حملة اعتقالات واسعة تثير تساؤلات حول إعادة هيكلة القيادة العليا للمليشيا الحوثية
كتب: محمود الطاهر

يرى مراقبون ومحللون سياسيون، أن الحملة الأمنية الواسعة التي تشهدها مناطق سيطرة المليشيا الحوثية خلال الأيام الأخيرة والتي يقودها علي حسين بدر الدين الحوثي، تتجاوز كونها مجرد إجراءات أمنية روتينية، لتكشف عن ترتيبات منظمة لإعادة توزيع مراكز القوة داخل الجماعة، في خطوة يصفها مختصون بأنها “إعداد ممنهج لحزمة تبريرية” تمهد لإعلان ضبط ما يُزعم أنها خلايا مرتبطة بجهات خارجية.
ويلفت محللون إلى التزامن اللافت بين اعتقال شخصيات بارزة، على رأسها أمين سر المجلس السياسي للحوثيين ياسر الحوري، وبين معلومات تتحدث عن الإعداد للإعلان عن ضبط “أربع خلايا” تحاول المليشيا تلفيق تهم ارتباطها بجهات خارجية، ويرى مختصون في الشأن اليمني أن هذا التوقيت ليس عفوياً، بل يتبع نمطاً استخباراتياً معروفاً، كتنفيذ اعتقالات موسعة، ثم الإعلان عنها بطريقة درامية لخلق مبررات سياسية وتشتيت الانتباه عن الأهداف الحقيقية.
ويشير مراقبون إلى أن طبيعة الاتهامات الموجهة – التخابر مع جهات خارجية والارتباط بدول مثل السعودية وبريطانيا وإسرائيل والمقاومة الوطنية – تكشف عن نية توظيف هذه القضايا سياسياً أكثر من كونها ملفات أمنية حقيقية.
ويوضح محللون، أن مثل هذه الاتهامات سهلة التصنيع في بيئة تفتقر إلى سيادة القانون، وتخدم هدفين رئيسيين، هما إثارة مخاوف قواعد المليشيا من “تهديد خارجي”، وتقديم غطاء قانوني لتصفيات داخلية مخططة.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية
وفق مصادر مطلعة، فإن ما يجري لا ينفصل عن محاولات لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لصالح جناح بعينه داخل المليشيا.
ويشير مختصون إلى تقارير موثوقة عن تهميش قيادات أمنية معينة وسحب مقرات ومعدات رقابية لصالح عناصر موالية لقيادات صاعدة، في نمط كلاسيكي يسبق عادة فرض هيمنة كاملة على الجهاز الأمني.
ويقول محللون، إن هذه الخطوات تكشف عن أن الهدف الحقيقي ليس مجرد توقيف أفراد معينين، بل إعادة تركيب هندسة القوة داخل المؤسسة الأمنية بالكامل، بما يضمن السيطرة على منظومة المعلومات والرقابة والاتصالات – وهي أدوات حاسمة في أي صراع على النفوذ.
من جهتهم، يرى مراقبون أن الإعلان المرتقب عن “خلايا تجسس” سيُستخدم لأغراض متعددة، منها تبرير عمليات إقصاء واسعة، وشرعنتها أمام القواعد الشعبية للجماعة، وكذلك أمام الرعاة الإقليميين، إضافة إلى أن استهداف موظفين أمميين واتهامهم بالتواصل مع مسؤولين سابقين يخدم هدفاً مزدوجاً، وهو خلق ورقة ضغط تفاوضية، وفي الوقت نفسه تعزيز العزلة الدولية التي قد تصب في مصلحة الأجنحة المتشددة.
سيناريوهات محتملة
يضع مختصون في الشأن اليمني عدة سيناريوهات لما قد تؤول إليه هذه التطورات..
السيناريو الأرجح، وفق المحللين، هو أن هذه الخطوات تمثل “بناء قاعدة قوة أمنية” وليس تمهيداً فورياً لانتقال قيادي علني، فالسيطرة على الأجهزة الأمنية شرط مسبق لأي مسار صعود سياسي مستقبلي، وهي عمليات تُبنى على مراحل متدرجة.
السيناريو الثاني، يشير إلى أن نجاح حملة إعادة الهيكلة الأمنية قد يحول المستفيد منها وهو علي حسين الحوثي، إلى لاعب رئيسي في أي نقاش مستقبلي حول القيادة، لكن ذلك مرهون بمدى قبول القيادة العليا للجماعة.
أما السيناريو الأخير، فهو إعلان انتقال قيادي فوري أو محاولة استيلاء علنية على القيادة، وهو ما يراه المحللون غير مرجح في ظل التوازنات الداخلية المعقدة للجماعة.
مخاطر وفرص
يشير مختصون إلى أن المسار الحالي ينطوي على فرص ومخاطر جسيمة، فمن جهة، قد يحقق السيطرة الفعلية على أجهزة المخابرات والرقابة، وبناء رصيد قوة قابل للاستثمار سياسياً.
ومن جهة أخرى، يتوقع مراقبون انفجار صراع داخلي يخرج عن السيطرة، يتقدمها حدوث انشقاقات في الأجنحة العسكرية، وخسارة القواعد الشعبية للجماعة، فضلاً عن تصاعد الضغوط الدولية وقطع قنوات التفاوض.
يوضح محللون الآلية المتوقعة لما يصفونه بـ”صناعة القضايا الأمنية”، اختيار شخصيات أو مجموعات ضعيفة أو غير محبوبة محلياً، ثم ربطها اتهامياً بجهات خارجية، وإخضاعها لتحقيقات سريعة تنتج “اعترافات” معدة سلفاً، ثم بث بيانات أمنية مدروسة إعلامياً لإرهاب المعارضين وإظهار كفاءة الجهاز الأمني، وأخيراً إحالة الملفات إلى محاكم صورية لإصدار أحكام رادعة سريعة.
ويرى مختصون أن هذا النمط سيُستخدم لتبرير موجات إقصاء واسعة وشرعنتها تحت عنوان “مكافحة التجسس والخيانة”، وإقصاء شخصيات كبيرة داخل الجماعة، كما حدث مع ياسر الحوري، وقد يتبعها إجراءات ضد عبدالكريم الخيواني.
الخلاصة
يجمع مراقبون ومحللون على أن الوقائع الحالية، مع اتساقها مع أنماط سلوك سابقة للمليشيا الحوثية، تدعم قراءة واحدة، وهو ما يحدث ليس عملية أمنية عفوية، بل حملة منظمة لإعادة توزيع مراكز القوة الأمنية لصالح جناح معين، في خطوة قد تكون تحضيرية لتحولات أوسع في بنية القيادة مستقبلاً، وإن لم تكن تمهيداً فورياً لانتقال قيادي معلن.
ويوصي مختصون بمتابعة عدة مؤشرات في الأيام المقبلة، منها توثيق أسماء المعتقلين ومواقع احتجازهم، ورصد أي تغييرات في بنية الأجهزة الأمنية ومقراتها، ومتابعة الخطاب الإعلامي الرسمي للمليشيا، والاستعداد لاحتمال اتساع حملات الاعتقالات والمحاكمات السريعة – وهي جميعها مؤشرات على عمق وطبيعة الصراع الداخلي الدائر داخل الجماعة.





