الأميركيون بدأوا مرحلة «عبر الأفق» العسكرية في اليمن (تقرير)
توصلت الولايات المتحدة إلى صيغة جديدة لمواجهة تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية.
ومن اللافت أنها بدأت تطبيق “الخطة الجديدة” منذ أسابيع ومن دون الإعلان عنها.
وكانت “العربية” و”الحدث” أكدتا منذ شهرين أن الأميركيين في موقف متناقض، فمن جهة هم يريدون متابعة حماية الملاحة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، وأنهم مصرّون على متابعة أعمالهم العسكرية “الدفاعية” بصرف النظر عن طول أمد هذه العمليات، ثم قالوا إن جنودهم تعبوا ولديهم أولويات حول العالم، والأولوية ليست للشرق الأوسط بل لمنطقة عمليات المحيط الهادئ.
•تعديل الخطط
هذه الإشارات الأميركية أعقبتها مخططات عسكرية معدّلة، فالخطة الأولى كانت تقوم على صد الهجمات الصاروخية الحوثية، ثم تطورت إلى صد و”تدمير القدرات الحوثية”، وشهدنا في أشهر الشتاء من هذا العام غارات أميركية بريطانية واسعة، عمدت إلى ضرب مخازن الحوثيين واستهداف المنصات الصاروخية، أكانت على البرّ أو بحرية.
وكانت أشهر الربيع صعبة أمام الأميركيين، حيث كانوا ينشرون حاملة طائرات وسفنا حربية عديدة، وكان الحوثيون يتابعون القصف ويطوّرون في أحيان كثيرة أساليب القصف، واعتمدوا القصف المتعدد الأنواع وإخفاء المنصات بسرعة بعد استعمالها.
كما واجه الأميركيون، بحسب المعلومات المتوفّرة خلال تلك الفترة، صعوبات في التحليق فوق أجواء بعض الدول، واضطروا لتحاشي بعض الأجواء، وهذا ما كلّف الأميركيين وقتاً أكثر وجهداً أكبر.
•سحب الحاملة آيزنهاور
كان من المثير جداً أن الأميركيين سحبوا منذ شهرين تقريباً حاملة الطائرات آيزنهاور من منطقة البحر الأحمر، وبقي عدد من السفن الأصغر، وعلى متنها منظومات مضادة للصواريخ، وبعضها يحمل طائرات حربية، وأعلن الأميركيون بعد ذلك أن الحاملة روزفلت ستترك المحيط الهادئ وتتوجّه إلى منطقة عمليات القيادة المركزية.
وأعلنت القيادة المركزية أن حاملة الطائرات روزفلت دخلت بالفعل إلى مسرح عملياتها يوم 12 يوليو/ تموز الماضي، وذكرت التقارير الصحافية أنها في منطقة اليمن.
•روزفلت في الخليج العربي
مسؤول دفاعي تحدّث إلى “العربية” و”الحدث” كشف أن حاملة الطائرات روزفلت لم تصل يوماً إلى اليمن، ولم تقم بأية عمليات عسكرية في البحر الأحمر أو في خليج عدن، ولم تتدخّل في حماية الملاحة الدولية في منطقة اليمن، ولم تتعاط مع الهجمات الحوثية.
وأكد المسؤول الدفاعي من جهة أخرى لدى حديثه إلى “العربية” و”الحدث” أن حاملة الطائرات روزفلت عبرت مضيق هرمز، وتوجهت إلى مياه الخليج العربي، وقامت بتدريبات وعمليات انتشار في هذه المنطقة، ثم خرجت من الخليج العربي إلى خليج عُـمان حيث هي الآن.
•هدوء إيراني
من اللافت جداً أن الأميركيين عبروا مضيق هرمز من دون إعلان ذلك، كما أن الإيرانيين التزموا الصمت، وعادة ما يتسببون بضجة كبيرة لدى عبور السفن الحربية الأميركية في المضيق باتجاه مياه الخليج العربي.
فيما لم يسجّل الأميركيون خلال إبحار هذه الحاملة قرب الشواطئ الإيرانية أي انتشار للإيرانيين، أو “مشاكسات” مثل إرسال زوارق سريعة لتحوم في المياه حول الحاملة أو السفن الحربية المرافقة لها.
•لا سفن قرب اليمن
ثم كشف المسؤول الدفاعي الأميركي لدى تحدّثه إلى “العربية” و”الحدث” أن “لا سفن حربية أميركية في منطقة البحر الأحمر أو خليج عدن منذ أسابيع”. عملياً أقدم الأميركيون على تطبيق خطة عسكرية جديدة لمواجهة تهديدات الحوثيين “بدون البحرية الأميركية”، وهذا ما يعفي الجنود الأميركيين من أعباء الانتشار لأسابيع وأشهر طويلة.
وتقوم الخطة الأميركية الجديدة على نسخ تجربة أفغانستان، حيث يعتمدون الآن على منظومات من المراقبة الجوية والإلكترونية، ويتحكّمون بالمسيرات التي تنطلق من قواعد برية في منطقة عمليات القيادة المركزية، وهي تبقى في الأجواء اليمنية لساعات طويلة وترصد تحركات الحوثيين، وبعضها مجهّز بصواريخ جو – أرض قادرة على ضرب قواعد الصواريخ الحوثية قبل أن تتمكّن خلايا الحوثيين من بدء هجوم على سفينة في المياه الدولية.
•مثل أفغانستان
وتشبه هذه الإجراءات الأميركية إلى حدّ كبير “خطة أفغانستان” أو “خطة عبر الأفق”، أي سحب القوات من الميدان، واستعمال القدرات المتطورة للمسح والمراقبة وإجهاض الهجمات، ويبدو أن القيادة المركزية تمكنت من خلال هذه الخطة الجديدة من تخطّي الكثير من العراقيل السياسية والميدانية.
في حين لاحظ بعض متابعي الأوضاع الميدانية في اليمن أن هناك تراجعاً واضحاً في هجمات الحوثيين منذ يوم 20 يوليو/ تموز المنصرم، فيما قامت القوات الأميركية بضرب خمس قواعد صواريخ وأسقطت تسع مسيرات حوثية، ودمّرت عشر مسيرات بحرية، وربما يعكس الأمر تراجعاً في القدرات الصاروخية الحوثية، وهذا يفسّر اعتمادهم على المسيرات.
•حرب طويلة
ومن الممكن جداً أن يتمكّن الطرفان، الحوثيون والأميركيون، من البقاء على هذه الحالة من القصف والقصف المضاد لأمد طويل، خصوصاً أن الحوثيين يملكون كميات ضخمة من الصواريخ والمسيرات، كما أن الأميركيين لم يعودوا مضطرين لمعالجة مشكلة انتشار الجنود ونشر القوات الجوية والبحرية.
ما يمكن أن يعيد الأمور إلى الاضطراب هو انضمام الحوثيين إلى إيران وسواعدها في المنطقة، والمشاركة في جبهة متعددة ردّاً على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة.
بالنسبة إلى الأميركيين سيكون لديهم ما يكفي لإحباط هذه الهجمات، وهم يرسلون بعض التعزيزات، وبعد انقضاء الأزمة يعودون إلى خطة “عبر الأفق” في اليمن كما هي الآن.