الحوثيون يحوّلون الدريهمي إلى ساحة حرب مغلقة والمدنيون يدفعون الثمن

في مشهد يتكرر بصمت دولي مريب، تمضي مليشيا الحوثي في تكريس واقع عسكري قاتم في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة، ولم تعد المزارع ملاذًا للفلاحين ولا البيوت مأوى للمدنيين، بل باتت، كما يؤكد مكتب حقوق الإنسان في المديرية، جزءًا من بنية عسكرية خفية، تدفع فيها المناطق السكنية ثمن الحرب.
وبحسب بيان صادر عن المكتب الحقوقي، فإن مليشيا الحوثي حولت 27 مزرعة في مناطق متعددة من المديرية – أبرزها كيلو 16، الجحبا العليا والسفلى، الوعارية، المساعيد وبني موسى – إلى مواقع عسكرية، بعد أن جهزتها بأسلحة ثقيلة وخفيفة، في تحدٍّ صارخ لاتفاقات خفض التصعيد واتفاق ستوكهولم، الذي لم يعد له وجود فعلي على الأرض.
التحقيقات الميدانية تشير إلى أن هذه المزارع، التي كانت توفر لقمة العيش لعشرات الأسر، تحولت إلى مناطق محظورة يُمنع اقتراب المدنيين منها، بعد أن جُهزت بالخنادق والمخازن والتمويه العسكري، ما يطرح أسئلة خطيرة حول نوايا المليشيا في جرّ الحديدة مجددًا إلى أتون المواجهات.
منازل المدنيين تحت سيطرة السلاح
ولا يقف الأمر عند حدود المزارع.. البيان يكشف أيضًا عن استخدام منازل المواطنين في مركز المديرية وما جاورها كثكنات عسكرية، ما يُعد جريمة مزدوجة، أولًا بانتهاك خصوصية المدنيين، وثانيًا بتحويلهم إلى دروع بشرية محتملة في حال اندلاع أي مواجهات أو قصف.
هذه السياسة، التي تتعمد خلط الحياة المدنية بالوجود العسكري، تُعد أحد أخطر أنماط انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهي أسلوب استخدمته المليشيا مرارًا في مناطق أخرى مثل صعدة وتعز.
التقارير المحلية تشير إلى تصاعد مهول في زراعة الألغام من قبل الحوثيين، ليس فقط في الطرقات والمزارع، بل وعلى امتداد الشريط الساحلي، بما في ذلك مناطق رعي كانت تشكل مصدر دخل رئيسيًا لسكان تهامة.
وبحسب شهود عيان وتقارير طبية محلية، فإن عدد الضحايا من الأطفال والمزارعين في تزايد مستمر، وسط غياب شبه تام لفرق نزع الألغام، ما يجعل هذه “العبوات الصامتة” قنابل مؤجلة في جسد المجتمع.
جبهات أيديولوجية لتفخيخ وعي الطفولة
إلى جانب التهديدات العسكرية المباشرة، أشار مكتب حقوق الإنسان إلى ما وصفه بـ”غزو طائفي ناعم”، من خلال استغلال المراكز الصيفية لنشر أفكار طائفية بين الأطفال، وإعادة صياغة الوعي المحلي على أسس مذهبية دخيلة على بيئة تهامة المتسامحة والمنفتحة.
وبحسب مراقبين محليين، فإن هذا التوجه يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي للمجتمع الساحلي، وخلق بيئة خصبة للتجنيد الفكري والاصطفاف الطائفي، ما يشكل قنبلة مجتمعية على المدى البعيد.
تواطؤ أم عجز؟
البيان لم يكتفِ بتوثيق الانتهاكات، بل وجه اتهامًا صريحًا للمجتمع الدولي والأمم المتحدة بالصمت، معتبرًا أن هذا الصمت لم يعد مجرد تقاعس، بل بات يرقى إلى “شبه تواطؤ”، خصوصًا في ظل وجود بعثة أممية تشرف – نظريًا – على تنفيذ اتفاق الحديدة.
الواقع الميداني، كما يكشفه هذا التقرير، يؤكد أن الانتهاكات تتسع وأن المدنيين هم من يدفعون الثمن، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات فضفاضة، دون أي أثر فعلي على الأرض.