الحوثيون يحوّلون الإجراءات الإنسانية إلى “أدلة تجسس” لإعدام موظفين أمميين

في تصعيد خطير ضد العمل الإنساني الدولي، تسعى مليشيا الحوثي الإرهابية لإعدام موظفين أمميين عاملين في المجال الإنساني باليمن، بعد أن حوّلت إجراءات بروتوكولية إلزامية ومعتادة في العمل الأممي إلى “أدلة قاطعة على التجسس”، في خطوة تكشف استهتار الجماعة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.
وتستند المليشيا في اتهاماتها الملفقة إلى ثلاثة “أدلة” هي في حقيقتها إجراءات روتينية إلزامية في عمل المنظمات الأممية، تشمل مشاركة الإحداثيات الجغرافية، والتنسيق مع أطراف النزاع بما فيهم الجيش الإسرائيلي أثناء العمل الإنساني في غزة، والحصول على تصاريح مرور عبر المعابر الإسرائيلية.
قبل استهداف إسرائيل لحكومة الحوثيين في صنعاء بيومين، عُقد اجتماع لمسؤولين حوثيين مع فريق أممي في فيلا بحي حدة، تعرضت لاحقاً للقصف، وبحسب المعلومات، فإن الفريق الأممي شارك إحداثيات تحركه ومكان إقامته ومدة بقائه مع المقار الرئيسية للمنظمات في روما ونيويورك، وهو إجراء بروتوكولي أمني إلزامي لأي تحركات أممية على الأرض.
لكن المليشيا الحوثية اعتبرت هذا الإجراء الروتيني “دليلاً قاطعاً” على تزويد التحالف بمعلومات لاستهداف مواقع حوثية، متجاهلة أن هذه البروتوكولات موجودة لحماية الطواقم الأممية ذاتها، وليس لأغراض عسكرية.
التنسيق الإنساني يصبح “تجسساً”
في تلفيق آخر، تتهم المليشيا مسؤول الأمن والسلامة في برنامج الغذاء العالمي باليمن، اليمني عمار علي ناصر النخعي، بـ”التجسس” لأنه نسّق مع الجيش الإسرائيلي خلال مشاركته في عملية إنسانية بقطاع غزة أثناء الحرب.
والواقع أن التنسيق مع أطراف النزاع، بما فيهم إسرائيل التي تسيطر على المعابر والحواجز الأمنية في غزة، يُعد جزءاً لا يتجزأ من بروتوكول فرق الطوارئ الأممية، ومسؤولية مباشرة لمسؤولي الأمن والسلامة لضمان حماية الطواقم العاملة وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
الدليل الثالث الذي تتشبث به المليشيا هو العثور على تصريح مرور إسرائيلي في جواز أحد الموظفين الأمميين، لكن الحقيقة أن جميع موظفي الأمم المتحدة الدوليين من غير الفلسطينيين يدخلون إلى قطاع غزة عبر إسرائيل، غالباً من خلال معبر إيريز الذي تديره السلطات الإسرائيلية، وبالتالي يحتاجون حتماً إلى تصريح مرور إسرائيلي، وهو إجراء إداري معتاد لا يمكن الاستغناء عنه.
انتهاك صارخ للقانون الدولي
يؤكد خبراء في القانون الدولي، أن ما تقوم به مليشيا الحوثي يمثل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي الذي يحمي العاملين في المجال الإنساني.
ويقول محلل حقوقي مختص في القانون الدولي الإنساني: “تحويل الإجراءات البروتوكولية الإلزامية إلى أدلة تجسس يكشف نية مبيتة لتصفية العمل الإنساني في اليمن. هذه الاتهامات الملفقة تستهدف ترويع المنظمات الدولية وإجبارها على مغادرة البلاد، مما يحرم ملايين اليمنيين من المساعدات الحيوية”.
ويضيف خبير قانوني آخر: “استهداف موظفين أمميين بتهمة التجسس استناداً إلى إجراءات روتينية معروفة عالمياً يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي. المليشيا تدرك تماماً أن هذه الإجراءات بروتوكولية، لكنها تستغلها لتصفية حسابات سياسية وبث الرعب”.
نمط إرهابي ممنهج
من الناحية السياسية، يرى محللون أن هذه الخطوة تندرج ضمن نمط ممنهج من الابتزاز السياسي واحتجاز الرهائن الذي تمارسه المليشيا الحوثية.
يقول محلل سياسي متخصص في الشأن اليمني: “الحوثيون يستخدمون العاملين الأمميين كأوراق ضغط سياسية في مفاوضاتهم، وقد يسعون إلى محاكمة صورية للموظفين ومن ثم الحكم عليهم بالإعدام بتهم ملفقة، وذلك سيكون سابقة خطيرة.
ويضيف محلل آخر: “هذا التصعيد يأتي في سياق محاولة المليشيا فرض سيطرتها الكاملة على العمل الإنساني، وتحويل المساعدات إلى أداة سياسية وعسكرية، إعدام موظفين أمميين سيرسل رسالة واضحة: إما الخضوع الكامل لشروط الحوثي أو المغادرة”.
وتثير هذه التطورات مخاوف حقيقية من انهيار كامل للعمل الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، في وقت يعاني فيه اليمن من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مع حاجة أكثر من 21 مليون شخص للمساعدات الإنسانية.
ويحذر مراقبون من أن إعدام موظفين أمميين قد يدفع المنظمات الدولية إلى وقف عملياتها في مناطق سيطرة الحوثيين، مما يعني كارثة إنسانية محققة لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
يُذكر أن مليشيا الحوثي احتجزت عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في منظمات إنسانية خلال الأيام الماضية، في انتهاك صارخ للحصانات الدبلوماسية والإنسانية المكفولة دولياً.





