تطابق مريب.. الحوثيون يستنسخون السيناريو الإسرائيلي في مطاردة العاملين الإنسانيين
 
						في مشهد يثير تساؤلات خطيرة حول التنسيق غير المعلن بين أطراف يُفترض أنها في حالة عداء، أعلنت المليشيا الحوثية عزمها محاكمة 43 موظفًا من الأمم المتحدة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، في تطابق مثير للريبة مع السيناريو الذي اتبعته تل أبيب ضد وكالة الأونروا.
وكانت إسرائيل قد بدأت حربها على حماس في غزة، بتوجيه اتهامات جاهزة لوكالة الأونروا بأن موظفيها “جواسيس لحماس وإيران”، في محاولة منهجية لتجريد الفلسطينيين من آخر شريان حياة إنساني يربطهم بالمجتمع الدولي.
اليوم، وبعد أن نجحت الضربات الإسرائيلية في اغتيال رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي ووزراء آخرين في أغسطس 2025، تنفذ المليشيا الإيرانية حملة اعتقالات واسعة ضد العاملين الإنسانيين، مستخدمة ذات الذريعة: “التجسس لإسرائيل”.
التطابق ليس صدفة، فالحوثيون اعتقلوا منذ أغسطس الماضي أكثر من 53 موظفًا أمميًا، بينهم ممثل اليونيسف البريطاني بيتر هوكينز، واقتحموا مقرات برنامج الغذاء العالمي ومنظمات إنسانية أخرى في صنعاء.
الأمر الأكثر إثارة للشبهات يتمثل في دقة الضربات الإسرائيلية المذهلة التي استهدفت اجتماعًا لقيادة الحوثيين في صنعاء يوم 28 أغسطس 2025، فقد نجحت إسرائيل، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن صنعاء، في استهداف اجتماع سري للقيادة الحوثية بدقة جراحية، ما يطرح تساؤلات جوهرية عن من زوّد إسرائيل بهذه المعلومات الاستخباراتية الدقيقة؟
وفق تقارير عديدة، كشف استهداف الاجتماع عن اختراق استخباراتي عميق للبنية الأمنية للجماعة، وهو ما دفع مصادر يمنية للحديث عن “تسريبات داخلية” و”عملاء مزروعين” في صفوف الحوثيين، لكن المفارقة أن هذا الاختراق تم في الوقت الذي كان فيه الحوثيون يدّعون “محاربة إسرائيل” و”نصرة فلسطين”.
حملة تطهير داخلية
التحليل الدقيق للتحركات الحوثية، يكشف أن حملة الاعتقالات الواسعة ضد الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين ليست مجرد رد فعل على الضربات الإسرائيلية، بل هي عملية تطهير منظمة تستهدف ثلاثة أهداف، أولها إلقاء اللوم على “الأجانب” و”العملاء الدوليين” لتغطية الفشل الأمني الذريع الذي سمح لإسرائيل باختراق أعلى المستويات الأمنية للجماعة.
الثاني، استغلال الأزمة لتصفية حسابات داخلية وإزاحة أطراف متصارعة ضمن البنية القيادية والأجنحة المختلفة، والثالث قطع آخر جسور التواصل بين الشعب اليمني والمجتمع الدولي، تمامًا كما حاولت إسرائيل فعله مع الفلسطينيين عبر استهداف الأونروا.
عدوان على العمل الإنساني
الأمم المتحدة رفضت بشدة الاتهامات الحوثية، مؤكدة أن موظفيها “لا يقومون بأي عمل استخباراتي”، تمامًا كما رفضت اتهامات إسرائيل للأونروا بالتورط مع حماس، بل إن محكمة العدل الدولية نفسها أكدت أن إسرائيل لم تقدم أدلة تثبت صلة موظفي الأونروا بحماس.
لكن الحوثيين، في توأمة مريبة مع الممارسات الإسرائيلية، يواصلون سيناريو الاتهامات الجاهزة دون تقديم أي أدلة، في حين أن المفاوضات الأممية معهم في مسقط فشلت تمامًا في إطلاق سراح المحتجزين.
حماس الضحية المشتركة
الخيط الأكثر وضوحًا في هذه المعادلة المعقدة هو أن حماس تدفع الثمن من الطرفين، فإسرائيل استهدفت الأونروا بحجة دعمها لحماس، والحوثيون يعتقلون العاملين الإنسانيين بحجة التجسس لإسرائيل التي تحارب حماس، والنتيجة تدمير البنية الإنسانية في المنطقة بأكملها، سواء في غزة أو اليمن، وتجريد الشعوب من آخر خيوط الأمل.
تشير مصادر يمنية إلى أن “هناك تشابهًا وانسجامًا تامًا بين إسرائيل والحوثي، ويبدو أنهم كانوا متفقين جدًا للقضاء على حماس”، وهو اتهام ثقيل يستند إلى أدلة التزامن والتطابق المنهجي في استهداف العمل الإنساني.
ماذا بعد اتفاق غزة؟
مع إعلان اتفاق السلام في غزة، يواجه الحوثيون خيارات ثلاثة بحسب المحللون السياسيون، وهي أن يوقف الحوثيين الهجمات وينخرطون في عملية سلام، وهو سيناريو ضعيف وفقًا لتاريخ المليشيا الحوثية، والثاني، أن تواصل الذراع الإيرانية في اليمن الهجمات بحجة عدم إنسحاب إسرائيل الكامل من غزة، وهو سيناريو مستبعد لكون المليشيا لم تقاتل من أجل غزة أو فلسطين، وإنما بهدف منح إسرائيل الذريعة الكاملة للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس.
أما السيناريو الثالث وفق المحللين، وهو الأرجح، بأن تعمل المليشيا على إعادة التنظيم واستغلال الهدنة لبناء القوة وهو السيناريو الأكثر واقعية، نظرًا لتاريخ الجماعة في استغلال الهدن منذ الحرب الأولى مع الحكومة اليمنية.
لكن في جميع السيناريوهات، يبدو أن الضحية الأولى ستكون العاملون الإنسانيون الذين يحاصرهم الحوثيون في السجون بتهم ملفقة، تمامًا كما حاصرت إسرائيل موظفي الأونروا.
ليس من قبيل المصادفة أن تتبع مليشيا تدّعي “محاربة إسرائيل” نفس الأساليب الإسرائيلية ضد المنظمات الإنسانية. التطابق في التوقيت، والأساليب، والخطاب، والنتائج، يطرح أسئلة مشروعة حول طبيعة هذا “العداء المعلن” و”التنسيق الخفي”.
 
				 
					 





