تحقيق أولي: أنظمة الدفاع الإسرائيلية رصدت المسيرة الحوثية ولم تصنفها كمعادية

كشف تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي عن تفاصيل جديدة حول الهجوم بالمسيرة الذي استهدف مطار رامون جنوبي إسرائيل، حيث أكد أن منظومات الدفاع رصدت المسيرة التي أطلقتها مليشيا الحوثي الإرهابية، لكنها لم تصنفها كهدف معادي.

وبحسب البيان الصادر عن الجيش الإسرائيلي، فإن التحقيق الأولي أظهر أن منظومات الكشف والرصد تمكنت من رصد الطائرة المسيرة الحوثية، أثناء اقترابها من الأراضي الإسرائيلية، إلا أن خطأً في تصنيف طبيعة التهديد أدى إلى عدم التعامل معها كهدف معادي يستدعي الاعتراض.

يُشار إلى أن هذا الكشف يثير تساؤلات جدية حول فعالية بروتوكولات تحديد الأهداف المعادية في أنظمة الدفاع الإسرائيلية، خاصة وأن المسيرة تمكنت من الوصول إلى هدفها وإصابة قاعة المسافرين في مطار رامون.

أعلن الجيش الإسرائيلي عن إجراء تحقيق معمق في حادثة استهداف المسيرة الحوثية لمطار رامون، بهدف فهم الأسباب الجذرية وراء فشل الأنظمة في التصنيف السليم للتهديد وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً.

ومن المتوقع أن يتضمن التحقيق المعمق مراجعة شاملة لبروتوكولات التشغيل والإجراءات المتبعة في تصنيف الأهداف الجوية، إضافة إلى تقييم أداء الطاقم المشغل لمنظومات الدفاع الجوي.

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه لا يوجد ما يشير إلى وجود عطل فني في أنظمة الكشف الحالية، مما يوجه التركيز نحو العوامل البشرية والإجرائية التي ساهمت في عدم التعامل السليم مع التهديد.

هذا التأكيد يشير إلى أن المشكلة تكمن في عمليات اتخاذ القرار وتحليل البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار، وليس في القدرات التقنية لأنظمة الرصد ذاتها.

التحقيق الإسرائيلي، يعد بمثابة إقرار بوجود ثغرات خطيرة في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، خاصة في ظل التهديد المتزايد من مليشيا الحوثي الإرهابية والذراع الإيرانية في اليمن.

سيناريوهات محتملة
تثير تفاصيل الحادثة والكشوفات الأولية للتحقيق عدة سيناريوهات محتملة تستدعي التحليل المعمق.

السيناريو الأول يتعلق بالفشل الفني والإجرائي الحقيقي، ويدعم هذا السيناريو التعقيد المتزايد لتقنيات المسيرات والتحديات الحقيقية التي تواجه منظومات الدفاع الجوي في تصنيف الأهداف الصغيرة منخفضة الطيران.

السيناريو الثاني يطرح احتمالية التماهي الاستراتيجي المحسوب، حيث تثير عدة مؤشرات تساؤلات حول وجود تخادم غير معلن أو تماهي مصالح بين الطرفين.

من هذه المؤشرات التوقيت المدروس في اختيار مطار رامون كهدف رمزي أكثر من كونه استراتيجياً حيوياً، والإصابات المحدودة رغم المفاجأة التامة المزعومة، حيث كانت الخسائر البشرية محدودة نسبياً.

كما يثير التركيز على الخطأ البشري تساؤلات، حيث أن تجنب إلقاء اللوم على العوامل التقنية يحافظ على صورة التقدم التكنولوجي الإسرائيلي، إضافة إلى الاستفادة المتبادلة حيث تحصل إسرائيل على مبرر للتصعيد، بينما يعزز الحوثيون صورتهم كقوة مؤثرة.

