الحكومة تهدي الحوثيين خدمة جليلة
بعد إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفث، الأحد 16 فبراير 2020، عن اتفاق وفد الحكومة اليمنية والمليشيا الحوثية الذراع الإيرانية في اليمن على تبادل للأسرى والمحتجزين بعد 7 أيام من الاجتماعات في الأردن، والاتفاق مبدئيًا على الإفراج عن 1400 أسر ومعتقل، يكون فيه أحد المشمولين في القرار الأممي 2216 وهم، شقيق الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ناصر منصور، وفيصل رجب قائد اللواء 31 مدرع، ووزير الدفاع السابق محمود الصبيحي، إضافة إلى القيادي الإخواني محمد قحطان.
حسنًا الأمر يبدو لنا كمراقبين، بالهائل، وأن هناك تقدمًا كبيرًا في السير قدمًا نحو تنفيذ اتفاق ستوكهولم؛ لكن ثمة أمور تهدم تلك النوايا الحسنة، لنا وللشعب اليمني التواق للقضاء على الحوثيين، وعودة البلاد إلى وضعها الطبيعي، لعدة أسباب، سأحاول أوجزها هنا في السطور التالية.
يبدو الوضع أنه إنسانيًا بحت، وهو ما حرص فيه المتفقون، أن يسطرون في أحد بنود الاتفاق في الأردن، أن عملية تبادل الأسرى المكون من 1400، شخص وفقًا لإعلان الحوثيين، و 1420، وفقًا لإعلان الحكومة اليمنية، وواسعة النطاق وفقًا لمراتن غريفيث، إنه “إنساني” لا يتعلق بالتسوية السياسية، والهدف منه لم الأسر المكلومة!
الفقرة السابقة، تشير إلى أن هناك ثغرات ربما قد تعرقل من عملية تبادل الأسرى، سأذكرها تاليًا، وهو ما يشير إلى أن التوقيع على تلك الاتفاقية جاء بعد ضغوط مارسه غريفيث على الحوثيين وحدهم رغم علمه أنهم لن يلتزموا، من أجل أن يتحدث في إحاطته لمجلس الأمن بعد أيام، إنه استطاع إحراز تقدم في سبيل تنفيذ اتفاق ستوكهولم، الذي تعتبره الحكومة اليمنية أن بقائه ليس له أي جدوى.
الحكومة اليمنية كعادتها، تبرم الاتفاقيات مهرولة دون أن يكون لها دراسات متأنية، وأن يكون هناك ضمانات، واشتراطات جزائية في حال عدم تنفيذها، قد نقول أن ذلك حسن نوايا لها، لكن الحقيقة هو عدم وجود كفاءات تفاوضية وسياسية.
بعيدًا عن البعد الإنساني لهذا الاتفاق، سأتحدث سياسيًا واستراتيجيًا، له، وتبعاته الخطيرة “جدًا” على الحكومة اليمنية، وهو ما عنيته بحديثي في السطر السابق، وقصد بالقول أن الحكومة اليمنية تفتقد إلى المفاوض والسياسي المحنك، فإن توقيته، جاء في الوقت الذي زاد الطلب الرسمي والشعبي اليمني بإنهاء اتفاقية ستوكهولم بسبب التصعيد العسكري الحوثي من طرف واحد في كافة الجبهات، وجاء قبل أيام من إحاطة متوقعة لمارتن غريفيث لمجلس الأمن الدولي، والتوقع أن يتحدث عن نجاحاته، وربما ذلك قد يفرض لجولة جديدة من المفاوضات غير المشروطة التي تسعى لها بريطانيا.
الاتفاق، بكل تأكيد هو ” قيد” آخر، يضعه المفاوضون الحكوميون، كأحد العراقيل الإضافية للجيش اليمني أو المقاومة الوطنية في أي مكان تقاوم المليشيا الحوثية الموالية لإيران، لتكبيلهم من التحرك العسكري، وهذا ما يشجع الحوثيين على المزيد من تثبيت أركانها، وحصد الكثير من النقاط لصالحها في سبيل بقائها، والانتصار في هذه المعركة الوجودية.
صحيح، إنه تم التوقيع عليه بحضور المبعوث الأممي مارتن غريفيث، لكن كان قبل ذلك توقيع الاتفاق الحقيقي هو، اتفاق ستوكهولم وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة شخصيًا، فهل نفذ الحوثيين بندًا واحدا من ذلك؟
قطعًا لا.. بل استغلوه لصالحهم، وأعادوا ترتيب صفوفهم، واستقبلوا المزيد من الأسلحة والصواريخ البالستية والدفاعية، ومن ثم تحولوا من الدفاع إلى الهجوم، دون أن تستطيع الحكومة اليمنية أن تفعل شيئًا، وهي ترى الأراضي التي كانت قد استعادتها قبل اتفاق ستوكهولم تتقلص بعد ذلك الاتفاق.
وبالتالي نستطيع القول أن هذا الاتفاق هو على ارض الواقع سيكون مثله مثل الاتفاقيات السابقة، وهو لصالح الحوثيين أكثر منه أن يكون في صالح الحكومة اليمنية، لكون أن المليشيا الحوثية لن تلتزم بالإفراج عن المعتقلين تعسفيا، وإنما ستفرج عن شخصيات ترى أنه لم يعد لها حاجة في بقائهم في سجونها..
هي مستفيدة، بحكم أن من سيتم الإفراج من مليشياتهم الذي تم أسرهم في جبهات القتال، أثر في حجم مليشياتهم، وربما هناك الكثير منهم، محسوبين على الأسرة الهاشمية، وسيكون الإفراج عنهم وفق انتقائية متقنة للاستفادة منهم مرة أخرى سواء على المستوى “الجماعة” أو إعادتهم للقتال.
شخصيًا، لا أتوقع أن يتم تبادل الأسرى الحوثيين لدى الحكومة اليمنية، والمعتقلين والمحتجزين اليمنيين في سجون الحوثي في الوقت القريب، وإنما سيأخذ الكثير من الوقت نتيجة للمراوغة الحوثية، وبناء على ذلك سيتم الدخول في محادثات أخرى لتنفيذ هذا الاتفاق وسيتم تجزئته كما تم تجزئة اتفاق ستوكهولم.
ولعل التباين الواضح في العدد المعلن عنه، هو كان مقصود من قبل المبعوث الأممي مارتن غريفيث، فيقول الحوثيين 1400، وتقول الحكومة اليمنية 1420، بينما لم يحددها مارتن غريفيث، وهنا ستكون أول الإشكاليات في سبيل عدم تنفيذ الاتفاق.
وثانيًا سيرفض الحوثيون الإفراج عن الشخصيات المشمولة في القرار الأممي 2216، لكون أن ذلك أحد أوراقهم التفاوضية، ربما قد يقبل الحوثيين بالإفراج عن محمد قحطان، كنوع من رد الجميل لحزب الإصلاح، الذي أنقذهم في الحديدة عبر اتفاق ستوكهولم، وتحقيق حلمهم في إخراج الإمارات من التحالف العربي، ومن ثم خدمتهم في هذا الاتفاق، حتى لا يتحدث الجميع عن فشل اتفاق ستوكهولم.
المصدر: الرأي برس