هل عقدت قاعدة اليمن اتفاقاً سريّاً مع الحوثيين؟
من يراقب المشهد في اليمن يدرك أن القاعدة في شبه جزيرة العرب اتخذت أخيراً قرارات وخطوات غير منطقية، نعلم أن القاعدة في اليمن تعاني من خسائر هائلة في المصادر المالية والبشرية والحربية، والأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالعالم بسبب كوفيد ١٩ زادت هذه الخسائر، ونعلم أن القاعدة في اليمن تعاني من ضعف الإدارة والتخطيط، لكن بالرغم من كل ذلك، لا تزال موجودة على الأرض: تختار أن تقوم بأعمال معينة وأن تتجنب أعمالاً أخرى خاصة المواجهة مع من يفترض أنه عدوها اللدود – الحوثيين، هل هذا إجراء تكتيكي؟ أم أن القاعدة دخلت في علاقة تُسقط قناعاتهم، ومزاعمهم والبروباغاندا التي يروجون لها؟
ماذا تقول القاعدة في اليمن وتفعل؟
حتى نفهم ما يحدث، يتعين علينا أن نجد الأدلة من إعلام داعش من الماضي وحتى الحاضر، مثلاً، العين الخبيرة لن تخطئ ملاحظة أن فيديو “فرسان الملاحم” الذي أصدرته قاعدة اليمن في ديسمبر ٢٠١٩ أظهر هجوماً واحداً فقط ضد الحوثيين مقابل هجمات متعددة ضد جماعات أخرى، وهذا أمر مهم إذ يُظهر أن قاعدة اليمن تزيّف مزاعمها بأنها تحمي أنصارها من العدوان الحوثي.
وعلى الأرض، لا نرى دلالات كثيرة على وجود مواجهة واسعة بين قاعدة اليمن والمعتدين الحوثيين المدعومين إيرانياً، بالعكس، انعدام المواجهة يشير إلى بروز ترتيب معيّن بين عدويّ الشرعية في اليمن بحيث يترك أحدهما الآخر في حال سبيله.
من الأخبار التي رصدناها في قنوات القاعدة، كان واضحاً أن القاعدة في شبه جزيرة العرب تستهدف داعش أكثر ما تستهدف الحوثيين، خلال الأشهر السبعة الماضية منذ ديسمبر ٢٠١٩ حتى نهاية يونيو رصدنا ٧ هجمات ضد داعش مقابل هجمتين ضد الحوثيين.
ومن رصدنا لإعلام داعش في اليمن، بدا واضحاً أنهم يعانون من ذلك، ولهذا بدأوا يتوجهون منذ نهاية العام الماضي إلى القبائل السنية في اليمن كي تسحب دعمها للقاعدة ويبررون أن القاعدة يحاربون داعش نيابة عن الحوثيين أو على الأقل يشغلون داعش عن مقاتلة الحوثيين، في مطلع يوليو، وجه داعش رسائل سُلّمت باليد إلى القبائل اليمنية على اختلاف توزيعها الجغرافي تحت عنوان: “رسائل إلى أهل السنة في اليمن: خلّوا بيننا وبين الحوثة،” وفيها: أن على القبائل السنية أن تتوقف عن دعم القاعدة الذين فشلوا في حمايتهم من الجيش أو الحوثيين.
لماذا لم تعد قاعدة اليمن جادّة في مواجهة الحوثيين؟
لنتذكر أن قاعدة اليمن والحوثيين تبادلوا الأسرى في سبتمبر ٢٠١٩، بل تفاخروا بالصفقة، ومنذ ذلك الوقت، تغيرت الأحوال على الأرض، فهل عقدت قاعدة اليمن اتفاقاً سرياً مع الحوثيين بعد صفقة تبادل الأسرى؟
فرع داعش في اليمن، الذي برهن سابقاً على أنه يستطيع التجسس بفاعلية على القاعدة، يعتبر هذا التعاون الواضح بين القاعدة والحوثيين نقطة سوداء في سجل القاعدة ويتهمهم بخيانة القبائل اليمنية التي كانت تقدم دعماً نوعاً ما إلى التنظيم الذي يتزعمه الظواهري، يقول داعش إنهم يستدلون على هذا التعاون من أعداد المنشقين عن القاعدة الذين لم يعجبهم الحال وقرروا الانضمام إلى داعش.
