انتهاء صلاحية خارطة الطريق الأممية في اليمن

تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة تؤكد أن خارطة الطريق الأممية لم تعد صالحة كأساس لحل الأزمة اليمنية، وذلك لعدة اعتبارات استراتيجية وسياسية وعسكرية باتت تشكل واقعًا جديدًا على الأرض.

إن تصاعد التهديد الحوثي، واستمرار رفضهم للمبادرات السلمية، وتصنيفهم كمنظمة إرهابية، إلى جانب التحركات الأمريكية واليمنية، جميعها تؤكد أن المقاربة الأممية التقليدية فقدت فعاليتها.

الحوثي منظمة إرهابية عالمية
تزايد الاعتراف الدولي بخطر الحوثيين حيث صنفتهم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وقبلهم جامعة الدول العربية، كمنظمة إرهابية عالمية خطيرة. هذا التصنيف لم يكن مجرد قرار دبلوماسي، بل جاء بناءً على سجل طويل من الانتهاكات وتهديد الأمن الإقليمي والدولي.

يترتب على هذا التصنيف فرض عقوبات مشددة، وتقييد التحركات المالية للحوثيين، وتجريم أي تعامل معهم، مما يزيد من عزلة الجماعة ويضعف من قدرتها على الاستمرار في تنفيذ عملياتها الإرهابية.

رفض كل المبادرات السلمية
منذ بداية الصراع، رفض الحوثيون جميع المبادرات التي تهدف إلى إحلال السلام، بدءًا من اتفاق ستوكهولم، مرورًا بالمبادرات الأممية والجهود الإقليمية. إن إصرار الجماعة على نهجها العسكري والتوسعي، ورفضها لأي حلول سياسية، يعكس عدم جديتها في تحقيق السلام، مما يجعل خارطة الطريق الأممية غير قابلة للتنفيذ، خاصة في ظل انعدام الضغط الدولي الكافي لإجبارهم على الامتثال.

تحولت جماعة الحوثي إلى تهديد مباشر للتجارة العالمية عبر سيطرتها على محافظة الحديدة والمناطق المرتفعة في شمال اليمن، حيث شنت هجمات على سفن تجارية، مما أثار قلق القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.

هذا التصعيد دفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في التعامل مع الحوثيين ليس فقط كطرف في الحرب اليمنية، بل كجهة تهدد الاستقرار العالمي، مما يعزز من احتمالية تحركات عسكرية أوسع لكبح نفوذ الجماعة.

ردًا على التهديدات الحوثية، شنت الولايات المتحدة عمليات عسكرية استهدفت مخازن أسلحة، ومنصات إطلاق صواريخ باليستية، وطائرات مسيرة، بالإضافة إلى تدمير معسكرات تابعة للجماعة.

هذه الضربات تُظهر تحولًا واضحًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحوثيين، حيث انتقلت من سياسة الاحتواء إلى المواجهة العسكرية المباشرة، مما يزيد من عزلتهم ويحد من قدرتهم على شن هجمات جديدة.

وتشير التقارير إلى أن الضربات الأمريكية الحالية أثرت بشكل كبير على القدرات العسكرية للحوثيين، وسط تكتم من قبل الجماعة، مع انتشار أنباء عن خلافات داخلية وتوجيهات بمنع اجتماعات للقيادات.

القضاء على الحوثيين
تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالقضاء على مليشيا الحوثي الإرهابية تمامًا، داعيًا إيران بوقف إرسال الأسلحة على الفور وأن تتركهم يقاتلون بأنفسهم، مما يعزز التوقعات بتوسيع الحملة العسكرية ضدهم التي بدأها، وأثرت بشكل كبير على الحوثيين.

منح ترامب الجيش الأمريكي مطلق الحرية لاستهداف قيادات حوثية وقواعدهم العسكرية، وهو ما يشير إلى تصعيد غير مسبوق قد يؤدي إلى تفكيك بنية الجماعة العسكرية والتنظيمية، وهو مما قد يسرّع من انهيارهم عسكريًا وسياسيًا.

التنسيق مع الولايات المتحدة
في خطوة تعكس تطورًا نوعيًا في المعركة ضد الحوثيين، من المتوقع أن يعمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني على تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة لشن عملية عسكرية برية بدعم لوجستي أمريكي.

هذه الخطوة تشير إلى أن هناك توجهًا جديدًا لحسم الصراع عسكريًا بدلاً من الاعتماد على المسارات الدبلوماسية غير المجدية، وهذا ما يكشفه كلمة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي تحدث في كلمة له بمناسبة عيد الفطر المبارك، أن استعاد الدولة من مليشيا الحوثي بات وشيكًا.

سيناريوهات محتملة
أمام هذه المعطيات، هناك عدة سيناريوهات متوقعة لمستقبل الأزمة اليمنية:

من المحتمل أن تتجه القوات اليمنية بدعم أمريكي إلى شن عملية عسكرية واسعة لاستعادة مناطق استراتيجية، مما قد يضعف الحوثيين بشكل كبير.

ومع تزايد الهجمات على السفن التجارية، قد تتجه الدول الكبرى إلى تشديد العقوبات أو حتى تنفيذ عمليات عسكرية بحرية لوقف التهديدات الحوثية، وهذا ما يعني أن الأمم المتحدة سوف تسعى لإعادة تشكيل الخارطة السياسية وإيجاد صيغة صيغة جديدة لحل النزاع تأخذ بعين الاعتبار المستجدات العسكرية والسياسية.

في حال تدخل إيران لدعم الحوثيين بشكل مباشر، قد يتحول النزاع اليمني إلى ساحة صراع أوسع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

إن التطورات الحالية تشير إلى أن خارطة الطريق الأممية لم تعد فعالة في حل الأزمة اليمنية، وأن المعادلة السياسية والعسكرية تتجه نحو مواجهة مباشرة مع الحوثيين.

إن استمرار التصعيد العسكري، وتزايد العزلة الدولية للجماعة، إضافة إلى الدعم الأمريكي المتزايد للحكومة الشرعية، كلها عوامل تؤكد أن الحل القادم سيكون عسكريًا وليس تفاوضيًا، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في اليمن والمنطقة بأكملها.


محمود الطاهر – كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني

زر الذهاب إلى الأعلى