مليشيا الحوثي تتحدى الشرعية الدولية بإصدار عملة “مزورة” وتهدد الاستقرار النقدي في اليمن

في خطوة تثير قلقاً اقتصادياً وسياسياً واسعاً، أعلن البنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن، إصدار عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً، في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية والاتفاقات الاقتصادية المبرمة تحت رعاية الأمم المتحدة.

تزوير العملة كسلاح اقتصادي
تمثل هذه الخطوة الأحادية تزويراً صريحاً للعملة اليمنية، إذ تقوم سلطة غير رسمية ولا معترف بها دولياً بإصدار نقد باسم الدولة اليمنية، وفقًا لمراقبين اقتصاديين.

وتكتسب هذه الخطوة أبعاداً خطيرة كونها تأتي من مليشيا مسلحة استولت على مؤسسات الدولة في أجزاء واسعة من شمال اليمن، وليس من سلطة شرعية منتخبة.

وتهدف مليشيا الحوثي من وراء هذا الإجراء إلى ترسيخ سيطرتها على الاقتصاد اليمني وفرض واقع جديد يخدم أجندتها السياسية، بينما تبرر ذلك بذرائع فنية حول “معالجة مشكلة تلف الأوراق النقدية”، وهو ما يفتقر إلى المصداقية في ظل الأهداف السياسية الواضحة.

تقويض الاتفاقات الدولية
يأتي هذا الإعلان بعد نحو عام من توقيع اتفاق اقتصادي رعاه المبعوث الأممي إلى اليمن في يوليو 2024، والذي يهدف إلى تجنب الخطوات الانفرادية في السياسة النقدية ومنع التصعيد المالي.

وتشكل خطوة الحوثيين انتهاكاً واضحاً لهذه التفاهمات، ما يكشف عن عدم جدية المليشيا في الالتزام بالاتفاقات الدولية.

هذا التجاوز الضمني للتفاهمات الأممية يهدد بتقويض جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تخفيف الانقسام المالي والنقدي، ويفتح الباب أمام جولة جديدة من التصعيد بين البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دولياً ونظيره في صنعاء الخاضع لسيطرة المليشيا.

تعميق الأزمة الاقتصادية
يواجه اليمن منذ سنوات انقساماً نقدياً حاداً تسبب في تفاوت أسعار العملات وتدهور الثقة بالقطاع المصرفي، خصوصاً مع استمرار طباعة نسخ مختلفة من العملة الوطنية ومنع تداول بعضها في مناطق الطرف الآخر.

وتأتي خطوة الحوثيين الجديدة لتعمق هذا الانقسام وتزيد من معاناة المواطنين اليمنيين.

رغم تأكيد البنك الخاضع لسيطرة الحوثيين أن هذه الخطوة “لن تؤدي إلى زيادة في الكتلة النقدية أو تؤثر على سعر الصرف”، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن مثل هذه الإجراءات الأحادية تفاقم من عدم الاستقرار الاقتصادي وتزيد من التضخم والتدهور في قيمة العملة.

البعد الإقليمي والإيراني
ويقول محللون سياسيون، إنه لا يمكن فصل هذه الخطوة عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث تسعى إيران من خلال ذراعها الحوثي إلى فرض نفوذها على الاقتصاد اليمني وتعميق الانقسام في البلاد، معتبرين أن السيطرة على السياسة النقدية أداة مهمة في يد المليشيا لتمويل أنشطتها العسكرية وضمان استمرار سيطرتها على المناطق الخاضعة لها.

ويرون المحللون، أن تلك الإجراءات الحوثية تشكل تحدياً مباشراً للجهود الدولية الرامية إلى إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي اليمني المنهك، وقد تؤدي إلى تصعيد جديد في الحرب الاقتصادية بين أطراف النزاع، مبينين أنها تعكس تجاهلاً واضحاً للتحذيرات الأممية من اتخاذ خطوات أحادية قد تساهم في تأجيج الأزمة الاقتصادية في اليمن.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن مليشيا الحوثي تراهن على فرض واقع جديد على الأرض، متجاهلة الأصوات الدولية التي تدعو إلى الحوار والتنسيق، ما يعقد من جهود السلام ويزيد من معاناة الشعب اليمني الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى