التنسيق الخليجي يعيد رسم خارطة اليمن.. من تشظي القوى إلى ضرورة المواجهة الموحدة

في خضم التطورات المتلاحقة التي تشهدها المحافظات الشرقية والجنوبية اليمنية، أكد مسؤول إماراتي لوكالة رويترز، أن موقف الإمارات من الأزمة اليمنية منسجم تماماً مع الموقف السعودي، مشيراً إلى دعم مسار سياسي تقوده مبادرة خليجية جديدة، وتحميل اليمنيين وحدهم مسؤولية إدارة شؤون بلدهم ووحدة أراضيه.

هذا التصريح، الذي جاء وسط موجة من التوترات العسكرية غير المسبوقة في حضرموت والمهرة وشبوة، يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأزمة اليمنية، وضرورة توحيد الصفوف لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني الذي يستغل هذه الانقسامات لتعزيز موقعه وتوسيع نفوذه.

تفتت الجبهة الوطنية في مواجهة الخطر الحوثي
شهدت المحافظات الشرقية خلال الأيام الماضية تطورات دراماتيكية غيرت خارطة السيطرة العسكرية بشكل جذري، حيث سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على مناطق استراتيجية واسعة في حضرموت، أكبر محافظات اليمن، التي تمتلك ثلث مساحة البلاد ونحو ثمانين بالمائة من الثروة النفطية.

امتدت السيطرة لتشمل مدن سيئون والمكلا وتريم في حضرموت، ثم توسعت شرقاً نحو محافظة المهرة الاستراتيجية على الحدود العمانية، حيث تسلمت قوات الانتقالي القصر الجمهوري بمدينة الغيضة، وميناء نشطون الاستراتيجي، والمواقع العسكرية الحيوية.

في محافظة شبوة، تسلمت القوات الجنوبية مهام حماية منشأة العقلة النفطية، في تطور يعكس إعادة ترتيب موازين القوى في منطقة تنتج جزءاً كبيراً من النفط اليمني.

هذه التطورات دفعت رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المغادرة العاجلة من عدن نحو المملكة العربية السعودية لإجراء مشاورات إقليمية ودولية حول الأزمة، في حين غادر معظم أعضاء الحكومة العاصمة المؤقتة، ما يعكس هشاشة المؤسسات الوطنية.

دلالات ومؤشرات
يحمل التصريح الإماراتي لوكالة رويترز عدة دلالات بالغة الأهمية، يحللها محللون سياسيون ومختصون في الشأن اليمني.

يرى محلل سياسي بارز، أن تأكيد التنسيق مع السعودية يشير إلى رؤية خليجية موحدة تجاه اليمن، بعد فترة من الاختلاف في الأولويات والتكتيكات، هذا التوافق، إن تحقق فعلياً على الأرض، قد يمثل نقطة تحول مهمة في معالجة الأزمة اليمنية المتشعبة.

يضيف المحلل أن الإشارة إلى مبادرة خليجية جديدة تطرح تساؤلات حول معالمها وآلياتها، خاصة في ظل فشل المبادرات السابقة في تحقيق السلام المستدام.

وأوضح أن المطلوب اليوم ليس مبادرة جديدة فحسب، بل رؤية شاملة تعالج جذور الأزمة وتضع حداً للمشروع الحوثي التوسعي الذي يهدد أمن المنطقة بأسرها.

من جهته، يشير محلل عسكري إلى أن التأكيد على مسؤولية اليمنيين وحدهم عن إدارة شؤون بلدهم يحمل رسالة مزدوجة، فمن ناحية، يعكس إدراكاً خليجياً بأهمية الملكية الوطنية لأي حل سياسي مستدام، ومن ناحية أخرى، يضع اليمنيين أمام مسؤوليتهم التاريخية في تجاوز خلافاتهم وتوحيد صفوفهم.

يؤكد المحلل العسكري أن استمرار الاقتتال الداخلي بين الفصائل المناهضة للحوثي لا يخدم سوى المشروع الإيراني في اليمن، فبينما تتصارع القوى الوطنية والجنوبية على المناطق المحررة، تواصل المليشيا الحوثية تصعيدها العسكري في تعز ومأرب وغيرها، مستغلة هذا الانشغال لتعزيز مواقعها وتوسيع سيطرتها.

التهديد الذي يستوجب التوحد
يرى مختصون في الشأن الاستراتيجي أن التصريح الإماراتي يجب أن يُقرأ في سياق التهديد الأكبر الذي يواجه اليمن والمنطقة، وهو المشروع الحوثي الإيراني الذي يتمدد بلا هوادة.

