الحوثيون ينهبون رواتب الموظفين لست سنوات ويقرّون آلية جديدة تستثني الحقوق المتأخرة

في خطوة غير مسبوقة، أقدمت ميليشيا الحوثي الموالية لإيران على ارتكاب واحدة من أكبر الجرائم المالية في اليمن، بإسقاط رواتب موظفي الدولة في القطاعين العام والمختلط لست سنوات كاملة، في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

ووفقاً لما يسمى “الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين”، حصل الموظفون على راتب شهر ديسمبر 2024، في حين أن آخر راتب تم صرفه لهم وفقاً للآلية القديمة كان نصف راتب شهر نوفمبر 2018، والذي تم صرفه في سبتمبر 2024. وبذلك، أسقطت الميليشيا الحوثية بشكل رسمي ومستمر حقوق الموظفين في المرتبات المستحقة للفترة الممتدة لست سنوات، مستحوذة عليها دون أي التزام قانوني أو تعويض.

إهدار للحقوق وتكريس للفساد
أكد خبراء اقتصاديون أن الآلية الجديدة التي فرضتها ميليشيا الحوثي تعني عملياً استحالة حصول الموظفين على رواتبهم المتأخرة، حيث أصبحت هذه الآلية الوحيدة المعتمدة، ما يعزز من نهب الحوثيين لحقوق العاملين في القطاع العام. وأوضحوا أن الحوثيين لم يبدوا أي نية لتعويض تلك الرواتب، إذ أن الصرف بدأ وفقاً للآلية الجديدة من ديسمبر 2024، ما يثبت أن النظام السابق لصرف الرواتب توقف نهائياً منذ نوفمبر 2018.

مصادرة الإيرادات لصالح “المجهود الحربي”
منذ سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر 2014، حرم الحوثيون موظفي الدولة من رواتبهم منذ عام 2016، مكتفين بصرف نصف راتب أساسي كل بضعة أشهر، رغم تحصيلهم مليارات الريالات من إيرادات المشتقات النفطية، الغاز المنزلي، الضرائب، الجمارك، الأوقاف، السجائر، الإسمنت، الاستثمارات ورسوم الخدمات. هذه الإيرادات يتم توجيهها بالكامل لتمويل ما يسمى بـ”المجهود الحربي”، وإثراء قادتهم ومشرفيهم.

كما تملصت الجماعة من تنفيذ اتفاق ستوكهولم الموقّع في ديسمبر 2018، والذي ينص على إيداع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في فرع البنك المركزي اليمني بالحديدة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.

تمييز في صرف الرواتب وإقصاء وظيفي ممنهج
بموجب قانون جديد أصدره الحوثيون، تم تقسيم الموظفين إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: يحصلون على راتب كامل (100%) شهرياً، وتشمل أعضاء مجلسي النواب والشورى وأجهزة السلطة القضائية.

الفئة الثانية: يحصلون على نصف راتب (50%) شهرياً، بحجة أن وحداتهم العامة “ليس لديها موارد ذاتية كافية لتغطية فاتورة مرتباتها”.

الفئة الثالثة: يحصلون على نصف راتب كل ثلاثة أشهر، بحجة أن مرتباتهم تأتي من حساب الحكومة العام.

هذا التمييز في صرف الرواتب يأتي ضمن سياسة منهجية تهدف إلى “حوثنة” الوظيفة العامة، حيث عمدت الجماعة إلى إقصاء آلاف الموظفين من المؤسسات الحكومية، بحجة الغياب أو الإحالة للتقاعد، واستبدالهم بعناصر موالية لها، وفق معايير طائفية ومذهبية.

آثار كارثية على المجتمع اليمني
تسبب انقطاع المرتبات في أضرار واسعة النطاق، حيث لم يتلقَّ مئات الآلاف من الموظفين رواتبهم بانتظام منذ عام 2016، من بينهم أكثر من 171 ألف معلم ومعلمة يمثلون 64% من إجمالي المعلمين في اليمن. كما أفادت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن 26 إلى 30 ألف عامل صحي لا يتلقون رواتبهم بانتظام، ما يهدد استمرارية الخدمات الصحية الأساسية.

وكان القطاع العام يمثل المصدر الرئيسي للوظائف في اليمن قبل الحرب، حيث تشير إحصاءات منظمة العمل الدولية إلى أن أكثر من 30% من القوى العاملة اليمنية كانت تعمل في هذا القطاع. ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن كشوف المرتبات العامة كانت تشمل 1.25 مليون موظف، ما كان يعيل أكثر من 6 ملايين يمني، أي أكثر من خمس سكان اليمن قبل الحرب.

ويشير البنك الدولي في تقريره “المذكرة الاقتصادية القطرية لليمن” إلى عدم إمكانية تقدير العدد الفعلي لموظفي الخدمة المدنية، حيث تلقى في عام 2018 حوالي 250 ألف موظف مدني في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية رواتبهم، مقابل 225 ألف موظف فقط في مناطق سيطرة الحوثيين.

استمرار سياسة النهب والتجويع
بفرض الآلية الجديدة وإسقاط حقوق الموظفين في الرواتب المتأخرة، تثبت ميليشيا الحوثي استمرارها في سياسة النهب الممنهج والتجويع، دون أي اعتبار للكارثة الإنسانية التي يعاني منها اليمنيون. هذه الجريمة المالية، التي تعد واحدة من أكبر قضايا الفساد الحوثي، تضاف إلى سجل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة بحق أبناء الشعب اليمني منذ انقلابها على السلطة الشرعية.

زر الذهاب إلى الأعلى