تحليل: الحوثيون يبنون حلمهم على سلّم الصراعات في الشرق الأوسط.. وخارطة الطريق تكافئهم
ميليشيا الحوثيين، التي وُلدت في سلسلة الجبال الوعرة شمالي غرب اليمن، ترغب في الحرب مع إسرائيل منذ عقود. وشعارها الذي يُطبع على الأعلام ويُردد في التجمعات من قبل أتباعها، يتضمن عبارات “الموت لإسرائيل” و”اللعنة على اليهود”.
حقق الحوثيون ما أرادوا في 19 يوليو/تموز، عندما ضربت إحدى طائراتهم المُسيّرة برجًا شاهقًا في تل أبيب، أسفر عن مقتل رجل وإصابة أربعة آخرين. ويشير الانفجار إلى واقع جديد مقلق، إذ بالفعل تواجه إسرائيل مشاكل مع حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال، والآن تحارب مجموعة إسلامية أخرى، نجحت -ولو بشكل متواضع- في اختراق دفاعاتها الجوية الشهيرة.
والحوثيون ليسوا تهديدًا فقط لإسرائيل، التي ردت سريعًا بضرباتٍ جوية على ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرتهم، بل أصبحوا أكثر خطورة وتقلبًا بشكل مستمر في الأشهر الأخيرة.
حيث استمروا في شنِّ هجماتهم ضد الشحن التجاري في البحر الأحمر وزادوا من حدتها، تظاهريًا بدعم غزة، على الرغم من جهود عسكرية أمريكية واسعة النطاق لوقفهم.
في مقطعٍ مصوّر مثير ظهر في 20 يوليو/تموز الماضي، أطلق الحراس الأوكرانيون على سطح سفينة حاويات في البحر الأحمر النار على “قاربٍ مفخخ” غير مأهول يتجه نحوهم، حتى انفجر في كرة نارية.
وأصدر أعلى قائد أمريكي في الشرق الأوسط تقريرًا مثيرًا للقلق يقول إن الجهد العسكري لاحتواء الحوثيين يفشل ويجب توسيعه.
وهذه الجماعة، التي استولت على العاصمة اليمنية صنعاء قبل عقد من الزمن، قامت أيضًا بإيماءات حربية أقرب إلى ديارها، حيث اعتقلت عشرات الأشخاص العاملين لصالح الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة، وفتحت اشتباكات عنيفة مع منافسيها في جنوب البلاد.
وفي منتصف يوليو/تموز، نجحت في دفع المملكة العربية السعودية للانسحاب في نزاع حول عقوبات مالية من خلال تهديدها بالهجوم عليها.
أدى كل هذا إلى تعثر الجهود طويلة الأمد للوصول إلى اتفاق سلام إقليمي بين الحوثيين وجيرانهم، وفقًا لـ(تيم ليندركينغ)، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى اليمن، الذي قال أيضًا: إن “الضغط يتزايد لتصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي أجنبي”.
وحاليًا، تصنف الحكومة الأمريكية الحوثيين على مستوى أقل من النشاط الإرهابي؛ فيما سيكون تصنيفهم كتنظيم إرهابي أجنبي، كما فعلت إدارة ترامب، ذات عواقب خطيرة عليهم، بما في ذلك فرض عقوبات أشد.
وتعتبر حرب غزة منفعة كبيرة للحوثيين، الذين كانوا يواجهون بعض المقاومة الداخلية قبل اندلاعها، حيث ساعد دعمهم القوي لغزة علنًا في تجنيد جنود جدد في البلاد والحفاظ على شعبيتهم الهائلة في جميع أنحاء العالم العربي، والتي تحولت، هذه الشعبية، إلى تبرعات مالية ملحة.
ويعد صعود الحوثيين إلى السلطة سريعًا لا يزال محيرًا، حتى لليمنيين. فقبل عشرين عامًا، كانوا مجموعة تمردية غامضة، شمالي غرب اليمن، تغذيها مشاعر الحقوق التاريخية والقمع. واستفادوا من فساد وعجز أعدائهم وتحالفوا مع إيران، التي قدمت أسلحة أساسية وتدريبًا عسكريًا.
لكن قدرة الجماعة جزئيًا تدل على ضعف جيرانها المتطرف. حيث تعتبر ضربة صاروخية ناجحة على فندق في دبي أو مركز مؤتمرات في الرياض ضربة سمعة مدمرة، تستحق مليارات الدولارات في الأعمال المفقودة وإيرادات السياحة. والحوثيون ليس لديهم مثل هذا النوع من القلق؛ إنهم معتادون على التعرض للقصف، ويتنعمون بالاستشهاد، كما أنهم معتادون على العيش في ظروف صعبة كالكهوف.
