صيادون يواجهون الرياح العاتية والتوترات العسكرية
يعيش الصياد سعيد مكيبر (40 سنة)، أوضاعاً معيشية قاسية هذه الأيام، فليس بمقدوره الاصطياد في ساحل الخوخة بمحافظة الحديدة جنوب غربي اليمن، بسبب الرياح الشديدة والأمواج العاتية، بالإضافة إلى التوترات العسكرية بين جماعة الحوثيين وقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر.
ومنذ سنوات يعيش مئات الآلاف من الصيادين أوضاعاً صعبة، على الرغم من أن اليمن يمتلك شريطاً ساحلياً يبلغ طوله أكثر من ألفي كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، وهو غني بالأسماك والثروة البحرية، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية كان يبلغ سنوياً حوالي 200 ألف طن قبل اندلاع الحرب مطلع عام 2015.
لكن تشهد سواحل اليمن هذه الأيام موجة رياح شديدة خاصةً سواحل محافظة الحديدة والمخا، إذ يضطر المئات من الصيادين للنزوح والتوجه للعمل في المناطق الجنوبية خصوصاً ملاك القوارب الكبيرة، في حين يبقى ملاك القوارب الصغيرة يكابدون تحديات هائلة في بلد تشهد أزمة إنسانية غاية في الصعوبة.
يبدأ موسم الرياح الشديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني وينتهي في مطلع نيسان/ أبريل، وهذا العام يأتي الموسم بالتزامن مع العمليات العسكرية والتصعيد الحاصل في البحر الأحمر، وذلك بدوره انعكس سلباً على حياة مئات الآلاف من الصيادين وضاعف معاناتهم، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية جراء استمرار الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر ثماني سنوات.
وبحسب الأمم المتحدة فإن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليوناً بحاجة إلى المساعدات، في حين تعاني المنظمات الإغاثية من نقص في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلباً على حياة الكثير من الفقراء في البلد.
• الخوف من الرياح الشديدة
يقول أستاذ البيئة بجامعة الحديدة الدكتور عبد القادر الخراز لرصيف22: “تتأثر الرياح بالتغير المناخي ويمكن أن تتغير شدتها وتواترها بشكل كبير، ويؤثر ذلك بدوره على الصيادين، إذ يفقدون قواربهم ويتعرضون للغرق”.
ويضيف: “على الرغم من تأثيرات الرياح الشديدة والأمواج العاتية على الصيادين، لكن مع الأسف لم تتخذ الجهات الحكومية أي خطوة في المحافظة على الصيادين اليمنيين وممتلكاتهم”، مشدداً على ضرورة وجود جهاز إنذار مبكر يوضح كل العوامل الخاصة بالمناخ من رياح أو درجة الحرارة، واعطاء بيانات يومية وتوضيحات للحركة ومواقع الصيد الآمنة والمواقع غير الآمنة، وذلك من شأنه المحافظة على الثروة وعلى الإنسان وممتلكاته الخاصة.
وفي ظل غياب دور السلطات المعنية في القيام بدورها بالمحافظة على الصيادين، يخشى مكيبر ومعه مئات الآلاف من الصيادين من فقدان مصدر دخلهم الوحيد الذي يعتمدون عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلاتهم، فهم يضطرون أحياناً للخوض بين الرياح الشديدة والأمواج العاتية لتأمين قوت يومهم.
ويتطلع الصيادون في الحديدة والمخا وباب المندب إلى وجود أكبر دور السلطات المعنية، من خلال تنشيط قوات خفر السواحل لعمل دوريات مراقبة في البحر، للمساعدة في حوادث الغرق وتحديد المناطق الآمنة للصيد.
يملك مكيبر قارباً صغيراً يعمل عليه لتأمين الغذاء لأفراد عائلته المكونة من ثمانية أفراد، اشتراه قبل اندلاع الحرب بنحو مليون ريال يمني أي ما يعادل نحو 2000 دولار، أما حالياً فتبلغ قيمته أربعة ملايين ريال أي 9 آلاف دولار بسعر الصرف في صنعاء.
البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.
يقول مكيبر لرصيف22: “أنا مثل غيري من الصيادين ممن يمتلكون قوارب صغيرة، نعيش أتعس أيام حياتنا، أطفالنا يختبرون جوعاً ويقضون معظم الأيام على وجبة وحدة. نترقب انتهاء موسم الرياح لنعود إلى الصيد لتأمين لقمة العيش. نحمد الله على كل حال”.
