«ثورة جياع».. هل هذا ما ينتظر لبنان؟
عادت الاحتجاجات الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية، بعد فترة ترقب لأحداث متتالية فرضت نفسها على الساحة الداخلية إبان تشكيل حكومة حسان دياب، في 11 فبراير/ شباط الماضي، ومعالجتها لأزمات سياسية ومالية مستفحلة.
ومع تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء (غير الرسمية)، انعكست تداعيات سلبية على أسعار المواد الاستهلاكية الأولية، وتآكلت رواتب الموظفين بجميع القطاعات.
ورغم إجراءات مشددة اتخذتها الحكومة لمكافحة فيروس كورونا، خرجت في مدينة طرابلس (شمال) احتجاجات نددت بالأوضاع التي هدّت كاهل المواطن.
وشهدت مناطق أخرى في البقاع (شرق) وغرب العاصمة بيروت، إغلاقا لطرقات ووقفات احتجاجية، حمّل المحتجون خلالها الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية التدهور المعيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخ لبنان.
محتجون: باقون في الشارع
يقول خالد طالب (30 عاما)، عمل حر، للأناضول، إنه شارك في احتجاجات طرابلس خلال الأيام الماضية، لأنه غير قادر على تأمين لقمة العيش لعائلته.
فيما يوضح حميد النيني (35 عاما)، صاحب متجر بطرابلس: “خروجي إلى الشارع هو للتعبير عن الحرمان الذي نعيشه، فقدنا الثقة بالحكام، وسنبقى في الساحات حتى تحقيق مطالبنا”.
ومستنكرة، تساءلت ابنة مدينة صيدا (جنوب)، ثريا غالب (27 عاما)، جامعية: “كيف يمكننا أن نأكل واللحمة باتت بـ35 ألف ليرة؟ نحن من دون عمل، وباقون في الشارع إلى ما شاء الله”.
ومنذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، يشهد لبنان احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.
ومع تأزم الأوضاع، تتصاعد تساؤلات بشأن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة، وإن كانت “ثورة جياع” على الأبواب.
خطة إنقاذية
وفق منير الربيع، كاتب ومحلل سياسي، فإن “التحركات (الاحتجاجات) كانت متوقعة، وستزداد وتيرتها بسبب عدم عمل الحكومة على إنجاز خطة إنقاذية وإصلاحية حقيقية”.
ويعتبر أن “الخطة المقدمة من حكومة دياب، توصّف المشكلات والأزمات في البلاد وتدل على نية العمل، ولكن السؤال هو: كيف ستبدأ؟”.
ويتابع الربيع للأناضول: “اللبناني غير قادر على الانتظار أكثر في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتحليق سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وكل الأزمات التي تخيم على البلاد”.
ويرى أن “التحركات مقسّمة إلى 3 أقسام، الأول أشخاص يتظاهرون ضد المصارف، وأشخاص يخرجون ضد الجوع، وآخرون تحرّكهم أطراف سياسية لمحاولة استغلال التحركات لإسقاط الحكومة أو التركيبة السياسية الحالية”.
ويرجح أن “لبنان مقبل على تحركات واحتجاجات كثيرة، إضافة إلى كثير من الصدام السياسي، الذي قد ينعكس في الشارع”.ويستبعد الربيع، وجود نية دولية لدعم لبنان ماليا.
وصدّقت الحكومة اللبنانية بالإجماع، الخميس الماضي، على خطة إنقاذ تستغرق 5 سنوات، لانتشال الاقتصاد المحلي من مستويات تراجع حادّة، أفضت إلى عجز بيروت عن دفع ديون خارجية.
وضع مالي قاتم
ويعتبر غسان حجار، كاتب ومحلل سياسي، أن “الواقع الجغرافي للتحركات يدل على أن الاحتجاجات ستتمدد وتتوسع.. طالما بقي الوضع المالي على حاله، فالغضب متصاعد”.
وينفي حجار، للأناضول، صحة ما يتردد عن وجود أيادٍ خفية وراء خروج المحتجين إلى الشارع لإسقاط الحكومة.
ويقول: “هذا غير وارد، وإذا الأصابع (الاتهامات) موجهة إلى سعد الحريري، فهو غير مستعد لترؤس أي حكومة في ظل هذه المرحلة، فهي مصيرية ومرحلة جوع وفقر”.
وبعد 12 يوما من بدء الاحتجاجات، أجبر المحتجون حكومة الحريري على الاستقالة، ثم حلت محلها حكومة دياب.
وحذر دياب، في وقت سابق، من “خطة خبيثة” لـ”وضع الناس ضد الجيش”، مهددا بإعلان أسماء ما قال إنها “جهات” تحرض على الشغب خلال الاحتجاجات الشعبية.
وبشأن إن كانت الاحتجاجات ستأخذ منحى عنفيا، يرد حجار: “من الطبيعي، فالثورة لا تكون في الصالونات، والجائع لا يستطيع التحمّل، والمودع الذي حُجزت ودائعه (بالبنك) كيف يمكن ضبط غضبه؟”.
ويوضح: “فور وضع حلول جدية سيخرج الناس من الشارع تلقائيا، لكن عندما يتمدد الجوع، سنشهد خروج الآلاف إلى الشارع، فالفقر لا طائفة ولا هوية له”.
ويصف حجار، الوضع المالي بأنه “قاتم”، والمشهد السياسي بـ”المعقد”.
وتقول جهات لبنانية إن جماعة “حزب الله”، حليف إيران، مسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، بسبب تدخلاتها في سياسات الدول المجاورة، ما جعل البلاد رهينة، بينما في أزمات مالية سابقة تدخلت دول عربية وأجنبية لمد يد العون لبيروت.
وعادة ما ينفي “حزب الله” أي مسؤولية له عن تدهور الأوضاع المعيشية للبنانيين.
ويتفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية لتنفيذ خطته الإصلاحية، في ظل وضع مالي صعب تعانيه دول العالم كافة، جراء جائحة كورونا.