معهد أمريكي يكشف تورط جيبوتي مع الصين وإيران في دعم الإرهاب الحوثي
استعرض معهد الشرق الأوسط الأمريكي، في تقرير، شواهد عديدة على تورط جيبوتي في تمويل الإرهاب الحوثي باليمن والبحر الأحمر، والتخادم مع إيران والصين والأمم المتحدة، رغم مزاعمها بالشراكة في مواجهة الإرهاب، متسائلاً حول سبب عدم انتقاد حلف شمال الأطلسي لها لفشلها في وقف تهريب الأسلحة الإيرانية، وتمويل الإرهاب، وغسيل الأموال، على غرار الموقف الذي تتبناه تجاه دول مثل بيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وقال المعهد في تقرير ترجمته وكالة خبر، إن “جيبوتي أصبحت لاعباً مهماً في التجارة في منطقة القرن الأفريقي، ولكنها تعمل أيضاً كقناة للنفوذ الصيني، وارتبطت بجهات فاعلة خبيثة مثل إيران والحوثيين”. أضف إلى ذلك “اتهمت بالضلوع في أنشطة مختلفة في السوق السوداء، بما في ذلك غسل الأموال، والتمويل غير المشروع، وتهريب النفط، والاتجار بالأسلحة”.
وذهب المعهد إلى وضع مقارنة بسيطة لمرحلتين تاريخيتين مختلفتين في الزمن، لكنهما متشابهتان من حيث منهجية السياسة الجيبوتية المُتّبعة، سيما في استعادتها من موقعها الجغرافي في المنطقة، حيث يضيف: “فبشكل مشابه لفترة الاستعمار الفرنسي، عندما كانت معروفة بتهريب الأسلحة، يبدو أن جيبوتي اليوم تعود مجددا كمركز لأنشطة السوق السوداء في القرن الأفريقي، بما في ذلك مركز لغسيل الأموال والتمويل غير المشروع، ونقطة عبور لتهريب الأسلحة لصالح إيران ووكلائها في اليمن والمنطقة”.
على الرغم من أن جيبوتي تبدو شريكا يمكن الاعتماد عليه، لكن المساعدة المادية التي تقدمها الكيانات الموجودة في جيبوتي للحوثيين تقوض حيادها المزعوم وجهودها الظاهرية لتعزيز السلام، وفقاً لتقرير المعهد الذي أضاف: “ويشمل ذلك شركة جيبوتية شحنت 40 ألف صاعق كهربائي في أغسطس 2020، والتي تم اكتشاف بيعها لاحقا في السوق السوداء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي مارس 2021، ألقت الحكومة اليمنية القبض على نفس الكيان الجيبوتي أثناء نقل 225 طنا من المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع المتفجرات والصواريخ”.
تورّط جيبوتي مفضوح
المساعدات التي تقدمها تلك الكيانات للحوثيين تُحمّل جيبوتي مسؤولية تمويل جماعة مصنفّة إرهابياً محلياً ودولياً، ووضع الدولة في دائرة الاتهام حال أي تقاعس. أما في حال الاجهار الحكومي بذلك واستغلاله لصالحها على حساب مصلحة الدول الأخرى فهذا يجعل منها شريكاً فاعلاً في تمويل الإرهاب، ويُحتم محاسبتها بجدية، وهو ما استخلصه التقرير.
يقول تقرير المعهد، إنه علاوة على عدم قيام الحكومة الجيبوتية بمحاسبة الكيانات التي تموّل الحوثيين لتنفيذ عمليات إرهابية، ترفض “حكومة جيبوتي إدانة الهجمات التي تنفذها مليشيا الحوثي على حركة الملاحة البحرية منذ 7 أكتوبر”، وفوق ذلك “سمحت لسفن التجسس الإيرانية بالرسو في القاعدة العسكرية الصينية، وهو ما قد يوفر معلومات استخباراتية حاسمة للحوثيين أثناء تنفيذهم للهجمات على الشحن”.
