تآكل النفوذ الإيراني وتراجع الحوثيين
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية عميقة ترتبط بإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية وتآكل النفوذ الإيراني الذي كان يعتمد على شبكات واسعة من الميليشيات المسلحة وحلفاء غير دوليين. في هذا السياق، زيارة الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، إلى العراق حملت رسائل حاسمة تفيد بتغيير قواعد التعامل مع وكلاء إيران في المنطقة. التحذير الذي وجهه للقيادة العراقية بشأن ضرورة حل ميليشيات الحشد الشعبي خلال فترة زمنية قصيرة يعكس إرادة أمريكية واضحة للتعامل مع هذه الكيانات كتهديد مباشر للأمن الإقليمي والدولي. هذا الإنذار ترافق مع إشارة أخرى من الداخل العراقي، عبر رسالة المرجع الديني علي السيستاني التي نقلها ابنه محمد رضا، والتي دعت بشكل غير مباشر إلى حل الفصائل المسلحة ذات الصلة بإيران لتجنب التصعيد والمواجهة.
هذا التطور يعكس توجهًا استخباراتيًا وسياسيًا دوليًا نحو إنهاء دور إيران الإقليمي الذي اعتمد لسنوات على أدواتها غير التقليدية. الانسحاب التدريجي لحلفاء إيران، سواء بشكل طوعي أو قسري، يُظهر أن مرحلة جديدة قد بدأت في المنطقة، مرحلة تتسم بتضييق الخناق على النفوذ الإيراني. الموقف الأمريكي يبدو متسقًا مع هذه الاستراتيجية، خاصة بعد أن نجحت الدبلوماسية الإقليمية في إعادة تموضع سوريا بعيدًا عن المحور الإيراني، مما يؤكد أن النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط قد تآكل بشكل غير مسبوق. وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة العربية الأخيرة كان بمثابة إعلان فعلي لانتهاء الدور الإيراني في سوريا، ما يُعزز الرسالة الأوسع بأن مشروع “محور المقاومة” قد انهار بشكل كبير.
على الجانب الإيراني، الخيارات المتاحة باتت محدودة وتتمحور حول سيناريوهين رئيسيين. السيناريو الأول هو تصعيد أنشطتها النووية والصاروخية، ربما عبر السعي للحصول على قنبلة نووية لخلق حالة من الردع أو لخلط الأوراق على الساحة الدولية. هذا الخيار، رغم جرأته، ينطوي على مخاطر جسيمة، بما في ذلك استدعاء رد عسكري دولي مباشر أو فرض عزلة اقتصادية خانقة قد تؤدي إلى انهيار داخلي. السيناريو الثاني يتمثل في القبول بالواقع الجديد الذي يُحتم عليها تقديم تنازلات استراتيجية، بما في ذلك حل الحرس الثوري الإيراني وتحويل إيران إلى دولة وطنية بدون أدوات النفوذ الإقليمي.
في السياق اليمني، يتصاعد دور الحوثيين كأداة إيرانية تحاول البقاء على الساحة عبر التصعيد الصاروخي ضد إسرائيل، وهو تصعيد يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مكاسب دعائية داخلية وإظهار قدرتهم على التأثير في الملفات الإقليمية. ومع ذلك، فإن هذا التصعيد يأتي في وقت حساس للغاية، حيث يبدو أن الترتيبات الإقليمية الجديدة تسير في اتجاه لا يخدم بقاء الحوثيين كقوة مهيمنة. المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل، التي وصلت بحسب التصريحات الأمريكية إلى مراحل متقدمة، تُظهر أن الديناميكيات الإقليمية باتت تتحرك باتجاه تهدئة الصراعات وتجفيف منابع الفوضى.
في المقابل، تُظهر الحكومة الشرعية اليمنية مرونة وذكاءً في التعامل مع هذه المعطيات الجديدة. التحركات السياسية والعسكرية المدروسة تهدف إلى استغلال حالة الانهيار الإقليمي لمحور المقاومة، وتراجع الدعم الإيراني للحوثيين، لفرض معادلات جديدة على الأرض. هذه الفرصة الاستراتيجية قد تمهد الطريق لاستعادة العاصمة صنعاء، سواء عبر التسوية السياسية المدعومة دوليًا أو من خلال الحسم العسكري الذي بات أكثر قابلية للتنفيذ في ظل الدعم الإقليمي والدولي المتزايد.
اخيرا
التغيرات الراهنة تعكس توجهاً إقليمياً ودولياً نحو إعادة صياغة خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. إيران، التي كانت لاعباً أساسياً في المنطقة لعقود، تواجه الآن عزلة غير مسبوقة وقيوداً على قدراتها السياسية والعسكرية. الحوثيون، كإحدى أدوات إيران، يواجهون ضغوطاً متزايدة تجعل استمرارهم بنفس القوة أمراً صعباً. هذا الواقع الجديد يفتح الباب أمام الأطراف الإقليمية والدولية لإعادة ترتيب الأوضاع بما يخدم تحقيق الاستقرار، مع إعطاء فرصة للشرعية اليمنية لاستعادة نفوذها وإعادة بناء الدولة ضمن سياق أوسع من التفاهمات الإقليمية والدولية.
بقلم: حمود منيف