المؤتمر القومي العربي في بيروت.. حين تتحول “القومية” إلى واجهة للمشروع الإيراني

في مشهد وُصف بأنه “السقوط الأخير للقومية العربية”، استضاف المؤتمر القومي العربي في دورته الرابعة والثلاثين المنعقدة بالعاصمة اللبنانية بيروت كلمة مصورة لزعيم مليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي، ليشهد الحدث عاصفة غير مسبوقة من الانتقادات والسخرية من نخب سياسية وشعبية عربية، اعتبرت أن المؤتمر تخلى عن مبادئه التاريخية وتحول إلى أداة في يد المشروع الإيراني.
القومية العربية تحت العمامة الإمامية
شغلت كلمة عبدالملك الحوثي حيزاً كبيراً من النقاش العربي، مع تفاعل واسع من النخب التي رأت في الحدث “مفارقة تاريخية” و”انفصاماً فكرياً” بين الشعارات والممارسة. فالقومية العربية التي حاربت النظام الإمامي في اليمن — سلالة الحوثي وأجداده — ورفضت التدخلات الإقليمية سواء الإسرائيلية أو الإيرانية، تبدو اليوم وكأنها أصبحت “خانعة للسلالة الإمامية وإيران”، بحسب منتقدين.
وفي هذا السياق، علق الكاتب والسياسي محمد جميح، ممثل اليمن لدى اليونسكو، ساخراً: “برعاية الحوثي انعقاد المؤتمر القومي العربي الرابع والثلاثين. وهكذا… تضاءلت التيارات القومية العربية حتى انحشرت في عمامة الكهنوت!”
كان حضور السياسي المصري حمدين صباحي وعدد من القيادات الناصرية واليسارية وهم يستمعون لخطاب زعيم المليشيات الحوثية، سبباً في موجة غضب شعبي وسياسي.
وصف الصحفي همدان العليي الموقف بـ”المخزي”، قائلاً: “لو عرف حمدين صباحي حجم السب واللعن الذي تعرض له من عامة اليمنيين (ضحايا الحوثيين) خلال الساعات الماضية، لأعاد النظر في موقفه… هذا المسكين قرر تأييد مشروع سلالي عنصري يمثل عرقية طائفية في اليمن”.
وأضاف العليي في تغريدة أخرى: “من كانوا يتغنون بالعروبة، باتوا اليوم يحملون راية المشروع الخميني دون وعي ولا كرامة… الانتساب لهذه الأيديولوجيا اليوم عار. رحم الله جمال عبدالناصر”.
منصة إيرانية
كشفت تحقيقات ومتابعات أن المؤتمر القومي العربي تحول منذ عام 2015 إلى منصة خاضعة للهيمنة الإيرانية، بعد أن كان يلعب دوراً محورياً في نصرة قضايا الأمة العربية. وبحسب ما كتبه الكاتب معن دماج: “يظهر الناس دهشة من إلقاء عبدالملك الحوثي كلمة في المؤتمر القومي العربي… والحال أن المؤتمر يتمول منذ عشرين عاماً من إيران، بعد أن كان ممولاً من صدام، لأسباب أيديولوجية بالأساس”.
وأوضح الكاتب عادل العقيبي في مقال نشره “الوحدوي نت” أن “حزب الله وإيران استولوا على زمام الأمور في المؤتمر منذ منتصف 2015 بمساعدة اللبناني معن بشور”، مما دفع الأمين العام السابق للمؤتمر، عبدالملك المخلافي، إلى تجميد علاقته بالمؤتمر ومقاطعة جلساته. ومنذ ذلك الحين، جمّد المشاركون من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن نشاطهم وقاطعوا جميع الأنشطة، كما انقطع المصريون وجزء كبير من الشخصيات القومية البارزة عن الحضور.
خدمة المشروع الفارسي
المبرر الذي ساقه المدافعون عن استضافة الحوثي تمحور حول ادعاءات مليشيا أنصار الله بدعم القضية الفلسطينية. لكن منتقدين اعتبروا ذلك “تدليساً خطيراً وتضحية بالشعب اليمني على مذبح شعارات فضفاضة”. وكتب الناشط سلطان الشامري: “كشفت بيروت اليوم بوضوح حقيقة ما يسمى بالقوميين العرب… حين أبى الإمعة المصري حمدين صباحي إلا أن يجعل من مؤتمرهم سجاداً تحت أقدام الفرس، ليقف الحوثي الإيراني خطيباً فوق رقاب قطيع القوميين العرب”.
وفي مقال تحليلي لـ”الشرق الأوسط أونلاين”، كتب عبدالواسع الفاتكي أن “الاحتفاء بالميليشيات الحوثية بذريعة مقاومة إسرائيل وأميركا يمثل تدليساً خطيراً وتضحية بالشعب اليمني وقضيته الوطنية”، مضيفاً: “لقد انسلخت ميليشيا الحوثي عن هويتها العربية لتصبح جزءاً من محور إقليمي تقوده طهران، مما يجعل استضافتها في محفل قومي عربي أمراً يصعب فهمه أو تبريره”.
تناقضات صارخة
أثار المشهد تساؤلات جوهرية حول مصداقية الشعارات القومية: كيف يمكن التوفيق بين ادعاء النضال من أجل الدولة المدنية، وبين الاحتفاء بجماعة انقلبت على الدولة الشرعية وأدخلت اليمن في أتون حرب أهلية مدمرة؟ وكيف يمكن الحديث عن القومية العربية بينما يُمنح المنبر لميليشيا تعمل كأداة تنفيذية للمشروع الإيراني التوسعي؟
وعلق الصحفي محمد الضبياني: “قطعان اليسار القومجي العربي وفلول إيران ومرتزقتها ومطايا المليشيات الطائفية مجتمعين تحت اسم المؤتمر القومي العربي يصغون كتلاميذ للسفاح عبدالملك الحوثي”.
موت القومية العربية في أحضان ولاية الفقيه
يرى مراقبون أن ما حدث في بيروت ليس مجرد حدث عابر، بل يعكس تحولاً خطيراً في مسار الحركات القومية العربية التي انحدرت من “التحرر العربي” إلى “الخضوع للمشروع الإيراني”. وكما كتب طارق مكرد: “معظم القوميين العرب تحولوا حُجاباً في إيوان كسرى، وخدام حسينيات قم، ومنظري الثورة الخمينية… حمدين صباحي أصبح منذ سنوات مجرد رادود يقدم لطميات بنغمة ثورية عروبية”.
المؤتمر الذي كان يوماً ما منبراً لمناقشة قضايا التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية، تحول — بحسب النقاد — إلى “واجهة سياسية تروج لخطاب حزب الله والمشروع الإيراني”، في مشهد يلخص ما آلت إليه التيارات القومية التي “تضاءلت حتى انحشرت في عمامة الكهنوت”.





