ضربات إسرائيل البحرية على الحديدة… رسائل نارية تكشف وجهًا خفيًا للتقارب مع الحوثي؟

في تطور لافت ونوعي، أعلنت إسرائيل، الثلاثاء 10 يونيو 2025، تنفيذ ضربات عسكرية ضد أهداف في ميناء الحديدة غربي اليمن، ولكن عبر سفن صواريخ تابعة لسلاح البحرية، بدلًا من الطائرات كما كان يحدث في السابق.

ووفقًا للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، فإن هذه الضربات جاءت ردًا على إطلاق صواريخ أرض-أرض وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين نحو الأراضي الإسرائيلية.

اللافت في هذه العملية ليس فقط الأسلوب، بل الرسائل السياسية والعسكرية المصاحبة لها، والتي تفتح بابًا واسعًا للتساؤل عن طبيعة العلاقة بين مليشيا الحوثي وإسرائيل، خصوصًا في ظل الاكتشاف المثير الذي أعلن عنه الأمن اللبناني مؤخرًا، بشأن وجود قيادي حوثي على أراضيه، كان يعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، وساهم في تحديد أماكن قيادات من حزب الله، بل ويُعتقد أنه لعب دورًا في استهداف الأمين العام حسن نصر الله.

رسائل موجهة وشكوك متنامية
يأتي هذا التطور بعد أشهر من الضربات الإسرائيلية التي كانت تطال مناطق خاضعة لسيطرة الحوثي، لكنها لم تُصِب يومًا أي هدف من قيادات الجماعة أو بنيتها العسكرية المباشرة، بل كانت تركز على البنية التحتية اليمنية، كالموانئ والمطارات ومخازن مدنية، الأمر الذي أثار شكوكًا مبكرة حول وجود تنسيق خفي أو مصالح متقاطعة بين الحوثيين وتل أبيب.

وبات من اللافت أن هذه الضربات صبّت في مصلحة الحوثي دعائيًا، حيث استخدمها للترويج أنه “يقاتل أمريكا وإسرائيل”، في إطار ما يسميه “محور المقاومة”، بينما في الواقع لم تمسّ تلك الضربات وجوده السياسي أو العسكري بسوء، بل وفّرت له مادة تعبوية إضافية لتضليل قواعده الشعبية.

إسرائيل المستفيدة والحوثي المتواطئ؟
في المقابل، وجدت إسرائيل في الهجمات الحوثية عبر البحر الأحمر وفي اتجاهها، فرصة لتأكيد مزاعمها أمام العالم بأنها مُحاصَرة من إيران وأذرعها في المنطقة، بما يبرر لها سياساتها التوسعية وطلب الدعم الغربي غير المشروط، بل وذهبت تل أبيب إلى اعتبار ميناء الحديدة منصة لنقل الأسلحة الإيرانية، متهمة الحوثيين باستخدام منشآت مدنية لأغراض عسكرية.

لكن الضربة الأحدث عبر السفن الحربية، تكشف أن إسرائيل أصبحت قريبة من المياه الإقليمية اليمنية، دون أن تواجه مقاومة حقيقية من الحوثي، وهو ما يعزز من فرضية وجود تفاهم سري أو تنسيق غير معلن، فلو كان العداء حقيقيًا، ألم تكن مليشيا الحوثي ستهاجم السفن الإسرائيلية في البحر كما تفعل مع سفن الشحن الدولية في باب المندب؟

تقاطعات المصالح أم مخطط استراتيجي؟
المثير للقلق هو ما كشفه التسريب من بيروت بشأن القيادي الحوثي الذي تجسس لصالح إسرائيل من داخل لبنان، وهو ما يشير إلى اختراق إسرائيلي خطير للحوثيين أو ربما تعاون متبادل غير مُعلن، ساهم في تسهيل عمليات الاستهداف الدقيقة لقيادات حزب الله.

ويقول مراقبون، إن صحت هذه الفرضية، فإننا أمام معادلة جديدة تُعيد ترتيب مشهد “الممانعة” المزعوم، وتضع الحوثي في موضع الشريك السري لإسرائيل.

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، متسائلين: هل يعمل الحوثي ضمن مشروع استراتيجي لتسهيل التمدد الإسرائيلي في البحر الأحمر، وخلق ذريعة لوجود عسكري إسرائيلي دائم قرب مضيق باب المندب؟ وهل تتحرك تل أبيب بدعم غير مباشر من الحوثيين لتنفيذ أجندة “إسرائيل الكبرى”، التي تستدعي وجودًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا في أهم الممرات المائية في المنطقة؟

ضربات إسرائيل البحرية على ميناء الحديدة اليوم، ليست مجرد رد فعل تكتيكي على هجمات حوثية، بل تكشف عن ديناميكية إقليمية معقدة، حيث تتقاطع الأهداف رغم التصريحات العدائية المتبادلة.

ومع بروز معطيات جديدة عن تجسس وتواطؤ وعدم استهداف مباشر للحوثيين، يبرز سؤال مشروع: هل العدو الظاهر هو العدو الحقيقي؟ أم أن هناك من يتقن فن ارتداء قناع المقاومة لإخفاء خيوط اللعبة التي تُحاك في الغرف المغلقة؟

زر الذهاب إلى الأعلى