تحليل أمريكي: يجب إعادة تقييم فهم أساس الصراع في اليمن قبل الحديث عن السلام
قال تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية المختصة بالسياسات الخارجية، “إن السعودية وحلفاءها اليمنيين، أصبحوا في موقف دفاعي، بينما أصبح الحوثيون يشكلون تهديدا أكبر للسعوديين، بعد ثلاث سنوات من الضغط الدولي لوقف تقدم القوات اليمنية المشتركة على الحديدة في 2018”.
وذكر التحليل -الذي أعده مايكل حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، وبيتر ساليسبري، المحلل البارز بالشأن اليمني في المجموعة- أن الحوثيين تبنوا في 2019 سلسلة الهجمات الناجحة على البنية التحتية للنفط والغاز السعودي والمطارات، واستمروا في شن غارات برية ناجحة داخل المملكة هذا العام.
وقال التحليل: “إن الحكومة المعترف بها دوليا تصور نفسها على أنها تقود جيشا وطنيا، لكن الحقيقة، أن القوات المناهضة للحوثيين هي خليط من الجماعات التي يتمثل هدفها الرئيس في الدفاع عن أراضيها ومنع استيلاء الحوثيين الكامل عليها، بدلا من إعادة هادي إلى السلطة في صنعاء”.
ومنذ أوائل عام 2020، يركز الحوثيون بشدة على الاستيلاء على مأرب، التي تخضع اسميا لسيطرة الحكومة ولكن في الواقع يتم الدفاع عنها في الغالب من قبل الجماعات القبلية المحلية.
دبلوماسية متجمدة
يجزم التحليل بأنه “ليس هناك (رصاصة سحرية) تنهي الحرب في اليمن، بل هناك حاجة ماسة إلى نهج دولي معدل، لكنه لن يمثل خوارزمية لإنهاء الصراع”.
ولفت إلى أن الاستمرار بنفس الاستراتيجية الدبلوماسية، على أساس فهم عفا عليه الزمن للصراع، سيمثل وصفة لكارثة.
بيد أنه عاد لاعتبار تعيين مبعوث الأمم المتحدة الجديد فرصة لبناء إطار تفاوضي يحفز عقد الصفقات ويمكن أن يؤدي إلى سلام أكثر واقعية واستدامة.
ونوه إلى أن الكارثة ازدادت سوءاً بعد ستة أشهر من تعيين مبعوث أمريكي خاص إلى اليمن، حيث كثف الحوثيون، هجومهم على محافظة مأرب، آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليا في شمال البلاد، كما تفاقمت الأزمتان، الاقتصادية والإنسانية، وسط أزمة وقود في الشمال، وانهيار العملة في الجنوب، ونقص بنسبة 50% في تمويل الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، وكذا الفيضانات المفاجئة.
كذلك توقفت الدبلوماسية حيث فشلت مبادرة وقف إطلاق النار التي تقودها الأمم المتحدة والتي روج لها المبعوث الأمريكي الجديد في إحراز أي تقدم.
ورغم ذلك –يقول التحليل- قد يكون هناك سبب للأمل، إذ يوفر التعيين الأخير للدبلوماسي السويدي هانز جروندبرغ كمبعوث خاص جديد للأمم المتحدة إلى اليمن فرصة للمجتمع الدولي لإعادة التفكير في منهجه لإنهاء الحرب.
ويستدرك بالقول: “لكن قبل الشروع في جهد دبلوماسي جديد في اليمن، يجب على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجميع البلدان المشاركة في صنع السلام إعادة تقييم فهمهم الأساس للصراع أولا”.
وأوضح أنه على الرغم من التغييرات الكبيرة في طبيعة الصراع، إلا أن النهج الدولي ظل جامدا، ظلت الأمم المتحدة مركزة بشكل كبير على التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين وهادي، بدعم من المبعوث الأمريكي الخاص تيموثي ليندركينغ، كما سعت لمنع معركة لمدينة مأرب من خلال تلبية مطالب الحوثيين الأساسية، والتي تشمل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وإزالة القيود المفروضة على الشحنات إلى ميناء الحديدة.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة تأمل في التوسط في إنهاء القتال وتشكيل حكومة وحدة مؤقتة تتكون من أعضاء حكومة عبدربه منصور هادي وسلطات الأمر الواقع التابعة للحوثيين في صنعاء.
لكن هناك العديد من المشاكل مع هذا السيناريو، الأولى تتمثل في أنه لا يؤخذ في الاعتبار النطاق الكامل للأطراف المتورطة في نزاعات الحرب المتعددة أو الطيف الواسع من الفاعلين المحليين الذين يمكنهم التوصل إلى تسوية سياسية أو كسرها، وبدلا من ذلك فإنه يوفر للحوثيين وحكومة هادي والسعوديين ضمنيا حق النقض على صنع السلام.
المشكلة الثانية هي أن المفاوضات بين الحوثيين وحكومة هادي لا تمضي قدما، ولم يكن أي من الطرفين مستعدا لتقديم تنازلات عندما كان يعتقد أن الوضع العسكري يميل لصالحه، وتعثرت المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في البداية في عام 2020 بسبب مقاومة حكومة هادي، التي اعتبرت التنازلات بشأن المطار والميناء بمثابة اعتداء على سيادتها.
