دلالات التصعيد الدولي ضد الحوثيين ومستقبل المواجهة في اليمن

شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت مساء الخميس 6 مارس 2025، تحوّلًا لافتًا في لهجة الخطاب الموجه ضد مليشيا الحوثي، حيث اتسمت التصريحات، لا سيما من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، بحدة غير مسبوقة، وهو ما يشير إلى تحولات في الموقف الدولي تجاه الجماعة المدعومة من إيران.

هذه التطورات تأتي في سياق التصعيد العسكري الحوثي في البحر الأحمر، والجبهات المشتعلة داخل الأراضي اليمنية، ما دفع القوى الكبرى إلى مراجعة سياساتها تجاه الأزمة اليمنية.

ولم يكن هذا التصعيد الخطابي فقط، بل تجسد في سلسلة من العقوبات الأميركية التي استهدفت قيادات حوثية بارزة، بمن فيهم المتحدث الرسمي للجماعة وكبير مفاوضيها، ما يعكس توجهًا جديدًا نحو محاصرة نفوذ الحوثيين سياسيًا وعسكريًا.

العقوبات الأميركية الأخيرة ودلالاتها
في إطار نهج أكثر صرامة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، عقوبات جديدة على سبعة من قيادات الحوثيين، شملت أشخاصًا مؤثرين في الجناح السياسي والعسكري للجماعة. وكان اللافت في هذه العقوبات إدراج محمد عبدالسلام، المتحدث الرسمي للجماعة وكبير مفاوضيها، في قائمة الإرهاب، وهو تطور نوعي يحمل عدة دلالات:

استهداف رأس الدبلوماسية الحوثية
إدراج عبدالسلام على قائمة العقوبات يوجه رسالة واضحة بأن واشنطن لم تعد ترى في الحوثيين شريكًا سياسيًا يمكن التفاوض معه، بل جماعة إرهابية لا تختلف عن غيرها من التنظيمات المصنفة عالميًا، مثل القاعدة وداعش، وهذا يعقد مستقبل أي جهود دبلوماسية قد تقوم بها الجماعة في الفترة المقبلة.

العقوبات تعني تجميد أي أصول مالية للمشمولين بها في الولايات المتحدة أو لدى المؤسسات المالية التي تتعامل معها، مما يحد من قدرة الجماعة على استخدام النظام المصرفي الدولي. كما أن القيود المفروضة قد تمتد لتشمل قيودًا على السفر والتعاملات التجارية.

قطع الطريق على جهود التفاوض
لطالما اعتمد الحوثيون على قنوات غير رسمية للتفاوض مع الدول الغربية عبر وسطاء إقليميين أو دبلوماسيين أجانب، فإن العقوبات المفروضة على متحدثهم الرسمي تعني أن واشنطن لن تتعامل معه أو مع أي كيان يرتبط به، مما يضعف أي محاولات لإيجاد مسار دبلوماسي للجماعة على الساحة الدولية.

إلى جانب عبدالسلام، شملت العقوبات قيادات عسكرية بارزة متورطة في عمليات تهريب الأسلحة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وهو ما يعكس رغبة أميركية في تقويض القدرة العسكرية للجماعة، خصوصًا في ظل تهديداتها المتزايدة للملاحة الدولية.

الأبعاد السياسية للتصعيد الدولي ضد الحوثيين
لطالما تبنّت الإدارة الأميركية سياسة متذبذبة تجاه الحوثيين، حيث قامت إدارة الرئيس جو بايدن برفع الجماعة من قائمة الإرهاب عام 2021، في محاولة لإفساح المجال أمام جهود السلام، لكنها عادت مؤخرًا إلى تصنيفها كـ”منظمة إرهابية أجنبية”. هذا التحول يعكس فشل المقاربة الدبلوماسية السابقة، وإدراك واشنطن أن الحوثيين يستغلون المرونة الدولية لتعزيز نفوذهم عسكريًا.

بريطانيا، التي لطالما لعبت دورًا دبلوماسيًا في الملف اليمني، وكانت سببًا في إيقاف تقدم القوات اليمنية المشتركة نحو موانئ الحديدة، خرجت عن نهجها التقليدي في جلسة مجلس الأمن، حيث ألمح مندوبها إلى شراكة أمنية بحرية جديدة لحماية السواحل اليمنية ومنع تهريب الأسلحة. هذه الخطوة تعكس رغبة لندن في الانتقال من دور الوسيط إلى دور الفاعل في المشهد اليمني، خاصة مع تصاعد التهديدات الحوثية للملاحة الدولية.