يقول محلل استراتيجي، إن المليشيا الحوثية استغلت كل لحظة من لحظات الانشغال الوطني والإقليمي لتعزيز قبضتها، فبينما تتصارع القوى السياسية والعسكرية في الجنوب والشرق، واصلت المليشيا قصفها الممنهج على تعز لليوم الثالث على التوالي، مستهدفة الأحياء السكنية الآمنة، في جريمة حرب واضحة.

يضيف أن الحوثي يراهن على استمرار الانقسامات الداخلية بين اليمنيين، سواء بين الحكومة والمجلس الانتقالي، أو بين القوى الشمالية والجنوبية، أو حتى بين التيارات داخل المكون الواحد، وهذا الانقسام هو الضمانة الوحيدة لبقاء المشروع الحوثي، الذي يعلم جيداً أنه لن يصمد أمام جبهة وطنية موحدة.

من ناحيته، يحذر محلل سياسي من أن الصراع الدائر في المحافظات الشرقية والجنوبية يصرف الأنظار عن المعركة الحقيقية ضد المليشيا الحوثية، ويشدد على أن أي كيان يمني، سواء كان شمالياً أو جنوبياً، مهدد بشكل مباشر من المشروع الحوثي الإيراني الذي لا يعترف بحدود جغرافية أو سياسية.

يقول المحلل إن ما يحدث في تعز اليوم، من قصف عشوائي وإرهاب منظم، قد يحدث في أي مدينة يمنية غداً، مشيرًا إلى أن المليشيا الحوثية لا تفرق بين شمال وجنوب، بل تنظر إلى اليمن بأكمله كساحة لمشروعها التوسعي الطائفي.

الخيار الوحيد للنجاة
في ظل هذه التطورات المتلاحقة والتحديات الجسام، يجمع محللون سياسيون وعسكريون على أن توحيد الصفوف اليمنية بات ضرورة حتمية لا يمكن تأجيلها.

يقول مسؤول سياسي رفيع، إن اللحظة التاريخية الراهنة تتطلب من جميع القوى اليمنية المناهضة للمشروع الحوثي أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية الوطنية، فالخلافات السياسية والتنافس على النفوذ، مهما كانت مبرراتها، يجب أن تتوقف أمام الخطر الوجودي الذي يمثله الحوثي.

يضيف المسؤول، أن التنسيق الخليجي، وخاصة السعودي الإماراتي، يمثل فرصة ذهبية لإعادة بناء الجبهة الوطنية، فالمملكة والإمارات قدمتا تضحيات جسيمة في دعم اليمن ومواجهة المشروع الإيراني، ومن حق اليمنيين أن يحترموا هذه التضحيات من خلال العمل الجاد على توحيد صفوفهم.

من جانبه، يؤكد محلل عسكري أن توحيد القوات المسلحة اليمنية، بكافة تشكيلاتها ومكوناتها، هو المفتاح لأي حل عسكري ناجح، فالقوة العسكرية المشتتة، مهما كانت تسليحاً وتدريباً، لن تستطيع مواجهة مليشيا منظمة ومدعومة من قوة إقليمية كبرى مثل إيران.

يقول المحلل العسكري، إن المطلوب اليوم هو قيادة عسكرية موحدة، وخطة استراتيجية شاملة، وتنسيق ميداني فعال بين جميع القوات المناهضة للحوثي.

هذا التوحيد لا يعني إلغاء الخصوصيات المناطقية أو المكونات السياسية، بل يعني خلق إطار جامع يضع هزيمة المشروع الحوثي كأولوية قصوى.

يضيف أن تجربة تحرير المحافظات الجنوبية من تنظيم القاعدة، التي أشاد بها المجتمع الدولي، تؤكد أن القوات اليمنية قادرة على تحقيق انتصارات نوعية عندما تتوفر الوحدة والتنسيق والدعم الإقليمي.

المبادرة الخليجية الجديدة
يرى مختصون أن الحديث عن مبادرة خليجية جديدة يجب أن يقابل بترحيب حذر، مع التأكيد على ضرورة أن تراعي هذه المبادرة الواقع الميداني المعقد والمطالب المشروعة لجميع الأطراف.

يقول محلل سياسي إن أي مبادرة ناجحة يجب أن تضع حداً للمشروع الحوثي كشرط أساسي، فلا يمكن الحديث عن سلام مستدام في اليمن بوجود مليشيا مسلحة خارج إطار الدولة، مدعومة من قوة إقليمية معادية، وترتكب جرائم حرب بشكل يومي.

