الإعلام الإسرائيلي يعترف بوجود تخادم بين تل أبيب والحوثي

اعترفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في تقرير تحليلي حديث أن الضربات العسكرية الإسرائيلية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن قد تحقق نتائج عكسية، وتتحول إلى “خدمة مجانية” للجماعة التي تعاني من تراجع في شعبيتها الداخلية.
الصحيفة الإسرائيلية أقرت، نقلاً عن هيئة البث الإسرائيلية، بأن هذه الغارات العسكرية قد تمنح الحوثيين فرصة ذهبية لإعادة حشد التأييد الشعبي من خلال تقديم أنفسهم كقوة “مقاومة ضد إسرائيل”، وهو ما اعتبره مراقبون سياسيون محاولة واضحة للتخادم السياسي والإعلامي بين الطرفين.
ووفق التقرير الإسرائيلي، فإن تل أبيب تسعى للحصول على انتصار معنوي في المشهد اليمني، بينما يستغل الحوثيون القصف الإسرائيلي لتعزيز موقعهم السياسي المتراجع محلياً، وهي معادلة تكشف عن تخادم غير مباشر يخدم مصالح كلا الطرفين على حساب الشعب اليمني.
أشار التقرير إلى أن عدداً من مسؤولي الحكومة الحوثية قُتلوا في الغارات الإسرائيلية الأخيرة، منهم رئيس الوزراء المعيَّن غالب الرهوي ووزراء العدل والاقتصاد والخارجية والإعلام والزراعة، غير أن المصادر اليمنية أكدت أن معظم هؤلاء لم يكونوا من القيادات المؤثرة المرتبطة مباشرة بالجناح العسكري، مما جعل تأثير مقتلهم محدوداً على البنية الحقيقية للجماعة، بينما غذى في المقابل آلتها الدعائية الداخلية.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية رسائل من المعارضة اليمنية إلى مجلس الشيوخ الأمريكي تحذر من أن إسرائيل، دون قصد، تساهم في تعزيز “شرعية” الحوثيين داخلياً، وهو ما يثير تساؤلات حول الطرف المستفيد الحقيقي من هذه المواجهة: هل هي إسرائيل التي تعلن عن نجاحات تكتيكية، أم الحوثيون الذين يحصدون رأسمالاً سياسياً ودعائياً من معاناة الشعب اليمني؟
ومع تكثيف الحوثيين هجماتهم بالطائرات المسيَّرة ضد الأهداف الإسرائيلية – بما في ذلك إصابة مطار رامون في إيلات – تجد تل أبيب نفسها في دوامة ردود أفعال متبادلة تمنح الحوثي فرصة لتصدير أزماته الداخلية وتقديم نفسه كلاعب محوري في معادلة “المقاومة” الإقليمية.
من منظور أوسع، تكشف هذه التطورات أن الغارات الإسرائيلية لم تُضعف الحوثيين بقدر ما وفرت لهم مادة دعائية جاهزة، مما يرسخ صورة التخادم غير المباشر، فإسرائيل تبرر ضرباتها أمام جمهورها الداخلي، والحوثيون يستثمرونها لترميم شرعيتهم المتآكلة، والمستفيد الوحيد في النهاية هو جماعة الحوثي التي تحصل على دعم شعبي مجاني.
وتكشف الوثائق التاريخية والتقارير السابقة عن علاقات معقدة بين الحركة الحوثية وإسرائيل تمتد لعقود.
ونشر موقع “الحديدة لايف” في أغسطس 2020 تقريراً مفصلاً يكشف عن “علاقات وطيدة” تربط بين إسرائيل والحوثيين، مشيراً إلى أن هذه العلاقات تعود إلى عهد الإمامة في اليمن.
التقرير استشهد بكتابات مؤرخين أجانب وإسرائيليين يوثقون الدعم الإسرائيلي للنظام الإمامي في اليمن (أسلاف الحوثيين الحاليين) خلال الحرب اليمنية في الستينات.
وبحسب الوثائق البريطانية التي رُفعت عنها السرية في 2018، فإن الطيران الإسرائيلي نفذ عمليات إنزال جوي للأسلحة والعتاد لقوات الإمام محمد البدر في عملية حملت اسم “صلصة”.
الخلفية التاريخية تضع التطورات الحالية في سياق أوسع، وتطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة الحقيقية بين الطرفين وما إذا كانت المواجهات الظاهرية تخفي تفاهمات أعمق تخدم مصالح كلا الجانبين على حساب المنطقة والشعب اليمني.