هل تُترك إيران تهاجم إسرائيل عمداً لتبرير القضاء عليها نهائياً؟ (تحليل)

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيداً متزايداً في الصراع بين إسرائيل وإيران، يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في التعامل مع التهديد الإيراني.

وفي ضوء الأنماط التاريخية للصراعات في المنطقة، تبرز فرضية مقلقة مفادها أن هناك سماحاً متعمداً لإيران بتنفيذ هجمات محدودة على إسرائيل، بهدف خلق المبررات الكافية لشن حرب شاملة تهدف إلى تدمير إيران وتفكيكها نهائياً.

تستند هذه الفرضية إلى قراءة معمقة للتاريخ الحديث للمنطقة، حيث تكررت سيناريوهات مشابهة أدت في النهاية إلى تدمير دول بأكملها.

العراق!
النموذج العراقي يقدم مثالاً واضحاً على هذه الاستراتيجية، حيث سُمح للعراق في عام 1991 بإطلاق ثلاثة عشر صاروخاً على إسرائيل، وهو ما اعتُبر حدثاً “غير مسبوق” في حينه وتم تضخيمه إعلامياً كتهديد وجودي، غير أن النتيجة النهائية كانت مدمرة للعراق، حيث تكبد خسائر قُدرت بثلاثة عشر مليار دولار وتعرضت بنيته التحتية للتدمير الشامل، بينما اقتصرت الأضرار الإسرائيلية على أضرار مادية محدودة تم إصلاحها خلال فترة قصيرة.

السابع من اكتوبر
إن دراسة أحداث السابع من أكتوبر 2023 تكشف عن مؤشرات مثيرة للقلق حول إمكانية تطبيق هذا النمط على نطاق أوسع، فتوقف الجهاز الأمني الإسرائيلي عن العمل لمدة ست ساعات كاملة في دولة لا تتجاوز مساحتها مساحة ولاية نيوجيرسي الأمريكية يثير تساؤلات جدية حول طبيعة هذا التوقف.

هذا الفشل الأمني غير المبرر في دولة تُعرف بأنها تمتلك واحداً من أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى السماح بحدوث “صدمة” كافية لتبرير رد فعل مدمر وشامل.

وهذا لا ينتقص من شجاعة المقاومين الفلسطينيين أو نبل أهدافهم، لكنه يضع هذه الأحداث في سياق استراتيجي أوسع قد يكون الهدف منه استغلال هذه الشجاعة لتحقيق أهداف جيوسياسية أكبر.

تواجه إيران حالياً سيناريو مشابهاً يتضمن عدة مراحل متدرجة من الاستنزاف والتطويق.

المرحلة الأولى تشمل استفزازها لتنفيذ هجمات محدودة على إسرائيل، يتم تضخيمها إعلامياً كتهديد وجودي للدولة الإسرائيلية والمصالح الأمريكية في المنطقة.

هذه الهجمات، رغم محدوديتها النسبية، تُستخدم كذريعة لتبرير التصعيد العسكري وحشد الدعم الدولي لعملية عسكرية أوسع ضد إيران.

في الوقت نفسه، تتعرض إيران لعملية استنزاف تدريجي لترسانتها العسكرية من خلال سلسلة من المناوشات والعمليات الاستخباراتية التي تهدف إلى إضعاف قدراتها الدفاعية قبل الضربة النهائية.

المرحلة الثانية تتضمن تطويقاً عسكرياً متدرجاً لإيران من خلال تحركات أمريكية واضحة في المنطقة، تشمل نشر قوات إضافية ونقل أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة، بالإضافة إلى رفع حالة التأهب في جميع القواعد الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط.

هذه التحركات تهدف إلى خلق حالة من الخوف والضغط النفسي على القيادة الإيرانية، مما قد يدفعها إلى اتخاذ قرارات متهورة تُستخدم لاحقاً كمبرر للتدخل العسكري المباشر.

إن مستوى التغلغل الاستخباراتي الإسرائيلي داخل إيران يشير إلى وجود تخطيط طويل المدى لهذا السيناريو.

