التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.. مناورة إيرانية أم ورقة ضغط تفاوضية؟

بعد أشهر من التوقف، استأنفت ميليشيا الحوثي مطلع يوليو 2025 هجماتها على السفن في البحر الأحمر، ما أثار تساؤلات حول أسباب التوقف السابق، ودلالات التوقيت الجديد، خاصة في ظل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، واستمرار الانقسام السياسي في المنطقة.
تفاهم غير معلن بين طهران وواشنطن؟
رغم انتهاء هدنة غزة في نوفمبر 2024، توقفت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، في خطوة فُسرت بأنها جاءت في سياق تفاهم إيراني–أمريكي غير معلن.
وقد استفادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ذلك التوقف لتسويق “انتصار سياسي”، ظهر فيه الحوثيون كطرف خضع للردع الأمريكي وتوقف عن استهداف المصالح الغربية.
في المقابل، استثمر الحرس الثوري الإيراني هذا التفاهم لتغذية الشعور بالنصر داخل صفوف الحوثيين، في محاولة لتعويض تراجع شعبيتهم، ولتسجيل نقطة سياسية على واشنطن، عبر إظهارها كمن تخلى عن إسرائيل في مواجهة وكلاء طهران في المنطقة.
من جهة أخرى، أدرك الحوثيون أن استمرار العمليات كان سيؤدي إلى خسائر مباشرة ومكلفة، خاصة بعد الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية التي دمرت منصات إطلاق بحرية ورادارات ومنشآت مراقبة، إلى جانب تعطيل الدعم الذي كانت توفره السفينة الإيرانية “بهشاد” قبل مغادرتها المنطقة.
استئناف الهجمات.. وعلاقة الحرب الإيرانية–الإسرائيلية
العودة المفاجئة للهجمات في يوليو 2025 تتزامن مع تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، في وقت بدأت فيه مؤشرات الهدنة تلوح في أفق غزة.
خلال اثني عشر يومًا من القصف الإسرائيلي على إيران، التزم الحوثيون الصمت، وهو موقف محيّر، عزّزه الحديث عن أن الحوثي ـ رغم ولائه لإيران ـ لا يتعرض فعليًا لأي استهداف إسرائيلي، بل هناك من يرى أنه “خنجر خفي” يخدم مصالح أمنية للموساد في جنوب الجزيرة العربية.
لكن مع اقتراب إعلان وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس، سارعت الميليشيا الحوثية إلى استئناف الهجمات، محاولةً تقديم نفسها كطرف فرض “السلام بالقوة”، وكسرت هيبة إسرائيل في البحر.
البحر الأحمر كورقة سياسية في مفاوضات اليمن
لا يكتفي الحوثيون بتحقيق أهداف إعلامية من هذه العمليات، بل يسعون لاستخدامها كورقة ضغط تفاوضية.
فمع أي تحرك أممي لاستئناف المفاوضات اليمنية، ستحاول الميليشيا طرح ملف “المواجهة مع أمريكا وإسرائيل” كورقة تفاوضية للضغط على الحكومة اليمنية، وقد تهدد السعودية والإمارات باستهداف أراضيهما في حال لم تمارس الرياض وأبو ظبي ضغطًا على الشرعية اليمنية لقبول شروطها.
غرفة عمليات بحرية إيرانية
عودة السفينة “MENSAR” (الاسم الجديد لسفينة “بهشاد”) إلى قبالة السواحل الغربية لليمن تشير إلى أن إيران تسعى لإعادة تشغيل غرفة عمليات بحرية متنقلة، توفر للحوثيين دعمًا استخباراتيًا وتقنيًا مباشرًا، في إطار ما يبدو أنه خطة إيرانية مدروسة لتوسيع جبهات الضغط في حال تطورت المواجهة مع تل أبيب أو واشنطن.
رسائل الهجمات الحوثية ليست موجهة إلى إسرائيل أو حماس بقدر ما هي إشارات لطهران: بأن البحر الأحمر سيكون ساحة ملتهبة إذا ما استمر الضغط العسكري على إيران.
وبينما تستخدم الميليشيا مصطلح “نصرة غزة” كشعار تعبوي، تؤكد الوقائع أن القرارات تُتخذ خارج صنعاء، وأن الخطاب الحوثي مجرد أداة تسويقية لمعارك تخدم أجندة الحرس الثوري الإيراني.
بات من الواضح أن الحوثيين اليوم جزء لا يتجزأ من غرفة عمليات إقليمية تُدار من طهران، وأن تحركاتهم البحرية في البحر الأحمر ليست سوى امتداد لحرب “الرسائل الإقليمية”، التي تسعى فيها إيران إلى فرض وقائع سياسية وعسكرية في ساحات غير تقليدية، بينما تبقى غزة مجرد ستار لغوي يخفي حقيقة الأهداف الإيرانية في المنطقة.