تخادم وطموحات
يكتسب احتمال التخادم بين مليشيا الحوثي الإرهابية وإسرائيل أهمية خاصة في إطار المشروع التوسعي الإسرائيلي في المنطقة، فالطموحات الإسرائيلية للهيمنة الإقليمية والتوسع الجغرافي والنفوذ السياسي لم تكن لتتحقق لولا وجود الأذرع الإيرانية في المنطقة التي تشكل التبرير المثالي لكل عملية توسعية أو عدوانية إسرائيلية.

هذا التخادم يخدم أجندات متعددة حيث يستفيد الكيان الإسرائيلي من وجود تهديدات مستمرة لتبرير عملياته العسكرية وطلب الدعم الدولي وتوسيع نفوذه الأمني في المنطقة تحت ذريعة مواجهة الخطر الإيراني.

في المقابل، تسعى مليشيا الحوثي الإرهابية إلى تثبيت وجودها والحصول على حاضنة شعبية كبيرة، وهو ما تحققه من خلال إطلاق الصواريخ والمسيرات الإيرانية نحو إسرائيل والتي تمنحها صورة المقاومة أمام الشارع العربي.

هذا الأسلوب يمكن المليشيا من الحصول على الشرعية الشعبية وتعزيز موقعها السياسي في اليمن والمنطقة عموماً، بينما تتجنب في الوقت نفسه استفزاز رد فعل إسرائيلي مدمر قد يضر بمصالحها الحقيقية.

على المستوى التكتيكي، تظهر دلائل محتملة للتخادم في اختيار أهداف آمنة نسبياً مقارنة بالقدرات المتاحة لكلا الطرفين، ونمط الاستهداف المحسوب بعناية لتحقيق أقصى تأثير إعلامي بأقل خسائر حقيقية، والتركيز على البنية التحتية المدنية بدلاً من الأهداف العسكرية الحساسة، هذا النهج يضمن استمرار اللعبة دون تصعيد حقيقي قد يضر بمصالح الطرفين.

على المستوى الاستراتيجي، يبدو أن كلا الطرفين يستفيد من استمرار حالة التوتر المحكوم، حيث تحافظ المليشيا الحوثية على صورة المقاومة دون استفزاز رد فعل إسرائيلي مدمر، بينما تحصل إسرائيل على مبررات مستمرة للعمليات الوقائية والدعم الدولي، وما هو أهم من ذلك، تحصل على الذريعة المطلوبة لتنفيذ مشاريعها التوسعية تحت غطاء الأمن القومي ومواجهة التهديدات الإيرانية.

يأتي هذا التحليل في ظل سوابق تاريخية موثقة للتنسيق غير المعلن بين أطراف متصارعة ظاهرياً في المنطقة، حيث شهدت المنطقة أمثلة متعددة على العداء المحسوب الذي يخدم مصالح استراتيجية لأطراف متعددة، هذا النمط من التخادم ليس جديداً في الصراعات الإقليمية، حيث غالباً ما تجد الأطراف المتناحرة مصالح مشتركة في استمرار حالة التوتر المنضبط.

أنصار الحوثي، قد يجزم بعدم وجود تخادم مباشر، إلا أن مجموعة المؤشرات والظروف المحيطة بالحادثة تثير تساؤلات مشروعة حول طبيعة العلاقة الحقيقية بين إسرائيل ومليشيا الحوثي الإرهابية، ومدى التنسيق غير المباشر في إدارة مستوى التصعيد، والاستفادة المتبادلة من استمرار حالة التوتر المحكوم.

تشير النتائج الأولية للتحقيق إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في عمليات التحليل وتصنيف التهديدات وليس في القدرات التقنية لأجهزة الرصد، لكن هذا التفسير يحتاج إلى مراقبة دقيقة للتطورات اللاحقة والاستجابات من كلا الطرفين لفهم الصورة الأوسع والكشف عن حقيقة هذا التخادم المحتمل الذي يخدم المشاريع التوسعية الإسرائيلية ويعزز الوجود الميليشياوي الحوثي في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى