أوراق مساومة ام قضية أمنية.. لماذا يستهدف الحوثيون العاملين في المجال الإنساني؟

بينما تواصل مليشيا الحوثي حملتها الممنهجة ضد موظفي المنظمات الدولية والأمم المتحدة في اليمن، يكشف مراقبون ومحللون سياسيون عن الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد الخطير، مؤكدين أن الذرائع الأمنية التي تسوقها الجماعة لا تعدو كونها غطاءً لأجندة سياسية أعمق.
ويرى محللون سياسيون أن الاتهامات التي توجهها مليشيا الحوثي للمنظمات الإغاثية الدولية بالتجسس لصالح أمريكا وإسرائيل وبريطانيا لا تستند إلى أدلة حقيقية، بل تأتي في إطار استراتيجية محسوبة لتحويل العاملين في المجال الإنساني إلى “رهائن سياسيين” يمكن استخدامهم كأوراق مساومة في المفاوضات المستقبلية.
ويؤكد مراقبون، أن التوقيت الذي اختارته الجماعة لشن هذه الحملة، والذي تزامن مع الأحداث التي أعقبت الضربة الإسرائيلية في أغسطس 2025، لم يكن عفوياً، بل جاء ضمن محاولة لإعادة ترتيب أوراقها السياسية وفرض وقائع جديدة على الأرض.
وفقاً لمحللين سياسيين، فإن الهدف الحقيقي من الاقتحامات الحوثية للمنظمات الإغاثية الدولية يتمثل في استخدام المعتقلين كورقة ضغط في المفاوضات مع المجتمع الدولي، خاصة الدول الغربية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية واضحة.
ويسعى الحوثيون، بحسب مراقبين، إلى انتزاع اعتراف دولي بشرعيتهم كسلطة أمر واقع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما يمثل أولوية قصوى للجماعة في ظل عزلتها الإقليمية والدولية المتزايدة.
ويرى محللون أن احتجاز عشرات الموظفين الدوليين يمنح الحوثيين رافعة تفاوضية قوية يمكن استخدامها للضغط على الحكومات الغربية والأمم المتحدة لبدء حوار مباشر معهم، وهو ما يعني اعترافاً ضمنياً بهم كطرف سياسي فاعل.
تشغيل مطار صنعاء الدولي
يمثل مطار صنعاء الدولي أحد أهم أوراق المساومة التي يسعى الحوثيون لاستعادتها، حيث يؤكد مراقبون أن الجماعة تحاول استخدام ملف المعتقلين الدوليين للضغط من أجل السماح بتشغيل المطار بشكل كامل، وإنهاء القيود المفروضة على الرحلات الجوية.
ويشير محللون إلى أن تشغيل المطار لا يمثل للحوثيين مجرد تسهيل للحركة والتنقل، بل هو رمز سيادي يعزز من مكانتهم السياسية ويمنحهم شرعية إضافية أمام الشعب اليمني والمجتمع الدولي.
ويعد السماح لقيادات الحوثيين المتواجدين خارج اليمن بالعودة إلى صنعاء أحد الأهداف الرئيسية لهذه الحملة، وفقاً لمحللين سياسيين، الذين يشيرون إلى أن هناك قيادات حوثية مؤثرة عالقة في الخارج بسبب القيود الدولية المفروضة على السفر والتنقل.
ويرى مراقبون أن الحوثيين يراهنون على أن الضغط الإنساني الناجم عن احتجاز موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية سيدفع المجتمع الدولي إلى تقديم تنازلات في هذا الملف، خاصة فيما يتعلق برفع القيود عن حركة قياداتهم.
قرصنة السياسية
يصف محللون سياسيون ما تقوم به مليشيا الحوثي بأنه نوع من “القرصنة السياسية”، حيث تحتجز الجماعة مدنيين أبرياء وعاملين في المجال الإنساني لابتزاز المجتمع الدولي وتحقيق مكاسب سياسية.
ويؤكد مراقبون أن هذا النمط من السلوك ليس جديداً على الحوثيين، الذين سبق لهم استخدام أساليب مشابهة في احتجاز السفن في البحر الأحمر، واحتجاز الناقلة “صافر” النفطية لسنوات، واحتجاز مواطنين أجانب كورقة مساومة.
ويحذر محللون من أن استمرار هذه السياسة الحوثية سيؤدي إلى تداعيات كارثية على العمل الإنساني في اليمن، حيث دفعت هذه الممارسات الأمم المتحدة بالفعل إلى نقل مقر منسقها للشؤون الإنسانية من صنعاء إلى عدن، وتعليق العديد من أنشطتها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويشير مراقبون إلى أن الثمن الأكبر لهذه الممارسات سيدفعه الشعب اليمني نفسه، الذي يعتمد ملايينه على المساعدات الإنسانية الدولية للبقاء على قيد الحياة، في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
مقامرة محفوفة بالمخاطر
ويرى محللون سياسيون أن الحوثيين يخوضون مقامرة محفوفة بالمخاطر، إذ أن تحويل العاملين في المجال الإنساني إلى رهائن قد يحقق لهم بعض المكاسب التكتيكية على المدى القصير، لكنه يزيد من عزلتهم الدولية ويؤكد صورتهم كجماعة غير مسؤولة وغير جديرة بالثقة.
ويؤكد مراقبون أن المجتمع الدولي، رغم حرصه على سلامة موظفيه، لن يستسلم لهذا الابتزاز السياسي بسهولة، وأن الحوثيين قد يجدون أنفسهم في النهاية أمام معادلة خاسرة تدفع ثمنها الأجيال القادمة من اليمنيين.
ويخلص محللون سياسيون إلى أن الحملة الحوثية ضد العاملين في المجال الإنساني ومكاتب الأمم المتحدة لا تعكس قلقاً أمنياً حقيقياً، بقدر ما تكشف عن استراتيجية سياسية محسوبة تهدف إلى تحقيق مكاسب تفاوضية من خلال احتجاز رهائن مدنيين.
ورغم أن الجماعة قد تنجح في تحقيق بعض المكاسب الآنية، إلا أن هذه السياسة ستعمق أزمة اليمن الإنسانية، وستزيد من معاناة الملايين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية، في وقت يحتاج فيه اليمن إلى دعم دولي متواصل وليس إلى مزيد من التصعيد والمقامرات السياسية.