وأكد أن الحوثيين أصبحوا العائق الرئيس أمام التقدم، ورفعوا سقف مطالبهم وطلبوا أولاً فصل اتفاقية الموانئ والمطارات عن وقف إطلاق النار، ويقولون الآن إنهم سيبدؤون مفاوضات وقف إطلاق النار فقط بعد أن ترفع الحكومة والسعوديون قيود الموانئ والسماح للمطار بإعادة فتحه من جانب واحد.
المشكلة الأخرى –بحسب التحليل- أن الدبلوماسيين يعتقدون بشكل كبير أن أيا من الجانبين ليس جادا بشأن التسوية.
وقال إن “الطرفين يستخدمان خلافهما حول شروط صفقة محتملة كذريعة لتجنب المفاوضات تماما، يرى الحوثيون في مأرب جائزة أكبر من حكومة الوحدة، ويخشى هادي وحلفاؤه من أنهم أضعف من أن يظلوا على قيد الحياة كمجرد جزء واحد من هذه الإدارة”.
ويفقد بعض الدبلوماسيين الثقة في أن القناة الخلفية السعودية الحوثية أو الوساطة العمانية الإضافية يمكن أن تحدث فرقا، وفي هذه المرحلة تبدو معركة مدينة مأرب أكثر ترجيحا من وقف إطلاق النار والمحادثات السياسية.
وقال إنه وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة نجحت في الضغط على التحالف والقوات اليمنية لوقف تقدمها على الحديدة في عام 2018، بحجة أن هجومها من شأنه أن يتسبب في كارثة إنسانية، إلا أن تلك الحلقة لم تكن درسا موضوعيا في كيفية إنهاء الحرب بشكل كامل.
وأكد أنه حتى لو كان من الممكن التوسط في صفقة بين صنعاء والرياض فإن ذلك لن يعني نهاية الحرب.
وأوضح أن الجماعات المحلية التي اصطفت ضد الحوثيين على مدى السنوات الست الماضية، ودافعت بشراسة عن مناطقها خوفا من الوقوع تحت حكم المتمردين المتشدد، ستواصل القتال بمفردها أو بتمويل من رعاة إقليميين آخرين.
وقد يؤدي هذا إلى دفع البلاد إلى مرحلة جديدة أكثر دموية وطائفية من الحرب، يوسع فيه الحوثيون انتشارهم الجغرافي ويقاتل ضدهم خصومهم المحليون.
واعتبر أن مزيدا من إراقة الدماء ربما أكثر احتمالا بكثير من إبرام الصفقات السلمية بين اليمنيين، مضيفا: “لا توجد مكاسب سريعة يمكن تحقيقها في اليمن”.
إذا ما الذي يمكن فعله؟
وشدد التحليل على أن تعمل واشنطن وشركاؤها الدوليون على تحويل حوافز الأطراف المتعارضة بعيدا عن المماطلة والتوجه نحو عقد الصفقات. يوفر تعيين جروندبرغ كمبعوث خاص جديد للأمم المتحدة فرصة سانحة على هذه الجبهة.
ينبغي منح المبعوث الجديد الوقت والمساحة لإعادة التفكير التي تمس الحاجة إليه في النهج الدولي للتوسط في الصراع. كما ينبغي أن يعطي الأولوية لجولة استماع داخل اليمن، يتبعها توسيع للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لجعلها أكثر شمولا. فمثل هذه الخطوة ستمنع الحوثيين وحكومة هادي والسعودية من العمل كحراس للعملية السياسية وستحفز على عقد الصفقات بين اليمنيين وبناء التحالف.
ورأى أن إضافة المزيد من الأطراف إلى المفاوضات وتوسيع المحادثات سيعكس الواقع اليمني الحالي، وعلى هذا النحو سيجعل التسوية السياسية أكثر استدامة، ولن يحتكر الحوثيون وحكومة هادي السلطة العسكرية والسيطرة الإقليمية.
وأضاف إنه يمكن لواشنطن أن تلعب دورا مهما في إعادة التفكير هذه، ويمكن أن تساعد في إدارة التدخل مع الرياض وحكومة هادي، والتي من المرجح أن تقاوم مثل هذه الخطوات. كما أن واشنطن في وضع جيد لجر الدول الأخرى معا في مجموعة عمل لدعم مبعوث الأمم المتحدة، وتنظيم المشاركين للضغط على اللاعبين المحليين والإقليميين في الحرب للتعاون مع جهود الوساطة.
هذه المجموعة يمكن لها أن توضح للحوثيين الإجراءات العقابية التي سيواجهونها إذا استمروا في هجومهم على مأرب. فقد أظهرت العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد الشبكات الاقتصادية للحوثيين، على سبيل المثال، أن واشنطن قادرة على اتخاذ تدابير مستهدفة تركز على اللاعبين النخبة داخل الحركة بدلا من المناورات الشاملة والمدمرة.
وبنفس القدر من الأهمية، هناك العديد من المجموعات خارج هذين الخصمين الذين يجب مراعاة مصالحهم إذا أريد لاتفاق السلام أن يكون مستداما.
وخلص التحليل إلى القول، إن جميع الأطراف ستحتاج إلى تقديم تنازلات بدءاً بإفساح المجال على طاولة المفاوضات لهذه الفئات الأخرى، بمن في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، القبائل الشمالية والقادة العسكريون، والجماعات الجنوبية المؤيدة للاستقلال، والنساء والشباب، والمجتمع المدني.
* ترجمة خاصة لنيوزيمن