايات المتحدة هو 402 ملغم في الرجال و278 ملغم في النساء.
وتشير إيما ديربيشاير، استشارية التغذية في جامعة سيري في المملكة المتحدة، في بحثها المنشور العام الماضي في مجلة Journal BMJ Nutrition، prevention and health، إلى أن نقص الكولين قد يسبب أزمة صحية عامة. ولم يتضح بعد إلى كم يحتاج الشخص بالضبط من الكولين، إلا أن البيض واللحوم الحمراء هما أفضل مصادر الكولين الغذائية، وأن قلة تناول المنتجات الحيوانية قد يعني أننا نفتقدها كمغذيات حيوية أساسية دون معرفتنا بذلك، بل إن حتى من يتناول اللحوم قد لا يحصل على ما يكفي من الكولين.
دور الكولين
يمكن تشبيه الكولين بأحماض «أوميغا3» الدهنية؛ لأنه من العناصر الغذائية «الأساسية» التي لا يمكن إنتاجها بواسطة الجسم بكميات لازمة للمتطلبات البشرية. يدرك معهد الولايات المتحدة للطب(IOM) والهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) أن الكولين يلعب دوراً مهماً في جسم الإنسان، وقد وضع قيماً مرجعية غذائية.
وقد نشرت الجمعية الطبية الأميركية في عام 2017 نصيحة تفيد بأن مكملات الفيتامينات السابقة للولادة يجب أن تحتوي على كميات «مبنية على الأدلة» من الكولين. وبالمثل، دعت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال من عام 2018 أطباء الأطفال إلى تجاوز مجرد التوصية «بنظام غذائي جيد»، والتأكد من أن النساء الحوامل والأطفال الصغار يحصلون على الغذاء الذي يوفر كميات كافية من المواد الغذائية المهمة لنمو الدماغ، وأن الكولين هو أحدها. ومن المستغرب أن يجري التغاضي عن الكولين لفترة طويلة في المملكة المتحدة؛ إذ تقول الباحثة ديربيشايران «الكولين مستبعد في الوقت الحالي من قواعد بيانات الأغذية في المملكة المتحدة، ومن الدراسات الغذائية الرئيسية، ومن المبادئ التوجيهية الغذائية». كما أشارت الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن بعضها كان يمرض بسبب افتقار نظامها الغذائي للكولين.
وبناءً على ذلك، ابتكر ستيفن زيزل من جامعة «نورث كارولاينا» الأميركية في بحثه المنشور في مايو (أيار) 2019 في مجلة FASEB اختباراً نهائياً عن طريق حث المتطوعين على البقاء في المستشفى لعدة أسابيع يتناولون الطعام المقدم لهم. بعد تلك الفترة ظهر أن المتطوعين الذين حصلوا على لفائف الخبز من دون الكولين كانت لديهم زيادة من أنزيمات الكبد في دمهم وتراكم الدهون في كبدهم، وبناءً على ما جاء في مثل هذه البحوث تمت إعادة تقييم الكولين. واتضح أن حليب الأم غني بالكولين وأن النساء الحوامل تضخ الكولين عبر المشيمة أثناء فترة الحمل؛ مما يؤدي إلى زيادة مستوياته في الأجنة إلى مستويات أعلى بمرات من دم الأم. وأصبح معلوماً الآن أن الكبد في الشخص البالغ يصنع القليل منه، لكن ما ينتجه الكبد لا يكفي لتلبية متطلبات الجسم.
في عام 1998، نصح المعهد الطبي الأميركي بوجوب أن يستهلك الرجال 550 مليغراماً في اليوم والنساء 425 مليغراماً، أو أكثر إن كن من الحوامل أو المرضعات، من الكولين.
ويعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة من حالة خفيفة من الكبد الدهني. وهذا سببه الأكل غير الصحي، لكن زيزل يقول: إن قلة الكولين ربما تكون السبب في بعض الحالات إلا أن المصابين بالكبد الدهني هم أكثر عرضة لبعض المتغيرات الجينية؛ مما يعني أنهم يصنعون كميات أقل من الكولين. وأكثر المخاوف بشأن تناول الكولين يتعلق بأدمغة الجنين. كانت هناك بعض التجارب لمعرفة ما إذا كان إعطاء النساء الحوامل جرعات أعلى من الكولين تساعد على نمو دماغ الجنين وأظهرت إحدى التجارب أنه عندما أخذت النساء ضعف الجرعة الموصى بها من الكولين أثناء فترة الحمل كانت ذاكرة أطفالهن في سن 7 سنوات أفضل.
وتقول ماري كوديل Marie Caudill من جامعة كورنيل في نيويورك، في بحثها المنشور في يوليو (تموز) 2019 في مجلة Nutrients، إن إضافة الكولين إلى النظام الغذائي للأم يحسّن من نتائج الحمل ويحميها من بعض الأضرار العصبية والتمثيل الغذائي. ومعظم النساء الحوامل في الولايات المتحدة لا يحصلن على ما موصى به من الكولين، ومن المرجح أن يستفدن من الأغذية المدعمة بالكولين.
أهمية الكولين للأطفال
هناك إجماع متزايد على أن الكولين ذو أهمية للأطفال والأجنة، ويجب على الشركات المصنعة لحليب الأطفال ضمان الحد الأدنى من مستوى المنتجات سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا. في عام 2018 دعت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال النساء الحوامل للتأكد من أنهن يحصلن على ما يكفي من الكولين، وهذا ليس بالأمر البسيط فإن معظم ما يؤخذ من فيتامينات متعددة قبل الولادة لا تحتوي على الكولين، حيث تشتمل بعضها على 100 مليغرام، وهو أقل بكثير من الموصى به.
المشكلة، أن إضافة هذه الكمية من الكولين إلى قرص الفيتامينات يجعل القرص كبيراً بحيث يصعب ابتلاعه. وتقول الباحثة ديربيشاير، إن هناك مصادر نباتية للكولين مثل المكسرات وفول الصويا، لكنها تحتوي على أقل بكثير مما يحتويه البيض واللحوم الحمراء. والكثير من النباتيين يمكنهم أخذ مكملات الكولين، لكنهم لا يفعلون ذلك. وتقول الجمعية البريطانية للنباتيين، إن لا شيء يدعو للقلق بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون على نظام غذائي متنوع يعتمد أساساً على الحد الأدنى من الأطعمة النباتية المصنعة.
يقول والتر ويليت Walter Willett من كلية الطب في جامعة هارفرد في كتابه الموسوم «تناول الطعام والشراب وكن بصحة جيدة» Eat Drink and be Healthy من الواضح أن الكولين هو جزيء مهم، لكننا لا نزال لا نعرف ما هي الكمية اللازمة للصحة المثالية. لكن هذا لا ينبغي أن يؤخرنا عن التحول إلى نظام غذائي صحي ومستدام. ثم يتساءل إذا كانت هناك مادة موجودة أساساً في المنتجات الحيوانية مفيدة جدا فلماذا تقول معظم البحوث إن الناس يعيشون لفتره أطول عندما يأكلون القليل من اللحوم الحمراء؟ وما زال أمامنا الكثير لدراسة الكولين وأهميته في التغذية خاصة بالنسبة للنباتيين.
المصدر: الشرق الأوسط