مراقبون: واشنطن غيّرت استراتيجيتها تجاه الحوثيين وتتحرك الآن لإغلاق شريان الدعم الإيراني للجماعة

اعتبر مراقبون ومحللون سياسيون، أن دعوة الولايات المتحدة لمجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف تدفق الأسلحة والأموال إلى مليشيا الحوثي، وإنشاء آلية بحرية لتطبيق حظر السلاح على غرار عملية “إيريني” الخاصة بليبيا، تمثل تحولًا لافتًا في الموقف الأمريكي من جماعة الحوثي ومن مجمل الملف اليمني.

وجاءت هذه الدعوة في كلمة ألقاها المستشار السياسي لبعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة جون كيلي خلال جلسة مجلس الأمن الخاصة باليمن، مساء الأربعاء، حيث شدد على ضرورة وقف الانتهاكات المنهجية للعقوبات التي تتيح للحوثيين الحصول على الأسلحة والمكونات الإلكترونية المتقدمة والمواد ذات الاستخدام المزدوج، مؤكداً أن استمرار هذا الوضع “يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة وحرية الملاحة الدولية”.

وقال “كيلي” إن التقرير الأخير لفريق الخبراء حول اليمن “يُعد جرس إنذار للعالم”، إذ أثبت أن الحوثيين باتوا يمتلكون شبكة مالية وعسكرية معقدة تمكّنهم من تمويل أنشطتهم وتنفيذ هجمات عابرة للحدود، من بينها هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مدنيين في مدينة إيلات الإسرائيلية ومواقع بحرية وتجارية في البحر الأحمر.

ويرى مراقبون، أن توقيت الموقف الأمريكي الجديد ليس صدفة، بل يرتبط بتصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وارتباطها المباشر بالتصعيد الإيراني في الإقليم، فواشنطن، بحسب المحللين، أدركت أخيرًا أن التغاضي عن تمدد الحوثيين سمح بتحويل اليمن إلى منصة إيرانية متقدمة لتهديد أمن الملاحة والطاقة العالمي، وهو ما يمس المصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية بشكل مباشر.

ويشير محللون إلى أن الولايات المتحدة ظلت لسنوات تمسك العصا من المنتصف في التعامل مع الحوثيين، مفضّلةً التركيز على المسار الإنساني والدبلوماسي دون حسم موقفها العسكري والسياسي، في محاولة للحفاظ على قنوات تواصل غير مباشرة مع الجماعة، غير أن سلسلة الهجمات البحرية الأخيرة، واستخدام الحوثيين طائرات مسيّرة وصواريخ متقدمة ضد سفن تجارية ومنشآت في السعودية وإسرائيل، دفعت واشنطن إلى تغيير مقاربتها من “الاحتواء” إلى “الردع”.

وبحسب المحللين، فإن الدعوة الأمريكية لإنشاء آلية بحرية دولية جديدة تشبه عملية “إيريني” في ليبيا تهدف إلى فرض رقابة فعلية على طرق التهريب البحرية القادمة من إيران، وتعطيل الشرايين اللوجستية التي تغذي الحوثيين بالأسلحة والمكونات التقنية، كما تسعى واشنطن إلى بناء مظلة أمنية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر وخليج عدن، تعيد ترتيب موازين القوة وتحد من قدرة الجماعة على تهديد التجارة العالمية.

ويقول المراقبون، إن هذا التحرك يعكس إدراكاً متزايداً في واشنطن بأن القضاء على النفوذ الحوثي بات شرطاً ضرورياً لاستقرار اليمن والمنطقة، خاصة بعدما تحولت الجماعة إلى ذراع عسكرية متقدمة لإيران على باب المندب.

ويرون أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى الحوثيين كـ”طرف داخلي” في الأزمة اليمنية، بل كقوة خارجة عن القانون الدولي تتجاوز تهديداتها الإطار المحلي إلى مستوى تهديد الأمن الدولي نفسه.

ويعتقد محللون أن هذا التحول قد يُمهّد لمرحلة جديدة من الضغوط الأمريكية، تشمل توسيع العقوبات، وملاحقة الشبكات المالية التابعة للجماعة، وربما دعم عمليات استخباراتية وعسكرية محددة تستهدف تعطيل قدراتها الجوية والبحرية.

ويختتم المراقبون تحليلهم بالتأكيد على أن الخطاب الأمريكي الأخير هو إشارة واضحة إلى أن واشنطن تخلّت عن سياسة الغموض والتوازن في الملف اليمني، وأنها تميل أكثر نحو تشكيل تحالف دولي فعّال يهدف إلى كبح الحوثيين عسكريًا واقتصاديًا، بعد أن ثبت أن مقاربات “الاحتواء والدبلوماسية الهادئة” فشلت في ردع الجماعة.

زر الذهاب إلى الأعلى