لم تكتفِ واشنطن وبريطانيا بانتقاد الحوثيين، بل شددت على دور إيران في دعم الجماعة، وهو ما يشير إلى توجه جديد نحو ممارسة ضغط مباشر على طهران لوقف تهريب الأسلحة والتقنيات العسكرية للحوثيين، هذه اللهجة القاسية قد تكون تمهيدًا لإجراءات أكثر صرامة ضد إيران، ضمن سياسة “الضغط الأقصى” التي أعادتها الإدارة الأميركية الحالية.

البعد العسكري والاستراتيجي
إعلان بريطانيا عن نيتها إطلاق “شراكة أمنية بحرية” لحماية السواحل اليمنية ومنع تهريب الأسلحة، يعد مؤشرًا على استعداد دولي لاحتواء التهديد الحوثي للممرات البحرية، وهذه الشراكة قد تشمل تحالفًا أمنيًا يضم دولًا إقليمية مثل السعودية والإمارات، إلى جانب قوات أميركية وأوروبية، وهو ما يعني تكثيف الرقابة على تهريب الأسلحة، ورفع مستوى التنسيق العسكري في المنطقة.

وفي ظل استمرار الحوثيين في التصعيد، من المتوقع أن تعود الضربات العسكرية الموجهة ضد قدراتهم البحرية والجوية.

واشنطن أشارت بوضوح إلى أنها ستتخذ “إجراءات” إذا استأنف الحوثيون هجماتهم، وهو ما قد يشمل استهداف منصات الإطلاق البحرية والجوية التابعة لهم، في المقابل قد تجد الحكومة اليمنية في هذا التصعيد الدولي فرصة لتعزيز عملياتها العسكرية وتحرير المناطق التي تحتهال الجماعة.

تشديد عمليات تفتيش السفن
إحدى النقاط التي ركزت عليها واشنطن في مجلس الأمن كانت ضرورة تعزيز دور آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، من أجل ضمان مراقبة صارمة لجميع السفن المتجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون. هذا الإجراء من شأنه أن يحد من تدفق الأسلحة الإيرانية، ويفرض مزيدًا من العزلة الاقتصادية على الجماعة.

سيناريوهات مستقبلية
إذا لم يستجب الحوثيون للتحذيرات الدولية واستمروا في استهداف السفن أو تهديد الأمن الإقليمي، أو التصعيد الداخلي، فإن الرد العسكري سيكون الخيار الأرجح، في هذه الحالة، قد نشهد عمليات عسكرية نوعية تستهدف البنية التحتية العسكرية للحوثيين، لا سيما في الحديدة وصعدة.

في حال قررت القوى الدولية تجنب التصعيد العسكري، فإن تشديد العقوبات الاقتصادية على الحوثيين وإيران سيكون الخيار البديل، قد يشمل ذلك فرض مزيد من العقوبات على الكيانات المالية التي تمول الجماعة، وإجراءات تحد من قدرتها على استخدام النظام المصرفي العالمي، غير أن هذا النهج قد يكون غير مؤثر على المليشيا التي قد تصعد من عملياتها بهدف فرض قلقل دولي في اعتقادها أنه قد يضغط نحو الحلول السياسية.

مواجهة مصيرية
ما شهدته جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة يعكس تحولًا جوهريًا في تعاطي المجتمع الدولي مع الحوثيين، حيث لم تعد الجماعة تُعامل كطرف في نزاع داخلي فحسب، بل كتهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

التطورات الأخيرة تشير إلى أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا، قد بدأ مرحلة جديدة من التعامل مع الحوثيين، تقوم على مزيج من العقوبات الاقتصادية والتصعيد العسكري المحدود. ومع إدراج شخصيات بارزة مثل محمد عبدالسلام على قوائم الإرهاب، فإن الخيارات الدبلوماسية أمام الحوثيين تتقلص، ما يضع الجماعة أمام اختبار صعب: إما التراجع عن سياساتها العدوانية، أو مواجهة عزلة دولية مشددة وضربات عسكرية محتملة.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن العام 2025 قد يشهد تحولًا حاسمًا في مسار الحرب في اليمن، إما نحو تصعيد غير مسبوق، أو نحو ضغوط تجبر الحوثيين على الدخول في مسار تفاوضي حقيقي، لكن وفق شروط أكثر صرامة من قبل المجتمع الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى