جريمة خولان.. كيف لفّقت مليشيا الحوثي التهمة لتبرئة قيادي نافذ؟

في واحدة من أخطر القضايا الجنائية التي هزّت الرأي العام في صنعاء، أعلنت مليشيا الحوثي القبض على من قالت إنه منفذ جريمة قتل المواطن هاشم الضبيبي وزوجته في شارع خولان.
الإعلان جاء سريعًا، حاسمًا، ومصحوبًا برواية رسمية حاولت إغلاق الملف مبكرًا، لكن صورة واحدة فقط كانت كفيلة بنسف الرواية الحوثية من جذورها، وفتح باب واسع للأسئلة حول التلاعب بالعدالة، وتلفيق التهم، وحماية القيادات المتورطة.
رواية جاهزة بلا تحقيق
أعلنت أجهزة أمن المليشيا ضبط المتهم الرئيسي في جريمة القتل، وقدّمت اسمه للرأي العام بوصفه الجاني، في محاولة واضحة لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد.
لم تُرفق الرواية بأي تفاصيل تحقيق مهني، ولا محاضر ضبط، ولا تسلسل زمني يشرح كيف نُفذت الجريمة ومن سهّلها.
الاكتفاء باسم متهم واحد، في جريمة وقعت في منطقة تخضع لرقابة أمنية مشددة، أثار شكوكًا مبكرة حول طبيعة الإعلان وأهدافه.
الصورة التي قلبت المعادلة
بعد ساعات من الإعلان، تداول ناشطون صورة تُظهر الشخص ذاته الذي أعلنت المليشيا أنه الجاني، وهو يحمل لافتة اعتقال رسمية.
اللافتة تتضمن معلومات صادمة، وهي تاريخ الاعتقال مثبت في الثالث من أغسطس 2025، مكان الاحتجاز مذكور بوضوح، والجهة التي قامت بالاعتقال هي أجهزة تابعة للمليشيا نفسها.
الأخطر أن تاريخ الاعتقال يسبق جريمة شارع خولان، ما يعني أن الشخص كان قيد الاحتجاز قبل وقوع الجريمة التي اتُّهم بتنفيذها لاحقًا.
هذه المفارقة الزمنية لا تترك مجالًا للخطأ أو التأويل، وتحوّل الصورة من مادة تداول إلى قرينة إدانة مباشرة للجهة التي لفّقت التهمة.
كيف يُصنع الجاني في مناطق الحوثي؟
بحسب خبراء قانونيين وحقوقيين، فإن ما جرى يعكس نمطًا متكررًا في مناطق سيطرة الحوثيين، يقوم على إعادة تدوير المعتقلين السابقين أو المهمشين اجتماعيًا، وتحويلهم إلى متهمين جاهزين لإغلاق القضايا الحساسة.
تتم العملية عبر، إخفاء السجلات الحقيقية للاعتقال، وتعديل تواريخ الاحتجاز، إجبار المعتقل أو أسرته على الصمت، تقديم رواية إعلامية سريعة قبل أي تحقيق مستقل.
في هذا السياق، لا يكون الهدف تحقيق العدالة، بل حماية طرف نافذ داخل بنية المليشيا.
المشرف النافذ… المتهم الغائب الحاضر
تشير شهادات متقاطعة إلى تورط مشرف حوثي نافذ يُعرف باسم علوي الأمير، بوصفه الفاعل الحقيقي أو الآمر بالجريمة، ورغم تداول اسمه على نطاق واسع، لم يرد في أي بيان أمني، ولم يُستدعَ للتحقيق، ولم تُنشر أي معلومات عن دوره.
في المقابل، يتمتع المشرفون الحوثيون بحصانة غير معلنة، تخولهم التحكم في مسار القضايا الجنائية، وتوجيه الاتهامات، بل وإغلاق الملفات بالقوة.
غياب اسم المشرف عن أي إجراء رسمي، مقابل الإسراع في إلصاق التهمة بمعتقل سابق، يعزز فرضية التستر المتعمد.
الأمن أم العصابة
في مناطق سيطرة الحوثيين، لا يمكن لجريمة قتل مزدوجة أن تقع دون علم أو تسهيل من الأجهزة الأمنية المسيطرة على المكان، نقاط التفتيش، الكاميرات، الدوريات، كلها أدوات تخضع لإمرة المليشيا.
اسئلة جوهرية
هل فشلت هذه الأجهزة في منع الجريمة؟ أم أنها غضّت الطرف؟ أم أنها جزء من منظومة التغطية؟
الإجابة تتضح عند مقارنة سرعة اتهام شخص واحد، مع الصمت الكامل تجاه أي شبكة أو شركاء محتملين.
الابتزاز وإرهاب المجتمع
لا تقف خطورة القضية عند حدود جريمة قتل، بل تمتد إلى استخدام الملف كوسيلة ابتزاز وإرهاب اجتماعي.
أسر الضحايا تُجبر على القبول بالرواية الرسمية، وأي محاولة للتشكيك تُقابل بالتهديد أو الاعتقال.
بهذه الطريقة، تتحول العدالة إلى أداة قمع، وتتحول الجريمة إلى رسالة: من يعارض أو يكشف، يُلصق به الاتهام.
أسئلة بلا إجابات
حتى لحظة إعداد هذا التحقيق، ترفض المليشيا الإجابة عن أسئلة جوهرية:
كيف يُتهم شخص كان معتقلًا قبل وقوع الجريمة؟ أين سجلات الاحتجاز الرسمية؟ لماذا غاب اسم المشرف المتهم عن التحقيق؟ من يملك قرار توجيه الاتهام وإغلاق الملف؟
تكشف جريمة شارع خولان عن نموذج خطير لإدارة الجريمة داخل مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، حيث تُلفّق التهم، ويُعاد تدوير المعتقلين، وتُحمى القيادات النافذة، في ظل غياب القضاء وتحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات بيد المشرفين.
ما حدث ليس انحرافًا فرديًا، بل ممارسة ممنهجة تُضاف إلى سجل طويل من القتل، والاختطاف، والابتزاز، وتؤكد أن المليشيا ليست سلطة قانون، بل منظومة جريمة منظمة.