من متابعتنا للأخبار، نستطيع أيضاً أن نستدل على تدهور العلاقة بين القاعدة والقبائل السنية في اليمن.
في مطلع مايو قتلت القاعدة رجلاً من ذي ناعم جنوب محافظة البيضاء بتهمة أنه حوثي، أبناء المنطقة ردوا: “يعني بالله عليكم هل عمركم قمتم بعملية واحدة تستهدف مجرم كبير ولا فاسد كبير عشان أبناء البيضاء يقولوا تسلم الأيادي !! كل عملياتكم تستهدف الأبرياء بدون مواجهة وحتى من تتهمونهم أنهم حوثة تستهدفون منهم الطيبين وتتركوا المخربيين، قتلتم الشخص اللي ما يضر حد وتركتم أبو هاشم الريامي الذي عاث في ذي ناعم فساد وفي البيضاء بشكل عام.”
والريامي من أقسى قادة الحوثيين وأعتاهم. وفي شهري مايو ويونيو، تسببت القاعدة في مواجهة مصيرية بين قبائل كبيرة في البيضاء مثل آل عواض وبين الحوثيين.
هذه القبائل كانت تدير شؤونها بموجب تفاهم مع الحوثيين، لكن ما حدث هو أن الحوثيين أغاروا على منطقة الطفة وسط المحافظة بحجة البحث عن عناصر من القاعدة، انتهت الحملة بأن فرّ عناصر القاعدة بلا خسائر، فيما فتل الحوثيون امرأة قريبةً لأحد هؤلاء الذين هربوا، أهلها لجأوا إلى آل عواض حتى يأخذوا حقهم من الحوثيين، وهذا تسبب في مواجهة انتهت بأن سيطر الحوثيون على المنطقة وكسروا شوكة القبائل هناك، لم نرصد في الأخبار أي تحرك للقاعدة. في الحقيقة، لم تعلن القاعدة عن أي عمل من أي نوع في شهري مايو ويونيو.
فك الارتباط
لا دليل على احتمال أن الظواهري وافق على خيانة قاعدة اليمن للقبائل الذين يحتملون وجود القاعدة بينهم. ولا نعلم إن كان الظواهري على قيد الحياة، فإن انقطعت العلاقة مع القاعدة المركزية، يبدو أن قادة قاعدة اليمن مستعدون لفعل ما يريدون غير آبهين بأن ينكشف نفاقهم.
من الأمور التي يستند إليها داعش اليمن في محاولة إقناع القبائل بسحب تأييدهم للقاعدة هو ما آل إليه التنظيم في سوريا وفقدان الظواهري السيطرة عليه، ويعتبرون أن قاعدة اليمن ليست بعيدة عن ظهور جولاني يتلاعب بهم ويتحالف مع العدو.
ماذا سيحدث الآن؟
إذا ظهرت أدلة أخرى تفضح تعاون قاعدة اليمن مع الحوثيين ليس كخيار تكتيكي وإنما كواقع سائد، فسوف يشعر مقاتلو القاعدة وأنصارها ومموّلوها بالخزي والعار وعلى الأرجح سيسحبون تأييدهم لقيادة التنظيم الحالية.
قادة التنظيم في اليمن جميعاً بلا استثناء ارتكبوا أخطاء، إلا أن بناء حلف شيطاني مع الحوثيين سيكون من دون شك أكبر سقطة للتنظيم، وحتى نعرف ملامح مستقبل قاعدة اليمن، سيتعين علينا أن نتابع إعلام داعش لأن المنشقين عن القاعدة سيواصلون كشف أسوأ أسرار التنظيم من خلال داعش.
المصدر: أخبار الآن- أحمد أبو القاسم