ويضيف: “نخشى أن ينتهي موسم الرياح والتصعيد العسكري ما يزال قائماً في البحر الأحمر فتلك مشكلة أكبر”، لافتاً إلى أن البوارج والسفن الحربية تمنعهم من الاقتراب من مناطق معينة، وهم يخشون على حياتهم من الصواريخ ما يحد كثيراً من حركتهم.
• النزوح نحو السواحل الجنوبية
مع بداية موسم الرياح الشديدة يضطر المئات من الصيادين اليمنيين في سواحل الحديدة وحجة ومناطق الخوخة والمخاء وذباب وباب المندب خاصة الذين يمتلكون قوارب كبيرة، للنزوح نحو السواحل الجنوبية مثل عدن وحضرموت والمهرة.
خلدون التهامي (45 سنة) واحد من هؤلاء الصيادين، أجبرته الرياح الشديدة وكذلك التصعيد العسكري في البحر الأحمر على مغادرة الخوخة الواقعة بمحافظة الحديدة منتصف كانون الأول/ ديسمبر الفائت، متجهاً إلى محافظة المهرة ليستقر فيها مع مجموعة من الصيادين الذين يعملون على متن قاربه.
يمتلك التهامي قارباً كبيراً يسمى “الجلبة”، توجد فيه شباك كبيرة تستخدم في اصطياد الأسماك المتنوعة، ويحمل على متنه نحو 15 من الصيادين، ويمكن نقله من خلال حمله على متن ناقلات عبر البر إلى المناطق الذي يقصدها الصيادون في السواحل الجنوبية.
يقول التهامي لرصيف22: “مع بداية موسم الرياح في الخوخة اضطر سنوياً للنزوح نحو السواحل الجنوبية للاصطياد فيها، ثم أعود بعد انتهاء الموسم لكن هذا العام نحن نواجه مخاطر متعددة بفعل عسكرة البحر”.
ويضيف: “معظم المناطق التي تتواجد فيها الأسماك بكثافة أصبحت مناطق عسكرية ولا يمكننا الاقتراب منها. أوضاع الصيادين قاسية خصوصاً الذين ليس بمقدورهم السفر نحو السواحل الجنوبية”.
يوافقه في الرأي عضو شباب الخوخة الإعلامي محمد خادم قائلاً لرصيف22: “انعكست الأحداث الجارية في البحر الأحمر سلباً على حياة الصيادين وعائلاتهم، ففاقمت معاناتهم المتفاقمة أصلاً بفعل استمرار الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر ثماني سنوات”.
• تأثيرات بيئية خطيرة
بالإضافة إلى تأثيرات عسكرة البحر الأحمر في فقدان الصيادين مصدر دخلهم، ثمة مخاطر بيئية أخرى، إذ يقول أستاذ البيئة الدكتور الخراز بأن العمليات العسكرية لها تأثيرات بيئية سلبية كبيرة، خصوصاً عند تعرض بعض السفن للغرق، وهذا حسب ما تحمله تلك السفن، مشيراً إلى أن بعض تلك السفن قد تحتوي على مواد كيميائية خطيرة وملوثة للبيئة البحرية والكائنات البحرية.
ويضيف: “لهذا الأمر تأثيرات على مرتادي البحر من الصيادين، وكذلك على السلسلة الغذائية، خاصة أن الأسماك يمكن أن تحمل في أجسامها تلك السموم، وبالتالي عند الصيد سوف تنتقل السموم إلى السكان الذين يشترون الأسماك أو الكائنات البحرية بمختلف أنواعها، ما سينعكس سلباً على الحياة البشرية في اليمن، خصوصاً في المناطق الساحلية التي يعيش غالبية سكانها على عملية الصيد البحري”.
ويشرح بأن التلوث في البحر ينتقل بسبب وجود حركات التيارات البحرية، مما يؤدي إلى تلوث المياه وتغير خصائصها، وهذا كله ينتقل إلى الكائنات البحرية سواءً النباتية أو الحيوانية، وينتقل عبر السلسلة الغذائية إلى البشر.
وفي ظل هذه المخاطر البيئية، ينهي الخراز حديثة مشدداً على ضرورة قيام الدولة بدورها بالمحافظة على سلامة الصيادين، من خلال إلزامهم باجراءات السلامة، وضرورة الابتعاد عن أماكن تواجد السفن الحربية والتجارية وعدم الاقتراب منها، والخروج ضمن مجموعات من القوارب، والالتزام بتصاريح خروج القوارب إلى البحر.
المصدر: رصيف22