طارق صالح.. حين يتحرك رجل الدولة بعقل الجمهورية

في المشهد اليمني المتداخل، حيث تختلط الولاءات بالمصالح، وتضيع البوصلة بين الشعارات والمواقف، يظل الفريق الركن طارق صالح واحدًا من القلائل الذين يتعاملون مع الواقع بعقل الدولة لا بعاطفة الفرد.

من يراقب خطواته يدرك أن تحركاته ليست انفعالات سياسية، بل نابعة من رؤية وطنية تحاول أن توازن بين مقتضيات المعركة وأولويات بناء الدولة.

لقد كُتِب عن الرجل كثير من الهجوم والتشويه، بعضها بدوافع سياسية، وبعضها الآخر ناتج عن قراءة ناقصة لمواقفه، لكن وسط هذا الضجيج، تبقى الحقائق أكثر هدوءًا من العناوين، فهو يتحرك على الأرض، يبني مؤسسات، ويعمل بصمت لاستعادة فكرة الجمهورية التي يحاول الغزو الفكري الإيراني طمسها من الوجدان اليمني.

من السهل أن تُوجّه الاتهامات في بلدٍ تتنازع فيه القوى وتتصارع المصالح،
اتهموه بالسعي إلى النفوذ، وبالانفراد بالقرار، وبالتحدي داخل مجلس القيادة، لكنّ أحدًا لم يسأل: ماذا يفعل غيره؟ وأين هي مشاريع الدولة لدى بقية الأعضاء؟

الإنصاف يقتضي ألا يُدان من يعمل لمجرد أنه يتحرك، وألا يُهاجَم من يسعى لأن يكون للمؤسسات صوت وهيبة.

طارق صالح لا يقدّم نفسه كمنقذ أو قائد استثنائي، بل كجزء من مشروع وطني يرى في الجمهورية قيمة وجود لا مجرد نظام حكم، قد يختلف معه البعض في الأسلوب أو في بعض المواقف، لكن لا أحد يمكنه إنكار أنه يتحرك من منطلق وطني خالص، بعيدًا عن المحاور الضيقة والاصطفافات التي مزّقت البلاد.

ما يميّز طارق صالح أنه يتحدث بلغة الدولة، لا بلغة الفصائل، وحين يتحدث عن بناء الجيش، أو عن إعادة تنظيم المؤسسات، أو عن ضرورة استعادة القرار اليمني، فإنه لا يتحدث من موقع الرغبة في السلطة، بل من منطلق وعي بأن بقاء الدولة هو الضمان الوحيد لليمنيين جميعًا، مهما اختلفت توجهاتهم.

وفي زمنٍ تحوّل فيه الانتماء الوطني إلى تهمة، يصبح من الطبيعي أن يُهاجَم كل من يحاول أن يُعيد للمفهوم معناه.

ليس مطلوبًا من أحد أن يتفق معه في كل شيء، فالاختلاف سمة العمل العام، لكن من غير المنصف أن يُدان رجل لمجرد أنه لا ينتمي إلى جبهة مصالح أو محور نفوذ.

لقد أثبتت التجارب أن من يلتزم بخط الجمهورية، ويقف في وجه التمدد الإيراني، سيُستهدف سياسيًا وإعلاميًا من كل من يتقاطع مع ذلك المشروع أو يساوم عليه.

وهنا، تظهر خطورة الصمت، إذ يصبح الهجوم على من يعمل أسهل من مساءلة من لا يعمل.

ختام القول، لسنا أمام رجل بلا أخطاء، بل أمام مسؤولٍ اختار طريقًا صعبًا في مرحلة معقدة، وقرر أن يتحرك بعقل الدولة لا بعقل الفصيل، وهذا بحد ذاته كافٍ لأن يُنصَف، لا أن يُمجَّد.

فمن يعمل لصالح اليمن، ويواجه الغزو الفكري والمذهبي، ويعيد للناس الثقة بفكرة الجمهورية، يستحق كلمة إنصاف، لا من باب الولاء، بل من باب الواجب الوطني.

إن ما يُكتب اليوم ليس دفاعًا عن شخص، بل دفاع عن نهج.. نهج يؤمن أن اليمن لا تُبنى بالشعارات ولا تُدار بالولاءات، بل بالعقل، والمسؤولية، والإخلاص.

وفي هذا النهج، يبدو الفريق الركن طارق صالح واحدًا من الأصوات القليلة التي لا تزال تؤمن بأن مستقبل الجمهورية أهم من كل حسابٍ شخصي أو سياسي.

لم أكتب يومًا في مديح أحد، ولم أجعل من قلمي أداة تلميع، لكنّ الإنصاف والواجب الوطني يفرضان أن نقول الكلمة حين يختلط الحق بالباطل، وأن ندافع عن من يعمل بصمت من أجل بقاء اليمن جمهورياً، مستقلاً، حرّ الإرادة والقرار.. ودمتم


محمود الطاهر- كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني

 

زر الذهاب إلى الأعلى