مليشيا الحوثي تحول القطاع الصحي إلى فنادق بأسعار متفاوتة

حولت مليشيا الحوثي الإرهابية القطاع الصحي في مناطق سيطرتها إلى قطاع إيرادي، بدلاً من كونه قطاعاً خدمياً، وخلال عقد من الزمن، لم يعد هناك فرق بين المشافي الحكومية ونظيراتها الأهلية، وحتى أسرّة الرقود صارت أسعارها متفاوتة.
كشف مصدر طبي يعمل في هيئة مستشفى الثورة بصنعاء، أن قسم الرقود في المستشفى تحول إلى درجات وكأنه فندق بنجوم مختلفة، برسوم متفاوتة بين 7 إلى 25 ألف ريال للسرير في الليلة الواحدة، وفقًا لما ذكره النقار.
وأضاف أن صيدلية المستشفى اختفت منذ 7 سنوات، وتحولت إلى مخزن للأدوية التي تقدم مجاناً من المنظمات، لكن ما يُقدَّم منها لا يتعدى أدوية إسعافات أولية.
الفساد في توزيع المساعدات الطبية
على الرغم من أن هيئة الزكاة تبنت دعم المستشفى الجمهوري بصنعاء بمبلغ 400 مليون ريال شهريًا منذ أكتوبر 2023، لتقديم خدمات طبية للفقراء والمساكين مجانًا، إلا أن تحديد من ينتمون لهذه الفئة يخضع لرغبات مشرفي المليشيا في المستشفى وتوصيات نافذيها في كثير من الأحيان.
أكد موظف يعمل في الشؤون الإدارية لهيئة المستشفى الجمهوري، فضل عدم الإشارة لاسمه، أن الوصول إلى اللجنة المشتركة من هيئة الزكاة وهيئة المستشفى المعنية باعتماد مبالغ مالية للمرضى المعدمين يبدو صعباً. وأكد أن الوصول يتطلب وساطة أو توصية من نافذ، وحتى إن وُجدت، فما يُعتمد لا يتجاوز في أحسن الأحوال نصف كلفة العملية.
قصة طفل مكسور الساق
روى المواطن عبد الناصر الأبي أن طفله (11 عاماً) تعرض لكسر إثر سقوط في المنزل، فنقله إلى المستشفى الجمهوري، وقدمت له إسعافات أولية، لكن العملية لم يُعتمد منها سوى 100 ألف ريال بعد متابعة استمرت أسبوعاً، ظل خلالها الطفل على سرير الرقود، وبعد توصية من مشرف الحي وتعريف عاقل الحارة بأنه “فقير”.
أزمة مرضى القلب
أما سرير الرقود، وتحديداً لمرضى القلب في المستشفيات الحكومية، فالحصول عليه فيه من المشقة ما يضاعف المرض. قال عبد الله الريمي إن الطبيب في مستشفى الشرطة بصنعاء قرر لوالده قسطرة وزرع دعامتين بمبلغ تجاوز مليوني ريال، وظل أسبوعين يلاحق لحجز سرير، فيما “أحدهم” وصل مع ثلاثة مرافقين فحجز له سرير وأُجريت له العملية خلال 6 أيام.
وأكد فؤاد عبد الباري أنه غادر قسم القلب في مستشفى الثورة بصنعاء بعد تعرضه للإغماء خلال متابعة استمرت 4 أيام لإجراء عملية زرع ثلاث دعامات، ليضطر لإجراء العملية في مركز خاص خلال يومين، بكلفة تجاوزت مليونين ونصف.
كارثة مراكز علاج السرطان
أما المراكز المخصصة لعلاج الأورام السرطانية، فحالها أصبح كارثياً. فالمركز الوطني للأورام بصنعاء يعمل بجهاز معجل خطي بدون تصريح من اللجنة الوطنية للطاقة الذرية.
كشفت وثيقة موجهة من اللجنة إلى وزير الصحة السابق، طه المتوكل، أن اللجنة نزلت إلى المركز في أبريل 2024، ووجدت أن الجهاز غير المصرح به يُستخدم للكشف عن 70 حالة يومياً. واعتبرت أن استخدام الجهاز دون رخصة يُعد جُرماً مهنياً وأخلاقياً، كونه يعرض المرضى للإشعاع الضار، خاصة وأن الكادر الذي يعمل عليه قليل الخبرة.
أكدت اللجنة أن المركز لم يتمكن من تقديم برنامج وقاية إشعاعية خاص بالجهاز، بل قدم برنامجاً يخص جهاز “الكوبلت” الذي لم يعد مجدياً في العلاج. وهو ما اعتبرته اللجنة دليلاً على غياب الرقابة والفوضى في النشاط الإشعاعي برعاية وزارة الصحة.
التكتم على الأوبئة والأمراض المعدية
تتكتم السلطات الصحية التابعة للمليشيا على تفشي الإسهالات المائية، وتتعمد عدم الكشف عن الإحصائيات التي تصل من المستشفيا.
كشف مصدر طبي مطلع أن الأسبوع الأخير من مايو 2025 سجل 376 حالة إسهالات مائية في أمانة العاصمة فقط، منها 63 حالة ترقدت في أربعة مستشفيات. وأضاف أن حالات إصابة بالحصبة والجدري المائي تظهر باستمرار، وسُجلت 13 إصابة بالحصبة خلال ثلاثة أيام في مستشفى السبعين للأمومة والطفولة بصنعاء.
رفض التلقيح ونشر نظريات المؤامرة
ترفض مليشيا الحوثي الإرهابية في صنعاء تلقيح الأطفال ضد الأمراض الستة المعدية، وتروج لفكرة أنها “مؤامرة” تهدف إلى تقليل النسل.
حولت المليشيا الدواء إلى تجارة رابحة. فأدوية مرضى السكري، خاصة الأنسولين، التي كانت توفرها وزارة الصحة مجاناً، صارت تُوفرها المنظمات، لكنها تختفي من مخازن المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية لتظهر في الصيدليات، ما يعرض حياة أكثر من مليون مصاب بالسكري للخطر.
قال مصدر في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، إن أدوية السكري وزارعي الكبد وغيرها تصل بانتظام من منظمة الصحة العالمية، مؤكداً أن المركز يتسلم شهرياً حصة تغطي أكثر من مليون و250 ألف مريض بالأنسولين.
بين تسييس اللقاح، وتسليع العلاج، وتقنين الموت بالفقر أو الوساطة، يتجرد القطاع الصحي في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية من كل قيمة إنسانية. ما يُفترض أن يكون حقاً مجانياً في مواجهة المرض، بات امتيازاً مشروطاً بولاءٍ أو رشوة، بينما تتكدس أدوية المنظمات في الصيدليات، وتُدار أجهزة العلاج بالإشعاع بلا ترخيص، وتُسجَّل الإصابات دون إعلان.
هذه ليست أزمة خدمات، بل نمط حكم قائم على تحويل الألم الإنساني إلى مورد دخل، وعلى تعظيم المعاناة لإحكام السيطرة. ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى تغيير هذا النمط، سوى تزايد كلفة الصمت على هذه الجرائم الإنسانية المتواصلة.