عمليات تفجير أجهزة الاتصال وزرع المتفجرات داخل المنشآت الإيرانية الحساسة تكشف عن شبكة واسعة من العملاء تم بناؤها على مدى سنوات طويلة.

هذا المستوى من التغلغل لا يُستخدم عادة للعمليات التكتيكية المحدودة، بل يُحتفظ به للحظات الحاسمة في الصراعات الاستراتيجية الكبرى.

حقيقة استخدام هذه الشبكات بشكل مكثف في الوقت الحالي تشير إلى أننا قد نكون في المراحل الأخيرة من مخطط أوسع لتدمير إيران.

استراتيجية القضاء على الشر!
الاستراتيجية الإعلامية المتبعة تتبع نمطاً مألوفاً يشبه ما يحدث في أفلام هوليوود، حيث يتم تضخيم قدرات “الشرير” ليبدو وكأنه تهديد لا يُقهر، ثم يتم القضاء عليه بسرعة مذهلة لا تتناسب مع الهالة المرعبة التي تم بناؤها حوله.

في الحالة الإيرانية، يتم التركيز على تضخيم القدرات الصاروخية الإيرانية والتهديدات لمضيق هرمز ونفوذ إيران الإقليمي عبر ما يُسمى بـ”محور المقاومة”، وهذا يهدف إلى خلق حالة من الذعر في الرأي العام الدولي تبرر اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة.

في الوقت نفسه، تتبع إسرائيل استراتيجية “الصدمة والإشباع” الإعلامي، حيث تخلق تشبعاً سريعاً بالدعاية المؤيدة لموقفها من خلال وسائل الإعلام الغربية الرئيسية.

والتشبع يُتبع بمرحلة انصراف طبيعي للجمهور العالمي إلى اهتماماته اليومية، مما يخلق فرصة لتطبيق الخطط الفعلية بعيداً عن الأنظار والمراقبة الدولية المكثفة.

الأصوات المعارضة لهذه السياسات تُحاصر في “فقاعات رقمية” من خلال خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، وتقليل انتشار المحتوى المعارض، واتهام أصحاب هذه الأصوات بمعاداة السامية أو الترويج لنظريات المؤامرة.

الهدف النهائي من هذه الاستراتيجية المعقدة يبدو واضحاً وهو تفكيك إيران كدولة موحدة وقوية في المنطقة.

هذا التفكيك سيتم على عدة مراحل تبدأ بالتدمير العسكري للبنية التحتية الإيرانية والقدرات الدفاعية، ثم إثارة النعرات الإثنية والطائفية الداخلية للدفع نحو حرب أهلية مدمرة، وأخيراً تقسيم إيران إلى كيانات صغيرة ضعيفة وقابلة للسيطرة، على غرار ما حدث في العراق بعد عام 2003.

رغم الأضرار التي تتكبدها إسرائيل من الهجمات الإيرانية، فإن حسابات التكلفة والفائدة تُظهر أن هذه الخسائر مقبولة ومحسوبة ضمن الاستراتيجية الأوسع.

الأضرار في البنية التحتية الإسرائيلية قابلة للإصلاح خلال أشهر قليلة بدعم أمريكي وأوروبي كامل، والخسائر البشرية تُعتبر محدودة مقارنة بالمكاسب الاستراتيجية الهائلة المتوقعة من القضاء على التهديد الإيراني نهائياً.

هذا الحساب البارد للتكاليف والفوائد يعكس طبيعة التفكير الاستراتيجي الذي لا يتردد في التضحية ببعض الخسائر المحدودة لتحقيق أهداف جيوسياسية كبرى.

إن قراءة هذه التطورات في سياقها التاريخي والاستراتيجي الأوسع تشير إلى أننا قد نشهد تكراراً لنمط مجرب ومختبر في المنطقة. السماح لإيران بتنفيذ هجمات محدودة قد يكون بالفعل جزءاً من مخطط طويل المدى يهدف إلى خلق الظروف والمبررات المناسبة لحرب شاملة تنتهي بتدمير إيران وإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفقاً للمصالح الأمريكية الإسرائيلية.

زر الذهاب إلى الأعلى