العلاقة الغامضة بين إسرائيل ومليشيا الحوثي.. خرق الاتفاقات السرية أم مناورة إستراتيجية؟

تشهد المنطقة تطوراً استراتيجياً جديداً مع إقدام إسرائيل على شراء طائرات للتزود بالوقود، في خطوة تُفسر كاستعداد لتنفيذ عمليات جوية واسعة النطاق ضد مواقع إيرانية وحوثية في اليمن.
هذا التطور يطرح تساؤلات محورية حول طبيعة العلاقة الغامضة بين الكيان الصهيوني ومليشيا الحوثي الإرهابية، وما إذا كانت هذه الاستعدادات العسكرية تُشير إلى خرق الذراع الإيرانية في اليمن لاتفاقات سرية مع تل أبيب، أم أنها مجرد مناورة إسرائيلية للتوسع في المنطقة.
تكتسب صفقة الطائرات أهمية خاصة في ظل التطورات الأخيرة، حيث كشفت مصادر أمنية إسرائيلية عن استعدادات لشن هجوم واسع على المواقع الحوثية في اليمن، والذي من المتوقع أن يستهدف المواقع الاستراتيجية بما في ذلك مراكز القيادة والسيطرة ومنصات إطلاق الصواريخ، إضافة إلى البنى التحتية الإيرانية التي تدعم المليشيا بالأسلحة والتدريب والتمويل، والموانئ والمطارات التي تستخدم في نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.
تأتي هذه التطورات وسط تصاعد التوتر بين إسرائيل ومحور المقاومة بقيادة إيران، خاصة بعد الهجمات الحوثية المتكررة على الأراضي الإسرائيلية تحت شعار “دعم غزة”، والتي وصلت ذروتها مع نجاح صاروخ حوثي في اختراق منظومات الدفاع الجوي والانفجار داخل الأراضي الإسرائيلية، ما اعتبرته إسرائيل تجاوزاً للخط الأحمر المتمثل في إلحاق أضرار مباشرة بالمدنيين الإسرائيليين.
تحالف أم صراع؟
يطرح الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، في تحليله الأخير، نظرية “الخنجر المزدوج” التي تُفسر العلاقة الغامضة بين مليشيا الحوثي الإرهابية والموساد الإسرائيلي، ففي الوقت الذي تصدح فيه المليشيا بشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، وتتباكى على فلسطين، فإنها تمد أيديها خفية وعلانية لأعداء الأمة، كما كشفت مقابلة أحد قياداتها البارزة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
هذا التناقض يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة الاستعدادات الإسرائيلية الحالية، وما إذا كانت تُشير إلى خرق الحوثي لاتفاق سري مع إسرائيل، أم أنها جزء من استراتيجية إسرائيلية أكبر للتوسع في المنطقة تحت ذريعة مواجهة التهديدات الإيرانية.
تشير التحليلات العسكرية إلى أن إسرائيل قد تتبع استراتيجية “الصراع المُدار” مع الحوثيين، والتي تعني عدم السعي لإسقاط النظام الحوثي كلياً، حيث يُفضل الإبقاء على عدو “منضبط” يمكن السيطرة عليه، مع الاستهداف الانتقائي للقدرات العسكرية المتقدمة دون المساس بالهيكل التنظيمي الأساسي.
ويقول محللون سياسيون، إن هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تقدم إسرائيل على تنفيذها، وهي الضربة المحدودة، والتي تتضمن استهداف منصات إطلاق الصواريخ ومخازن الأسلحة، مع تجنب استهداف القيادات العليا الحوثية، بهدف وقف الهجمات على إسرائيل مؤقتاً دون القضاء على المليشيا.
العملية الواسعة، والتي تشمل استهداف البنية التحتية الاقتصادية والعسكرية وضرب المواقع الإيرانية في اليمن، مع إبقاء القيادات الحوثية لضمان استمرار “التهديد المُدار” الذي يُبرر التواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر.