ويضيف مؤكداً “وزير خارجية جيبوتي، محمد علي يوسف، قد ذهب إلى حد الإعلان عن دعمه للحوثيين أثناء تنفيذهم هجمات على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مبررا ذلك بأنها “إغاثة شرعية للفلسطينيين”. ومع ذلك، كان موقفه مربكًا نظراً لأن إغلاق مضيق باب المندب سيعطل اقتصاد جيبوتي واقتصاد دول أفريقية أخرى”.
ووفقا لمقابلة أجرتها وكالة بلومبيرغ مع رئيس موانئ جيبوتي ومنطقة الحرة، أبوبكر عمر هادي، استفادت جيبوتي من الفوضى في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وهجمات الحوثيين على التجارة البحرية. إذ قال مستهزئاً: “مصائب قوم عند قوم فوائد”. والحديث هنا لا يزال منسوبا لتقرير المعهد.
التقرير أدان التورط الجيبوتي المفضوح باستشهاد ثان، حين قال إنه “في 16 يونيو 2024، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن الحوثيين أنشأوا طريقا جديدا عبر جيبوتي، باستخدام السفن المدنية لنقل الأسلحة من الموانئ الإيرانية”.
ويرى المعهد في تقريره المدعم بالشواهد أن “هذه الإجراءات (الجيبوتية) تثير شكوكاً كبيرة حول حياد جيبوتي كشريك، مما يثير التساؤل حول سبب عدم انتقاد حلف شمال الأطلسي لها لفشلها في وقف تهريب الأسلحة الإيرانية المزعوم، وتمويل الإرهاب، وغسيل الأموال، على غرار الموقف الذي تتبناه تجاه دول مثل بيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية في إعلان قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة”.
التخادم بين جيبوتي والصين وإيران والأمم المتحدة، تناوله المعهد باقتضاب من عدة زوايا، خرج منها بحصيلة مفادها، استغلال حرب اليمن والعمليات الحوثية الإرهابية في البر والبحر، لصالح قوى دولية هي من ضمنها، سيما والأمم المتحدة تتخذ منها مركزا لتفتيش السفن المتوجهة إلى موانئ (الحديدة ورأس عيسى) وغيرها من التي تخضع للحوثيين، وان كانت جيبوتي تزعم شراكتها في مواجهة الإرهاب.
فوفقا للتقرير، بالإضافة إلى ما حققته جيبوتي من مكاسب مشتركة هي وحلفاؤها الدوليون “منح الحوثيون الصين ممرا آمنا شاملاً لشحناتها، مما ساهم في ارتفاع حركة الشحن في جيبوتي”، مؤكداً أن الميناء “تعامل مع كميات هائلة من الحاويات المنقولة من موانئ البحر الأحمر إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، في الحديدة غربي اليمن، ويتم ذلك باستخدام سفن مملوكة ومدارة من قبل جيبوتي”.
واضاف موضحاً: “عند التفحص قليلا، نجد انه قبل أزمة البحر الأحمر، كان حجم التجارة بين الصين والحوثيين ضئيلا للغاية، حيث كان يتم استيراد أقل من 365 وحدة معادلة لعشرين قدما شهريا من الصين”.
ومع ذلك، يقول التقرير إنه “في أبريل 2024، حدث تحول ملحوظ حيث ارتفعت صادرات الصين إلى الحوثيين إلى أكثر من 1900 حاوية، بزيادة 427٪ منذ أكتوبر 2023. ويشير هذا إلى أن “الأعمال التجارية الجيدة” في جيبوتي ربما كانت مبنية على سوء حظ الآخرين، أو كما قال رئيس موانئ جيبوتي ومنطقة الحرة، أبوبكر عمر هادي: “مصائب قوم عند قوم فوائد”.
باب المندب.. بوابة فدية
التقرير ذكر أن جيبوتي كانت “لفترة طويلة للغاية، تعمل كممر لجهات فاعلة مثل الصين وإيران بينما يتم حمايتها من قبل الولايات المتحدة ودول الخليج بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي المهم”.
