تقرير: دبلوماسي إيراني استخدم “علبة بيتزا” لتفجير مؤتمر للمعارضة بباريس
كشفت صحيفة “تايمز” The Times البريطانية أن أسد الله أسدي، الدبلوماسي الإيراني المتهم بتدبير مؤامرة لتفجير مؤتمر المعارضة الايرانية في باريس، عام 2018، كان قد خبأ قنبلة في علبة توصيل بيتزا وسلمها للزوجين المنفذين في لوكسمبورغ.
ويُحاكم أسدي في بلجيكا، مع ثلاثة عملاء إيرانيين آخرين بتهمة محاولة استهداف تجمع للمعارضة الايرانية في باريس، من خلال قنبلة.
وفي التفاصيل، أوردت الصحيفة أنه في أواخر يونيو 2018 كان أمير سعدوني، (40 عامًا) وزوجته نسيمه نعامي (36 عامًا) بديا مثل أي زوجين يتسوقان أثناء تجوالهما في ساحة “Place d’Armes” في مدينة لوكسمبورغ القديمة وفي أحد فروع ” بيتزا هت”.
وبمجرد دخولهما “بيتزا هت”، جلس الزوجان – وكلاهما من أصل إيراني – مع الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي سلمهما حزمة صغيرة، وضعتها نسيمة نعامي في حقيبة يدها وعادا إلى سيارتهما المرسيدس الرمادية المتوقفة في مكان قريب.
ووفقا لـ”تايمز” كان ضباط في ثياب مدنية يراقبون الوضع حيث يعتقد أن الدبلوماسي أسد الله أسدي (48 عاما) الذي كان عضوا في المخابرات الإيرانية قد سلم الزوجين عبوة تحتوي على قنبلة قوية.
زرع القنبلة في تجمع المعارضة
ويقول ممثلو الادعاء العام البلجيكي إن أسدي أراد من الزوجين زرع القنبلة في تجمع حاشد قرب باريس بعد يومين أي في 30 يونيو 2018، يحضره عشرات الآلاف من المعارضين للنظام الإيراني وسياسيين أوروبيين وبريطانيين وأميركيين بارزين.
وتم إحباط مؤامرة “بيتزا هت” التي كانت ستؤدي إلى خسائر جسيمة في الأرواح إذا نجحت، في عملية شاركت فيها أيضًا الشرطة البلجيكية والفرنسية والألمانية.
وبعد تحقيق استمر عامين، من المقرر أن يمثل الدبلوماسي الإيراني المتهم مع الثلاثة الآخرين، في محكمة بمدينة أنتويرب، حيث يعيش الزوجان، بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية.
الأوامر صدرت من القيادة في طهران
ووفقا لـ”تايمز”، فإن المحققين البلجيكيين مقتنعون بأن العملية تمت الموافقة عليها على أعلى مستوى في طهران، مما سيجعل إدانة المتهمين مصدر إحراج خطير للإيرانيين.
وقد أفادت إحدى الوثائق أن جاك رايس، رئيس جهاز أمن الدولة البلجيكي، كتب في رسالة إلى المدعي الفيدرالي، إن “خطة الهجوم وضعت في إيران وتحت قيادتها، ولم يكن الأمر يتعلق بمبادرة شخصية من أسدي”.
يُذكر أن أسد الله أسدي، وهو مستشار ثالث في سفارة إيران في فيينا، هو أيضًا ضابط في وزارة الاستخبارات الايرانية ويعمل في مديرية الأمن الداخلي، التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وعلى هذا النحو فقد كان أسدي “قائد عمليات” في البعثة الإيرانية، بحس جاك رايس.
ويبدو أن الهدف الأساسي للعملية كانت مريم رجوي، رئيسة “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” الجناح السياسي لمنظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، حيث كان من المقرر أن يعقد المجلس تجمعه السنوي في 30 يونيو 2018.
ومن بين الضيوف الأجانب المهمين في التجمع في فيلبينت، في الضواحي الشمالية الشرقية لباريس، كان رودي جولياني، عمدة نيويورك ومحامي الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبيل ريتشاردسون، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة.
كما حضر الاجتماع عدد من السياسيين البريطانيين البارزين المنتقدين للنظام الإيراني، من بينهم تيريزا فيليرز، وزيرة البيئة السابقة، التي قالت: “إذا أدين المتهمون في هذه القضية، فلا بد أن يكون هذا بمثابة تنبيه للمجتمع الدولي لممارسة مزيد من الضغط على النظام الإيراني المستبد لإنهاء دعمه المزعزع للاستقرار للجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم”.
