عندما يصبح بيع السمك جريمة.. معاناة نازحي الحديدة تحت وطأة الاضطهاد الحوثي

في زاوية مهملة من شوارع مدينة إب، يقف أبو محمد النازح من محافظة الحديدة (غربي اليمن) أمام كشكه المتواضع لبيع الأسماك، وعيناه تحملان قصة ألم لا تنتهي.

الكشك البسيط ليس مجرد مصدر رزق، بل خط الدفاع الأخير بينه وبين الجوع الذي يهدد أطفاله الخمسة، غير أن مليشيا الحوثي الإرهابية قررت نزع هذا الحق البسيط في كسب الرزق.

تبدأ معاناة أبو محمد وعشرات النازحين من أبناء الحديدة في إب مع شروق كل يوم، حين يخرجون لبيع الأسماك في الشوارع، حاملين على أكتافهم أعباء النزوح والفقر والاضطهاد المضاعف، فبعد أن أجبرتهم الحرب على ترك منازلهم وأراضيهم في الحديدة، وجدوا أنفسهم في مواجهة شكل جديد من الاضطهاد على أيدي نفس المليشيا التي دمرت حياتهم الأولى.

يحكي أبو محمد بصوت مرتجف كيف هدده المعيّن من مليشيا الحوثي مديرًا لفرع الأشغال في مديرية المشنة بإزالة كشكه وبسطة الأسماك، بحجة عدم وجود سوق رسمي قائلا: “منذ سنوات ونحن نبيع هنا دون أن نضر أحداً، أطفالي ينتظرون كسرة الخبز من هذا العمل البسيط، فأين نذهب؟” يتساءل بمرارة.

القصة تتكرر مع عشرات العائلات النازحة من الحديدة، التي تعيش في إب في ظروف إنسانية صعبة، وتعتمد على بيع الأسماك كمصدر دخل وحيد.

أم أحمد، الأرملة التي فقدت زوجها في الحرب، تقف بجانب بسطتها الصغيرة وهي تحمل طفلها الرضيع، تخشى أن تفقد مصدرها الوحيد الذي يطعم أطفالها الأربعة: “لا نملك إلا هذا العمل البسيط، نشتري السمك ونبيعه بربح قليل، ولكن حتى هذا القليل يريدون أن يحرمونا منه” تقول وهي تمسح دموعها.

ما يجعل الأمر أكثر مأساوية هو الطابع العنصري والمناطقي الواضح في هذه الممارسات، فالباعة من أبناء إب يمارسون نفس المهنة في نفس الشوارع دون تعرض أو مضايقة، بينما يتم استهداف النازحين من الحديدة تحديداً، هذا السلوك يكشف عن نهج ممنهج لاضطهاد أبناء المحافظات الساحلية، في إطار سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها المليشيا الإرهابية.

يرى خبراء قانونيون، أن ما تقوم به مليشيا الحوثي ضد النازحين يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

ويوضح مختصون في القانون الدولي أن “حرمان النازحين من مصادر رزقهم المشروعة يعد جريمة ضد الإنسانية، خاصة عندما يكون الدافع عنصرياً ومناطقياً”، مشيرين إلى أن “القانون الدولي يكفل للنازحين داخلياً الحق في العمل وكسب الرزق، وأي عائق يوضع أمام هذا الحق يعتبر انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان”.

من جانبه، يشدد محامٍ متخصص في حقوق الإنسان على أن “ما يحدث في إب ليس مجرد إجراءات إدارية، بل سياسة ممنهجة لإذلال وإفقار النازحين بهدف كسر إرادتهم وإجبارهم على الخضوع”، مؤكدًا أن “استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين يعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.

تشير ناشطة حقوقية إلى أن “هذه الممارسات تكشف عن طبيعة المليشيا الإرهابية الحقيقية، التي لا تكتفي بتدمير البنية التحتية والخدمات، بل تسعى إلى تدمير الروح الإنسانية من خلال حرمان الناس من أبسط حقوقهم في العيش الكريم”، مضيفةً أن “استهداف النازحين على أساس مناطقي يعكس عقلية عنصرية متجذرة لدى هذه المليشيا”.

ويحذر خبير في الشؤون الإنسانية من أن “منع النازحين من العمل يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة معدلات الفقر والجوع، خاصة بين الأطفال والنساء”، مؤكداً، أن “هذه الممارسات تهدف إلى خلق حالة من التبعية والخضوع لدى النازحين، مما يسهل على المليشيا استغلالهم واستخدامهم لأغراضها السياسية والعسكرية”.

وسط هذه المعاناة المتراكمة، يناشد النازحون أبناء محافظة إب الشرفاء والمنظمات الإنسانية التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات، فالأمر لا يتعلق فقط بحق العمل، بل بالكرامة الإنسانية والحق في الحياة.

أبو محمد ينهي حديثه قائلاً: “نحن لا نطلب الكثير، فقط أن نعمل بكرامة لنطعم أطفالنا، أليس هذا حقاً إنسانياً بسيطاً؟”

تبقى قصص أبو محمد وأم أحمد وعشرات النازحين الآخرين شاهداً على الوجه القبيح لمليشيا الحوثي الإرهابية، التي تحول حتى أبسط الأعمال الإنسانية إلى معاناة مضاعفة، في انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية.

زر الذهاب إلى الأعلى