وقبل بضعة أشهر فقط، كان مفاوضو الأمم المتحدة يعبرون عن تفاؤل محترس بأنه إذا انحسرت حرب غزة، يمكنهم إبرام اتفاق لإنهاء الصراع بين الحوثيين وجيرانهم السعوديين، الذي بدأ عام 2015. (القتال كان معلقًا بشكل أساسي منذ وصول الأطراف إلى هدنة قبل عامين.)
هذا الجهد الدبلوماسي، المعروف باسم “خريطة الطريق”، سيوفر حوافز للحوثيين للعثور على وسيلة للتعايش مع خصومهم، جنوبي اليمن، حيث تتمركز الحكومة اليمنية المعترف بها رسميًا (لكنها ضعيفة جدًا). وستوفر خريطة الطريق أيضًا أموالًا للمساعدة في تخفيف معاناة الشعب اليمني، الذي يعتمد بشكل كبير على إمدادات الغذاء المتناقصة من الخارج.
لكن خريطة الطريق كانت تهدد بمكافأة الحوثيين بالشرعية وتدفقات إيرادات جديدة كبيرة في اللحظة التي كانوا فيها يعترضون بفعالية الممر المائي الذي ينقل 15% من تجارة العالم.
وانخفضت حركة المرور البحرية عبر البحر الأحمر بما يقرب من 80% منذ بدء الحوثيين في مهاجمة السفن في نوڤمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أن يضربوا تل أبيب في 19 يوليو/تموز، مما دفع الإسرائيليين إلى قصف مدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر. وتراجعت الحركة المرورية بشكل أكبر منذ ذلك الحين.
ويتهرب الحوثيون على ما يبدو من الجهود الدولية لوقف استيراد الأسلحة إليهم. حيث قال السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة في مايو/أيار إن ارتفاعًا ملحوظًا تم منذ أكتوبر/تشرين الأول في عدد السفن التي تدخل موانئ الحوثيين دون التقيد بالتفتيشات المطلوبة. وقد بدأوا في استخدام أسلحة أكثر تطويرًا منذ بدء هجماتهم على السفن في البحر الأحمر العام الماضي، والوضع قد يزداد سوءًا.
وحذر مسؤولو المخابرات الأمريكية من أن روسيا قد تزود الحوثيين بصواريخ متقدمة من النوع المضاد للسفن، وفقًا لتقرير في صحيفة وول ستريت جورنال، ردًا على الضربات الأوكرانية باستخدام الأسلحة الأمريكية على أهداف داخل روسيا.
ومع تعليق خريطة الطريق، بدأت الحكومة الدولية المعترف بها في اليمن، المقرة في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، ببذل جهود في الأشهر الأخيرة لضعف الحوثيين من خلال قطع وصولهم إلى النظام المصرفي الدولي، في ظل افتقار هذه الحكومة للأموال وسط اعتمادها الكامل على السعوديين. وفي يوليو/ تموز، هدد الحوثيون بالهجوم على السعوديين إذا لم يضعوا حدًا للعقوبات المالية، وسرعان ما استسلم السعوديون. ولطالما تكرر هذا النمط مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة.
كما قام الحوثيون أيضًا بإعادة تنظيم الحكومة التي ورثوها عندما استولوا على شمال اليمن قبل عقد من الزمن، غالبًا بطرق توحي بنية حربية. وأنشأوا قوة “التعبئة العامة” التي يبدو أنها مستوحاة من الباسيج، القوة الشبابية الشبه عسكرية في إيران، وفقًا لـ(محمد الباشا) محلل في شركة نافانتي للأبحاث والأمن الدولية.
قال الباشا: “هم جميعًا مدربون على محاربة الأعداء المحليين والأجانب، وإجراء عمليات مراقبة حتى على جيرانهم والقبائل والأصدقاء”.
وأين ستنتهي هذه النزعة العدوانية؟ لا أحد يعرف، فيما زعماء الحوثيين معزولون وغامضون، لكن ثمة شيء واحد لا شك فيه، كانت ضربتهم الناجحة بالطائرات المُسيّرة على إسرائيل حلمًا تحقق، ويبدو أنهم مترددين في تبديل نزعتهم العدوانية بالأموال، حيث أعلن زعيمهم (عبد الملك الحوثي)، في خطاب الأسبوع الماضي: “لقد كنا سعداء جدًا للمشاركة مباشرة في حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة.”