من يزرع الريح يحصد العاصفة.. كيف اشعل الحوثيين فتيل الرد الأمريكي

في منتصف مارس 2025، شهدت سماء اليمن ومياه البحر الأحمر انفجارات نتيجة الغارات الأمريكية التي استهدفت مواقع الحوثيين، في أكبر عملية عسكرية تشهدها المنطقة منذ عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة.
هذه الضربات، التي ركزت على تدمير الرادارات ومنصات الصواريخ ومستودعات الأسلحة، لم تكن وليدة اللحظة، فقد دفع الحوثيون، بتصرفاتهم العدائية ضد الشحن الدولي وهجماتهم الصاروخية على إسرائيل، الولايات المتحدة إلى نقطة اللاعودة.
لكن، هل تقتصر هذه العمليات على كونها رد فعل عابر، أم أنها تحمل دلالات أعمق تستحق النظر؟
جذور الأزمة في تهور الحوثيين
لن نفهم دوافع الغارات الأمريكية دون الرجوع إلى الشرارة التي أشعلتها تصرفات الحوثيين.
منذ أواخر 2024، صعّد الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مدعين أنها خطوة لدعم غزة.
وفقًا لتقارير “وول ستريت جورنال”، تسببت هذه الهجمات في تعطيل أكثر من 15% من حركة الشحن العالمية، مما اضطر الشركات لتغيير مساراتها بتكاليف فلكية. هذا النهج، الذي وصفه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بـ”الابتزاز البحري”، لم يكن مجرد تهديد اقتصادي، بل استفزاز صريح للنظام الدولي. وبدعم إيراني موثق -كما أكد مجلس العلاقات الخارجية (CFR)-، اختار الحوثيون المغامرة في منطقة بالغة الحساسية، غير عابئين بالتبعات.
الرد الأمريكي كضرورة تكتيكية
لم تكن الضربات الأمريكية في مارس 2025 مجرد استعراض عضلي، بل استجابة مدروسة للوضع المتصاعد.
بحسب “نيويورك تايمز”، استهدفت العمليات بنى تحتية عسكرية حيوية للحوثيين، مثل مواقع القيادة والدفاعات الجوية، مما حد من قدرتهم على شن هجمات متطورة. هذا التدخل، الذي نفذته حاملة الطائرات “هاري إس ترومان”، جاء لحماية البحر الأحمر كشريان اقتصادي عالمي.
ويرى محللون في “فورين أفيرز” أن التهاون مع الحوثيين كان سيفتح الباب أمام مزيد من الفوضى، وربما يحفز جماعات أخرى مدعومة من إيران لمحاكاة هذا السلوك.
الضربات، إذن، لم تكن اعتداءً عشوائيًا، بل محاولة لاستعادة السيطرة على مسار خطير.
الانتقادات والواقع المركب
لم تسلم العمليات من الانتقادات، حيث أفادت تقارير “الغارديان” بسقوط ضحايا مدنيين، وهو ما استثمره الحوثيون للترويج لرواية “جرائم الحرب”. كما حذرت الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن. لكن هذه الرؤية تتغاضى عن مسؤولية الحوثيين الذين حولوا مناطقهم إلى أهداف عسكرية بقراراتهم المتهورة.
ويؤكد خبراء مثل مايكل فرومان من “CFR” أن الضربات، رغم شدتها، قد تكبح جماح الحوثيين، مما يمهد لضغوط سياسية لاحقة. الحقيقة هنا معقدة: فالتفاوض مع جماعة تتحدى العالم كان سيُفسر كاستسلام، بينما الرد القوي قد يكون الخيار الوحيد لتغيير المعادلة.
الضربات كفرصة للتغيير
بدلًا من النظر إلى الضربات كمجرد تصعيد، يمكن رؤيتها كمحطة تحول محتملة في اليمن. لقد أثبت الحوثيون، بمغامراتهم غير المحسوبة، أن الدبلوماسية التقليدية -التي فشلت منذ 2015- لم تعد مجدية.
الضربات الأمريكية، على الحوثيين الهادفة إلى إضعاف قدراتهم العسكرية، قد تدفعهم لإعادة التفكير في مواقفهم، وتفتح نافذة لحل سياسي كانوا يرفضونه وهم في قمة قوتهم.
هذا المنظور، وإن بدا قاسيًا، قد يحمل بصيص أمل لكسر حلقة العنف التي بدأها الحوثيون أنفسهم، ويعيد اليمن إلى مسار التفاوض بدلًا من الاشتعال الدائم.
من يزرع الريح يحصد العاصفة
في النهاية، تعكس الغارات الأمريكية في مارس 2025 المثل القائل: من يزرع الريح يحصد العاصفة.
الحوثيون، باستفزازهم المستمر وتحديهم للمصالح الدولية، لم يتركوا مجالًا لردود أفعال مترددة.
هذه العمليات، بكل تعقيداتها، ليست مجرد ضربات عسكرية، بل محاولة لفرض توازن في منطقة على حافة الهاوية.
الدرس المستفاد هنا بسيط: الاستقرار لن يأتي من أولئك الذين يشعلون النيران، بل من القدرة على احتوائها، بأي وسيلة كانت.