طهران تنفي وحقائق تثبت
وكان جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، قد رفض تورط ايران في العملية قائلا إنها اتهام من قبل أولئك الذين يحاولون دق إسفين بين طهران والغرب، حسب زعمه.
ويعتقد المحققون أن أسدي، الذي عمل سابقًا في العراق وكان على دراية بالمتفجرات، أُمر بتنفيذ عملية باريس حيث تظهر سجلات السفر أنه قام بعدة رحلات من النمسا إلى إيران خلال الأشهر الأولى من عام 2018 ، على ما يبدو فيما يتعلق بالتخطيط لها.
وكان أمير سعدوني يعيش في بلجيكا منذ ما يقرب من عقد من الزمان بعد منحه اللجوء السياسي بسبب عضويته في منظمة “مجاهدي خلق”.
وانضمت إليه لاحقًا نعامي، التي التقى بها عبر الإنترنت أثناء وجودها في طهران، حيث كانت تعمل كمساعدة في مسبح، وتزوجا ثم انفصلا لاحقا.
ورفض أسدي التعاون مع المحققين، مشيرًا إلى وضعه الدبلوماسي، لكن زملاءه المتهمين اعترفوا بتورطهم.
وكشف سعدوني أن أسدي اتصل به لأول مرة في عام 2012، وقال إنه كان يبحث عن معلومات حول منظمة مجاهدي خلق. ثم التقيا في ميونيخ، حيث أوضح الدبلوماسي – الذي كان يعرفه باسم دانيال – أنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية.
وعقد الرجلان عدة اجتماعات أخرى، بما في ذلك في سالزبورغ وفيينا وميلانو والبندقية ولوكسمبورغ، حيث دفع أسدي مبالغ متفاوتة لسعدوني- أحيانًا 3500 يورو، وفي أوقات أخرى 4000 يورو، “حسب النوع من المعلومات “قدمها.
وبناءً على طلب أسدي، سافر سعدوني أيضًا في عام 2013 إلى مدينة الأهواز في إيران.
ووفقا لـ”تايمز”، فقد كان سعدوني يعيش حياة هانئة بالمال الذي تقدمه له المخابرات الايرانية، وهو أحد محبي موسيقى البوب، حيث أنفق 400 يورو على تذكرة لمشاهدة روجر ووترز من بينك فلويد في مدينة أنتويرب.
التخطيط في طهران
وفي مارس 2018، التقى سعدوني في قطار بين فيينا وسالزبورغ – على ما يبدو لتجنب الكشف – مع أسدي الذي أخبره بأنه يريد “فعل شيء ما بجهاز” أثناء تجمع المعارضة بالقرب من باريس، كما قال السعدوني للمحققين.
لكن أسدي قال إنه سيتعين عليه أولاً مناقشة الأمر مع طهران، لأنه كان يجب اختبار الجهاز. وتُظهر سجلات السفر أنه قام بعدة زيارات إلى إيران، فيما يبدو فيما يتعلق بالعملية، وعاد من آخر زيارة في 22 يونيو.
ويُعتقد أن أسدي حمل القنبلة في حقائبه التي لم تخضع للتفتيش، بصفته دبلوماسيًا، كما تنقل الصحيفة.
وبعد 6 أيام في لوكسمبورغ حدث لقاء “بيتزا هت”، حيث زُعم أن أسدي قام بتسليم القنبلة، التي تحتوي على أكثر من 1 رطل من مادة TATP، أو ثلاثي أكسيد ثلاثي الأسيتون، وهو متفجر قوي شائع لدى الإرهابيين لأنه يصعب اكتشافه. كما أعطى الزوجين 11.710 يورو على ما يبدو كدفعة جزئية، مقابل العملية.
ورغم أن سعدوني ونعامي اعترفا باستلام الطرد، إلا أنهما نفيا معرفتهما بأنها قنبلة. وقال سعدوني للشرطة: “لم يكن لدي أي فكرة عن أنني تلقيت متفجرات”، مضيفًا أنه يعتقد أن العبوة ” كانت مجرد شيء يحدث الكثير من الضوضاء”.
