عن الحوار والاستسلام.. بين الحوثيين والسعودية
خلال الفترة الأخيرة زاد الحديث عن السلام في المنطقة وخصوصًا في اليمن بشكل كبير، وهناك تحركات حثيثة من دول لها حضورها الإقليمي وتأثيرها السياسي ولها ثقل في القرار الأخير (السعودية)، وهي مبادرة حسن نية لمن لا يعرف الهدف الحقيقي للطرف الآخر (إيران وأذرعها الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي العراقي).
لست ضد السلام العادل والمنشود، ولكن أنا ضد أن يكون هناك سلام وهو عند الطرف الآخر “استسلام” وهذا ما بدأت تتحدث به المليشيا الحوثية في المناطق التي تسيطر عليها، وهي تريد أن تفرض أمر شيعي إيراني واقع على اليمن برمتها، لتأتي الاتفاقيات السياسية فيما بعد مجرد تعميد واعتراف دولي بأيرنة وشيعنة وعرقنة اليمن.
ما دفعني لكتابة هذه السطور، هو الخديعة التي يمارسها الحوثي على أرض الواقع والمغالطات التي ينشرها دوليًا عبر أجهزته الإعلامية القوية والتي يبدو أنها تؤتي ثمارها وأفعالها.
عندما أعلن مهدي المشاط رئيس أعلى هيئة سياسية لدى الحوثيين، عن هدنة من طرف واحد وقبلت بها السعودية، كانت هذه هي الرسالة الأولى للعالم أن الحوثيين هم دعاة سلام عبر مسرحية هزيلة صدقها البعض، بينما على أرض الواقع عملوا على تغيير المناهج الدراسية، واخذوا حرية في التنقل والحشد العسكري، وصل بهم الأمر إلى تنفيذ عرض عسكري مهيب وسط العاصمة اليمنية صنعاء.
تلك هي مراوغة يعرفها اليمنيين كثيرًا وقد تعاملوا مع الحوثيين منذ أن كانوا في كهوف صعدة، واستغلوا الاتفاقيات وعشق اليمنيين للسلام إلى أن سيطروا على اليمن برمتها، وربما يعرف العالم المراوغة الإيرانية في اتفاقياتها واستغلالها التراخي العربي والسيطرة على العواصم العربية والقرار السياسي لها بل وشيعنة شعوبها.. والحوثيون لا يختلفون عنها كثيرًا.
المبادرة التي أطلقها الحوثيين، هي جزء من خطة إيرانية بعيدة المدى، فهدوء الجبهات، تمنح إيران بتقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجستي للحوثيين، بينما تعطي الحوثيين استراحة للاستعداد هذه المرة لاستعادة ما خسرته في معركتها مع اليمنيين، وأخشى أن يكون ذلك قريبًا.
الحوار الذي تجريه السعودية مع الحوثيين إن صحت تلك التسريبات، فهذا أمرٌ جيد، ويدل على أن السعودية تسعى بحسن نية لوقف الحرب بين اليمنيين الذي تدعمهم، لكن حوارها لابد أن يكون على أكبر قدر من الاحترافية، خصوصًا وأنها تحاور جماعة مراوغة، في ظاهرها الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وفي باطنها اللؤم والخبث، وما هي إلا جند من جنود إيران في تحقيق حلم “الهلال الشيعي”.
إن كان هناك حوارًا حقيقًا بين السعودية والحوثيين، اعتقد لا مشكلة في ذلك لدى اليمنيين، وإنما الخشية من أن تنخدع السعودية بالحوثيين، وتمنح اليمن على طبق من ذهب لإيران من غير قصد، فالحوثيون سيقبلون على الأقل بشرط سعودي مثلا أن يتخلوا عن إيران.. سيقبل الحوثيين ذلك مقابل شروط أخرى بأن تدعم السعودية التوجه الطائفي الحوثي في اليمن تحت بند دعم “الزيدية” مثلاً.
هل ستعود اليمن على أقل تقدير إلى ما قبل 2011 بالتنوع الطائفي والقبلي والمناطقي، أم أن الاتفاق سيكرس لإنشاء حزب الله آخر تحت بند حماية الحدود السعودية.. ( ومِنْ مَن الحماية)!
هل سيقبل الحوثيين أن يندمجوا بين الشعب اليمني، أو أن الاتفاق سيمنحهم السلطة المطلقة للتحكم في نظام الحكم في اليمن، ويجعلهم في مرتبة الإله وبقية اليمنيين مجرد عبيد؟
هل سيكون الاتفاق على أن تكون اليمن نظام اتحادي جمهوري إقليمي، أم أن الاتفاق والمراوغة سيمنحهم نصيب حزب الله في اليمن وإنشاء مرجعية شيعية حالها كحال العراق وإيران، وهل نسمي ذلك انسلاخ حوثي من إيران؟!
وبينما الآن التسريبات تتحدث عن أن هناك حوار جدي بين الجماعة الحوثية الموالية لإيران وأن الأمور وصلت إلى مراحل متقدمة والاتفاق على طي صفحة هادي، فإن أدوات الحوثيين في اليمن تتحدث عن نصر لها على التحالف العربي، وهي بذلك تكشف عن وجهها الحقيقة المطلقة من ذلك الحوار أو التسريبات.
الإشاعة التي تنشرها الجماعة الحوثية بين الأوساط الشعبية والقبلية في مناطق سيطرتهم هي لهدف التعبئة، وهي وتصور الأمر لأتباعها أنها أصبحت ذات قوة لا يستهان بها، ومن ثم ترهب بعض الشخصيات المؤلفة قلوبها والمنضوية تحت الشرعية بهدف إعلان انشقاقاتها والوصول إلى “السائلة” من أجل التصوير مع محمد البخيتي.
الإشاعة التي تنشرها المليشيا الحوثية، قد يكون له أثر كبير لدى القيادات في مأرب ونهم وصعدة في غالبية مناطق الجبهات، حين تصلهم مثل هكذا معلومات، يشعرون بيأس من الحكومة والتحالف، ويسلمون بعض تلك الجبهات للحوثيين دون قتال.. اعتقد أن الحوثيين يشتغلون جيدًا على هذه النقطة بالذات..