يضيف أن المبادرة يجب أن تعالج أيضاً قضايا الجنوب بشكل جدي، وتأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة لأبناء المحافظات الجنوبية، سواء فيما يتعلق بالإدارة المحلية، أو توزيع الثروة، أو المشاركة السياسية، لكن هذا كله يجب أن يتم في إطار دولة يمنية موحدة قادرة على حماية مصالح جميع مواطنيها.

من جهته، يحذر خبير في الشأن اليمني من مخاطر تجاهل البعد العسكري في أي حل سياسي، فالحوثي، كما أثبتت التجربة، لا يحترم الاتفاقات ولا يلتزم بالهدن إلا عندما يكون في موقف عسكري ضعيف، لذا، فإن أي مبادرة سياسية يجب أن تسبقها أو تترافق مع عمليات عسكرية حاسمة تكسر شوكة المليشيا وتفرض واقعاً جديداً على الأرض.

التحديات والفرص
رغم كل التعقيدات والتحديات، يرى محللون أن المرحلة الراهنة تحمل فرصاً حقيقية لإعادة ترتيب البيت اليمني، شريطة توفر الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة.

يقول محلل استراتيجي، إن التنسيق الخليجي المعلن، خاصة بين السعودية والإمارات، يشكل قاعدة صلبة لأي جهد إقليمي ودولي لحل الأزمة اليمنية.

فهاتان الدولتان تمتلكان النفوذ والإمكانيات اللازمة للضغط على الأطراف اليمنية نحو التوافق، وفي نفس الوقت لدعم أي جهد عسكري جاد لمواجهة المليشيا الحوثية.

يضيف أن الزخم الدولي ضد المشروع الإيراني في المنطقة، وخاصة بعد التطورات في سوريا ولبنان، يخلق بيئة مواتية لعزل المليشيا الحوثية وقطع خطوط إمدادها، هذا الزخم يجب استغلاله بذكاء من خلال تعزيز الجبهة الداخلية اليمنية وحشد دعم دولي أوسع.

من ناحيته، يؤكد محلل سياسي أن الشعب اليمني، في شماله وجنوبه، متعب من الحرب ومتطلع للسلام، لكن السلام الذي يريده اليمنيون ليس استسلاماً للمليشيا الحوثية، بل سلاماً حقيقياً يعيد بناء الدولة ويحفظ كرامة المواطن ويحقق التنمية والاستقرار.

يقول المحلل، إن المطلوب من القوى السياسية والعسكرية اليمنية أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن تدرك أن اللحظة التاريخية لا تحتمل المزيد من المماطلة والانقسام، فإما أن يتوحد اليمنيون في مواجهة المشروع الحوثي، وإما أن يستمر النزيف والدمار لسنوات أخرى.

دعوة للمسؤولية الوطنية
يمثل التصريح الإماراتي حول التنسيق مع السعودية ودعم مبادرة خليجية جديدة فرصة مهمة لإعادة النظر في المقاربة الشاملة للأزمة اليمنية، غير أن نجاح أي مبادرة يعتمد بالدرجة الأولى على إرادة اليمنيين أنفسهم وقدرتهم على تجاوز خلافاتهم.

المشروع الحوثي الإيراني يمثل تهديداً وجودياً لليمن بأكمله، شماله وجنوبه، وأي صراع داخلي بين القوى المناهضة له لا يخدم سوى هذا المشروع التوسعي الخطير.

التطورات في المحافظات الشرقية والجنوبية، رغم حساسيتها، يجب أن تدفع نحو حوار وطني جاد يعالج القضايا الجوهرية ويضع أسساً صلبة لدولة يمنية قوية وعادلة، لكن هذا كله يجب أن يتم في إطار استراتيجية شاملة للقضاء على المليشيا الحوثية وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرتها.

المعركة الحقيقية ليست في حضرموت أو عدن، بل في صنعاء وذمار وصعدة، حيث تفرض المليشيا الحوثية حكماً قمعياً على ملايين اليمنيين، والتصعيد الممنهج على تعز، لليوم الثالث على التوالي، يذكر الجميع بأن هذا العدو لا يتوقف ولا يتراجع، وأن مواجهته تتطلب وحدة صف حقيقية وإرادة فولاذية.

الخيار أمام اليمنيين واضح، إما التوحد لهزيمة المشروع الحوثي، وإما الاستمرار في الانقسام الذي لن يفضي إلا لمزيد من المعاناة والدمار، والتاريخ لن يرحم من يختار الخيار الثاني.

زر الذهاب إلى الأعلى