التصفية الشاملة، والتي تتضمن استهداف القيادات العسكرية والسياسية الحوثية ومحاولة تغيير موازين القوى في اليمن، وهو احتمال ضعيف نظراً للتعقيدات الإقليمية والمخاوف من فقدان أداة الضغط على المنطقة، إضافة إلى أهمية الحوثي لإسرائيل لخدمته في التوسع الخارجي وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
الأبعاد الاستراتيجية للتحرك الإسرائيلي
يُحلل خبراء عسكريون أن اقتناء طائرات التزود بالوقود يمنح إسرائيل عدة مزايا استراتيجية تتمثل في تنفيذ عمليات طويلة المدى دون الاعتماد على حلفاء إقليميين، والمرونة التكتيكية في اختيار مسارات الهجوم وتوقيتها، وضمان العودة الآمنة للطائرات المقاتلة بعد تنفيذ المهام بعيدة المدى، إضافة إلى الردع الاستراتيجي من خلال إظهار القدرة على الوصول لأي هدف في المنطقة.
هذه القدرات الجديدة تطرح تساؤلات حول النوايا الحقيقية لإسرائيل، خاصة في ضوء ما كشفه محمود الطاهر حول التناغم العجيب والتقاطع المريب بين أهداف مليشيا الحوثي الإرهابية وتطلعات الكيان الصهيوني في المنطقة.
التحالف الإيراني-الحوثي.. أداة للفوضى الخلاقة
يرى محللون سياسيون أن الذراع الإيرانية في اليمن، بخطابها الطائفي ومشروعها المذهبي، لا تخدم إلا أجندة الفوضى التي يرتضيها الكيان الصهيوني، والتي تهدف إلى إضعاف الدول العربية وإشغالها بصراعات داخلية، لتظل إسرائيل هي القوة الوحيدة المهيمنة في المنطقة.
هذا التحليل يُفسر سبب إحجام إسرائيل عن توجيه ضربة قاضية للمليشيا الحوثية، حيث يُفضل الإبقاء عليها كأداة لإضعاف المنطقة من الداخل، مع ضمان عدم تجاوزها لحدود معينة قد تُهدد الأمن الإسرائيلي المباشر.
الخيوط الخفية
تشير المعطيات المتاحة إلى أن الاستعدادات الإسرائيلية الحالية قد تكون استجابة لخرق المليشيا الحوثية لتفاهمات غير معلنة، خاصة بعد نجاح الصواريخ الحوثية في إلحاق أضرار فعلية بالأراضي الإسرائيلية، ما اعتُبر تجاوزاً للخطوط الحمراء المتفق عليها ضمنياً.
في المقابل، قد تكون هذه الاستعدادات جزءاً من استراتيجية إسرائيلية طويلة المدى لترسيخ وجودها في البحر الأحمر وتبرير توسعها الاستراتيجي في المنطقة، من خلال الحفاظ على مستوى معين من التهديد الذي يُسوغ التدخل دون القضاء عليه نهائياً.
صراع أم تمثيلية؟
تبقى العلاقة بين إسرائيل ومليشيا الحوثي الإرهابية محاطة بالغموض والتساؤلات، فبينما تُظهر المعطيات العلنية حالة من العداء والتصعيد، تشير التحليلات العميقة إلى وجود تفاهمات خفية قد تكون تعرضت للخرق، أو أنها تسير وفق مخطط محكم يخدم مصالح الطرفين في نهاية المطاف.
ما يبدو واضحاً هو أن الشعوب العربية تدفع ثمن هذه الألاعيب الاستراتيجية، سواء كانت صراعاً حقيقياً أم تمثيلية محكمة، فيما تستمر الذراع الإيرانية في اليمن في تنفيذ أجندة تخدم الفوضى الخلاقة التي تُمكن إسرائيل من ترسيخ هيمنتها على المنطقة تحت شعارات مقاومة وهمية تخفي تحالفات حقيقية مع أعداء الأمة.