لكن سجلات الهاتف المحمول أظهرت أن أسدي أرسل رسالة نصية للزوجين في وقت لاحق من ذلك اليوم للتأكد من أنهما اتبعا التعليمات المتعلقة بالجهاز، والتي أشارا إليها باسم “PlayStation”. فأجابوا أن كل شيء معد. وتم الاتفاق على أن يجتمعوا مرة أخرى في 1 يوليو أي اليوم التالي من وقوع الهجوم.
بلاغ من الموساد
ورصدت أجهزة المخابرات الغربية العملية المرتقبة، ويبدو أن ذلك كان من خلال بلاغ من “جهاز شريك” يعتقد أنه الموساد الإسرائيلي، بحسب “تايمز”.
ويقول جهاز الأمن البلجيكي أن معلومات أبلغت إلى رؤساء الشرطة الفيدرالية وجهاز الادعاء البلجيكي في 25 يونيو أي قبل 3 أيام من اجتماع المتهمين في لوكسمبورغ، تفيد بأن سعدوني ونعامي، قد يكونا متورطين في عمل عنيف أو محاولة فعل ذلك في فرنسا”.
وتم اعتقال الزوجين في يوم الهجوم المخطط له في ولويه سان بيير شرقي بروكسل، حيث تم العثور المتفجرات في حقائبهم.
وكانت القنبلة ملفوفة بالبلاستيك ومخبأة في بطانة كيس من أدوات الزينة وكانت معدة للانفجار. كما تم العثور على مشغل بعيد مخبأ بين أدوات النظافة النسائية في حقيبة صغيرة أخرى داخل حقيبة يد بنية اللون تعود إلى نسيمة نعامي.
قنبلة منزلية الصنع
وكانت القنبلة، وفقًا لـ”دوفو”، وهي وحدة التخلص من القنابل البلجيكية، من صنع منزلي وكانت “حساسة للغاية للحرارة والاحتكاك والصدمة”.
وعلى الرغم من أن المواد الموجودة فيه كانت متاحة مجانًا، فإن أي شخص يقوم بتجميعها سيحتاج إلى “معرفة جيدة بالإلكترونيات”.
ووفقا لـ”تايمز”، فقد تسببت القنبلة في أضرار جسيمة عندما قام عناصر وحدة التخلص من القنابل البلجيكية تفجيرها، مما أدى إلى تدمير روبوت يعمل بالتحكم عن بعد وإصابة ضابط بجروح طفيفة.
وتم القبض على أسدي في الأول من يوليو في ألمانيا، حيث كان يقود سيارته نحو النمسا، وبالرغم من أنه كان يتمتع بحصانة دبلوماسية، واحتجاج إيران على اعتقاله، فقد تم تسليمه لاحقًا إلى بلجيكا.
وتقول صحيفة “تايمز” أنه تم العثور على دفتر ملاحظات أحمر يحتوي على تعليمات للمفجرين في سيارة أسدي، وشملت كيفية تفعيل القنبلة وتفجيرها، وكيف يجب أن يتصرف الزوجان بعد الهجوم.
وأوصي الزوجان بعدم السفر بالطائرة لعدة أشهر، والتوقف عن استخدام عناوين البريد الإلكتروني القديمة وإنشاء عناوين جديدة.
تهديد بلجيكا
وأثناء الاستجواب في مارس الماضي، هدد أسدي الشرطة البلجيكية زاعماً أن الجماعات المسلحة في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وكذلك في إيران، مهتمة بنتيجة قضيته وستراقب لمعرفة ما إذا كانت بلجيكا ستدعمها أم لا “، بحسب وثائق حصلت عليها “رويترز”.
وردا على سؤال حول تصريحات أسدي، قال متحدث باسم المدعي الفيدرالي البلجيكي: “يمكن أن تحدث مثل هذه التهديدات ، لكننا نتخذ دائمًا الإجراءات الأمنية اللازمة”.
ونفى محامي الدبلوماسي الايراني، ديميتري دي بيكو أن موكله وجه تهديدات، وقال لرويترز “هذا ليس تهديدا بالانتقام على الإطلاق وإذا فهمنا بهذه الطريقة فإنه سوء تفسير. إنه سوف يشرح معنى ملاحظاته للمحكمة”.
يُذكر أن المتهم الرابع يدعى مهرداد عارفاني، وهو عنصر مخابرات إيراني في فرنسا تم اعتقاله مساء يوم الحادث في مكان بالقرب من تجمع المعارضة في باريس.