بلغت في سنة واحدة 686 مليار ريال.. الإيرادات الضريبية للحوثيين تكفي رواتب موظّفي الدولة
على الرغم من أن الميليشيا الحوثية الموالية لإيران تقوم بجباية الإيرادات الضريبية في العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات والتي تشكّل معظم الإيرادات الضريبية في اليمن، إلا أنها ترفض منذ سنوات دفع رواتب موظّفي الدولة المنقطعة منذ 7 سنوات، لتذهب هذه الأموال في النهاية إلى تمويل الحرب وإثراء قادة الميليشيا ومسؤوليها ومشرفيها، ولتشكّل أحد أهم مصادر دخل الجماعة المتشدّدة.
وتحصل الميليشيا في مناطق سيطرتها على مئات المليارات من الريالات سنوياً وتضع يدها على التمويل الذي تقدّمه المنظّمات الدولية لمشاريعها، وبالرغم من ذلك، فإن المواطنين محرومين كذلك من خدمات الصحة والتعليم والمياه والطرق والحماية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، علاوة على أنهم يتكبّدون الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والخدمات ويعانون من تزايد الفقر والبطالة.
اتفاق ستوكهولم
وفي الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة الشرعية أن تضغط لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الموقّع في ديسمبر عام 2018، وخاصةً فيما يتعلّق بالتمسّك بأن يودع الحوثيون جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع رواتب موظّفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن، إلا أن الذي حدث أن الحوثيين تنصّلوا عن التزاماتهم وتمّت مكافأتهم باستكمال السيطرة على موانئ الحديدة وزيادة عائداتهم المتحصّلة منها وتوسّع السوق السوداء لبيع المشتقّات النفطية بأضعاف أسعار استيرادها.
وها هو الأمر ذاته يتكرّر الآن مع الحديث عن اتفاق سلام وشيك يتضمّن في أهم بنوده دفع الحكومة رواتب موظّفي الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين بما فيهم من تم تعيينهم بعد سبتمبر عام 2014، وهو الأمر المستغرب إذ كيف يستولي الحوثيون على كل هذه الإيرادات المالية بينما تتكفّل الحكومة بدفع رواتبهم!
وتشير خطة الإنفاق للنصف الأوّل (يناير- يونيو) من عام 2019 المقرّة من قبل مجلس النوّاب الذي يديره الحوثيون بصنعاء إلى أن إجمالي الإيرادات بلغت 260.475 مليار ريال بينما بلغت تلك الإيرادات في النصف الثاني للعام ذاته (يوليو- ديسمبر) 289.071 مليار ريال، ما يؤكد توفّر الموارد الكافية لتغطية رواتب الموظّفين، ويدحض في الوقت ذاته مزاعم الحوثيين بأن الإيرادات لا تسمح إلا بدفع نصف الراتب الأساسي للموظّف كل عدّة أشهر.
أهم مصادر الدخل
وتعتبر الإيرادات الضريبية بالنسبة لمليشيا الحوثي، بصنعاء من أهم مصادر الدخل لهم في تغطية احتياجاتهم من الانفاق الذي يذهب معظمه للجانب العسكري والأمني.
وكانت الإيرادات الضريبية أحد المصادر الرئيسية لتمويل موازنة الدولة بحيث أنه قبل عام 2014 لم تكن من أولويات مصادر الدخل للدولة لوجود مصدر الإيرادات المتدفّقة من صادرات النفط التي كانت تغطي أغلب احتياجات الدولة من الانفاق على الرواتب والأجور والخدمات والمستلزمات وغيرها والتي تخضع لسيطرة حكومة الشرعية مع تعدّد موانئ التصدير غير المشروعة في دعم السوق السوداء العالمية للنفط المهرّب.
سرقة الإيرادات الضريبية
ووفقًا لوثائق حصل عليها الموقع، فإن الضرائب التي حصّلها الحوثيون العام الماضي بلغت 686 مليار ريال، موضحة أن إجمالي إيرادات الضرائب والزكاة بلغ خلال الأعوام 2015 و2016 و2017 و2018 و2019 و2020، 537 مليار و528 مليار و413 مليار و475 مليار و469 مليار و582 مليار على التوالي.
وانخفض الوعاء الرئيسي للإيرادات الضريبية خلال سنوات الحرب 2015- 2022 بحوالي 57% من قيمته التي كانت عليه قبل الحرب في 2014 (689 مليار ريال)، وكان من المفترض أن تعاني الموارد الضريبية من نفس الانخفاض خلال نفس الفترة، ولكن البيانات التي تم التوصّل إليها من السلطة المالية في صنعاء تؤكد عكس ذلك.
ويعزى انخفاض الضرائب المباشرة وغير المباشرة بمكونيها الرئيسيين من رسوم جمركية وضريبة مبيعات إلى اندلاع الحرب كأبرز الأسباب.
ويشير تحليل البيانات إلى أن المليشيا تمكّنت من تحسين إيراداتها إلى حد كبير ووصلت حصيلة الموارد الضريبية بمناطق سيطرة الحوثيين في عام 2020 الى 582 مليار ريال وفي عام 2022 إلى 686 مليار ريال، وهي تتجاوز حصيلة العام 2015 عندما كانت بحدود 537 مليار ريال وقريبة من مستواها قبل الحرب في عام 2014 عندما كانت بحدود 689 مليار ريال (حصيلة الضرائب والزكاة معاً).
وتذهب هذه الإيرادات لصالح المجهود الحربي وإلى جيوب المليشيا الحوثية الذي ظهر عليها الثراء الفاحش، من خلال شراء وتملك العقارات الفخمة والسيارات الفارهة.
ووفقاً لخبراء اقتصاد ومختصّون فإن حصيلة الموارد الضريبية في حكومة الحوثي من عام 2020 إلى 2022 تشهد نمواً كبيراً رغم أنها مقتصرة على مناطق السيطرة لسلطتهم فقط، في حين كانت حصيلة العامين 2014- 2015 شاملة الجمهورية اليمنية.
كما أن حصيلة العامين 2014 و2015 كانت تشمل كامل حصيلة الزكاة مع الموارد الضريبية، في حين أن حصيلة عام 2022 كانت تخصّ الموارد الضريبية فقط دون الزكاة التي أنشئت لها هيئة خاصة تتولّى تجميع مواردها والانفاق منها بعيداً عن الخزينة العامة اعتباراً من عام 2018.
ورأى الخبراء أن الإجراءات الإدارية والأمنية الصارمة التي صاحبت عمليات تحصيل الضرائب في مناطق سيطرة الحوثي قد أدّت إلى مستويات عالية للضرائب المحصّلة من المكلّفين والتي تصل أحياناً إلى أكثر من ضعف ما دفعه بعضهم عن السنة السابقة.
ورغم حجم الحصيلة من الإيرادات الضريبية في مناطق السيطرة التي تفوق حصيلة ما قبل الحرب لنفس المناطق بمراحل والتي بإمكانها أن تغطي جزءً كبيراً من رواتب الموظّفين، وتكون جزءً من الحلول للخروج من مربّع الحرب، فإن المناطق الخاضعة لسلطة الشرعية وما تسيطر عليه من موارد نفطية وتعدّد موانئ التصدير غير المشروعة للنفط خارج نطاق الرقابة على الصادرات من السلطات الرسمية، كلها موارد تعتبر مهدرة غير مخطّط لها في الإطار الوطني لتحقيق السلام.
وخلص الخبراء الاقتصاديون إلى أن التحسّن في تحصيل الضرائب والايرادات منذ عام 2019 يجعل من الممكن استئناف دفع رواتب الموظّفين ومعاشات المتقاعدين.