لكن القلق الأكبر -من وجهة نظره- يكمن في روابطها مع الحوثيين، الذين يمثلون تهديدا ليس فقط للتجارة البحرية العالمية ولكن أيضا للكابلات البحرية الحيوية التي تحمل بيانات الإنترنت الحيوية وتريليونات الدولارات في المعاملات المالية اليومية”.
كما استغل الحوثيون أزمة البحر الأحمر لتحقيق مكاسب مالية باستخدام باب المندب كبوابة فدية ينتهك مبادئ التجارة العادلة بموجب منظمة التجارة العالمية ويقوض آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن المصممة لمراقبة وتفتيش الشحنات التجارية المتجهة إلى موانئ اليمن على البحر الأحمر، وفقاً لذات التقرير.
علاوة على ذلك “استُخدمت جيبوتي من قبل جهات فاعلة غير حكومية صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنها إرهابية سعياً للتهرب من العقوبات”.
فحسب تقرير “تقييم مخاطر تمويل الإرهاب الوطني لعام 2024″، الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، يقول تقرير المعهد، إن “حزب الله استخدم شركات واجهة وشركات شحن في البلاد لتسهيل غسل الأموال والأنشطة التجارية غير المشروعة، بما في ذلك تهريب الفحم غير المشروع والمخدرات والأسلحة والنفط، مما أفاده هو وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني”.
ويضيف مؤكداً: هناك حاجة إلى إصلاحات جادة بحيث تصبح جيبوتي شريكا يمكن الاعتماد عليه في منطقة القرن الأفريقي، وتحمل مسؤولية تجاه تفاقم الفوضى والصراع وعدم الاستقرار في البحر الأحمر وخليج عدن”.
ولخّص تقرير معهد الشرق الأوسط الأمريكي هذه الإصلاحات في ثلاث نقاط، لضمان الشراكة الجيبوتية الفاعلة، أوردها كالتالي:
أولاً: ينبغي إنفاذ العقوبات المفروضة على الحوثيين من خلال التحقيق في سفن جيبوتي ومراقبتها وشركات الشحن الدولية مثل سي إم جيه إيه، ميرسك، وبي آي إل؛ وشركات الشحن الصينية؛ والدول التي ترفع أعلاماً كاذبة، والتي سهلت تسليم السلع التجارية إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2023.
ثانياً: يجب إصلاح آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش بشكل كامل. فعلى الرغم من تعليقها منذ فبراير 2023 بسبب زيادة الشحنات المحظورة التي تصل إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، إلا أنها كانت غير ذات صلة قبل ذلك بكثير بسبب قيود التمويل والقدرات البشرية. وقد ثبت عدم فعاليتها حيث يمكن لأي جهة حكومية تحمل شحنات محظورة متجهة إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون أن تتجنب عمداً طلب تفتيش آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش لتجنب العقوبات.
واستشهد التقرير “في مثال واضح على ذلك، في 30 يونيو 2024، حصلت سفينة تحمل العلم الروسي تحمل حبوبًا من المحطة الخاضعة للعقوبات في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا على تصريح من مفتش الأمم المتحدة في جيبوتي للتوجه إلى ميناء الصليف الذي يسيطر عليه الحوثيون”.
وطالب بـ “إصلاح آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش بشكل كامل وإدخال نظام متقدم لفحص البضائع آليا”. ليس هذا وحسب، “ولكن أولاً وقبل كل شيء يجب نقله من جيبوتي إلى السعودية أو منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية”. في إشارة صريحة على أن بقاء مركز التفتيش في جيبوتي لن يغيّر شيئاً في المعادلة.
في حين طالب البند الثالث والأخير بضرورة “اصلاح المؤسسات المالية في جيبوتي وتعزيزها من أجل معالجة مشكلات غسل الأموال وتمويل الإرهاب بشكل أفضل”.