تزايد حدة الصراعات المسلحة بين القيادات الحوثية
توعد عبدالملك الحوثي زعيم المليشيا الإرهابية المدعومة من إيران بإحداث تغييرات جذرية شاملة في مؤسسات الدولة المختطفة، في محاولة منه لامتصاص حالة السخط والاحتقان الشعبي الذي يتصاعد ضد جماعته يوما بعد آخر والمتزامن مع موجة احتجاجات وتزايد وتيرة الصراع الداخلي في صفوف اجنحة المليشيا.
وأبدى زعيم المليشيا في آخر خطاب له بمناسبة ما تسمى (ذكرى استشهاد الامام زيد) مخاوفه من زيادة التصدع والانقسام وتوسع الخلافات بين اجنحة المليشيا التي تهدد بتفكك جبهتها الداخلية بالتعبير عن أمله “في أن يدرك الجميع أهمية العمل على تعزيز الاستقرار الداخلي وإفشال كل مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن تحت عناوين متعددة اجتماعية وسياسية وغيرها” – حد قوله.
ولوح زعيم المليشيا بحرب اقليمية ودولية في حال عدم الاستجابة لمطالبها، مؤكدا رفضه بقاء حالة اللا حرب واللا سلم، وهو ما اعتبره مراقبون هروبا من أزمة داخلية تعيشها الجماعة مع استمرار احتجاجات المعلمين والمعلمات للاسبوع الرابع على التوالي ومطالبات للموظفين بصرف رواتبهم المنهوبة منذ ثمان سنوات.
وتعيش مليشيا الحوثي حالة واسعة من انهيار الثقة والتخوين المتبادل بين قادة اجنحة الجماعة وكبار الموالين لها من التيارات الحزبية والعسكرية والإعلامية الأخرى والتي انتقلت من حالة الحرب الصامتة الى العلن.
ومنذ مطلع اغسطس الجاري، نشرت مليشيا إيران الحوثية عشرات المقالات والتقارير في وسائلها الإعلامية في محاولة رأَب الصَّدْع بين اجنحتها المتصارعة، محذرة من الفتنة والمؤامرة والاختراق وتفكيك الجبهة الداخلية، في الوقت الذي يتبادل جناحاها الاتهامات بالفساد وصلت إلى مستوى تبادل الشتائم والسباب العلني والاختطاف والتصفيات الداخلية.
وخلال اليومين الماضيين، وجه الصحفي عابد المهذري مدير قناة “اللحظة” الحوثية المحسوبة على جناح رئيس ما يسمى المجلس السياسي التابع للمليشيا المدعو مهدي المشاط ومدير مكتبه القيادي البارز أحمد حامد المكنى “ابو محفوظ” سيلا من الشتائم اللفظية في برنامج متلفز على الناشطين التابعين لجناح القيادي البارز محمد علي الحوثي عضو ما يسمى المجلس السياسي التابع للحوثيين.
فيما رد جناح القيادي محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى المنظومة العدلية المشرفة على جهاز القضاء عبر المحكمة الجزائية المتخصصة (غير دستورية) بأمانة العاصمة، بتكليف جهاز الأمن والمخابرات وكافة مأموري الضبط القضائي بالقبض على الناشط الحوثي “محمد حسين علي الجرموزي” المحسوب على جناح القيادي المشاط، بتهمة ما اسماها جريمة الإهانة العلنية للقضاء من خلال القول لموظف عام بسبب وظيفته القضائية، واستندت النيابة الحوثية بوقائع جارحة من خلال نشره مقاطع فيديو على الإنترنت بذلك.
واتسعت رقعة الصراعات الداخلية في صفوف اجنحة مليشيا الحوثي الإرهابية، بشكل لافت وملحوظ منذ مطلع شهر اغسطس الجاري، أسفر عنها مصرع العديد من القيادات والإطاحة بأخرى من مناصبها، في ظل احتدام مستمر للصراع.
وشهدت محافظات، صنعاء، وإب ومأرب خلال أسبوعين، 7 حوادث منفصلة بينها تصفيات بينية داخل مليشيا إيران الحوثية، مما يعكس حدة الصراع المحتدم بين أجنحة المليشيات خصوصا بين جناحي صعدة وصنعاء.
وشملت تلك الحوادث، 4 اغتيالات، واعتداء على قيادي واعتقاله في إب، ومحاصرة ثان بصنعاء، ونجاة ثالث من الموت المحقق ومقتل عدد من مرافقيه، ناهيك عن اقالات متبادلة بين المحسوبين على الجناحين واتهامات علنية متبادلة في صفوفها وصلت الى حد المحاكمة.
وفي آخر تلك الحوادث، أقدم مسلحون على نصب كمين للقيادي الحوثي “إبراهيم القشار – عميد في الامن السياسي” على خط الحتارش، شمالي صنعاء، وأطلقوا النار عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور، والقشار كان مقرباً من القيادي الحوثي يحيى الشامي، والذي توفي هو ونجله زكريا في ظروف غامضة.
والجمعة 11 اغسطس الجاري، اعتدى مسلحون حوثيون على قيادي أمني حوثي يدعى “صخر صادق حمزة” المنتحل صفة مدير أمن مديرية مذيخرة والذي يعمل والده وكيلا للمحافظة، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين فصائل حوثية في “مفرق ميتم” في شارع تعز بمديرية المشنة مدينة إب، على خلفية اتهامات لصخر حمزة بتهريب مطلوبين، وقام المسلحون باختطافه، وإيداعه سجنًا حوثيا في مركز المحافظة.
وبالتزامن، كشف القيادي الحوثي “إسماعيل الجرموزي”، عن قيام أطقم عسكرية من ما تسمى قوات الأمن الخاصة بمحاصرة منزله بصنعاء، منذ أيام، متهما وزير داخلية الحوثيين، عبدالكريم الحوثي، بارسال هذه الأطقم على الرغم ان نجله الوحيد “مجاهد” يقاتل في صفوف المليشيا منذ سبع سنوات.
وقال الجرموزي، الذي كان مُعيناً من المليشيا مديراً عاماً للمراجعة الداخلية بوزارة الأوقاف والإرشاد سابقًا، إن الأطقم العسكرية مدججة بالأسلحة، وبحوزتهم اوامر بالقبض القهري عليه، واصفا اياهم بـ”دولة الأوغاد”، على خلفية مطالبته برواتب الموظفين، وتسريبه وثائق تثبت الفساد المهول الذي تمارسه اجنحة داخل الجماعة.
والخميس 10 أغسطس، نجا بأعجوبة قيادي وشيخ قبلي موال لمليشيا الحوثي الإرهابية يدعى “نبيل حسين زوقم” ويكنى بـ”أبو حسين” من محاولة اغتيال من قبل مسلحين مجهولين اثناء مروره في شارع الستين وسط صنعاء، فيما اصيب عدد من مرافقيه والحقت اضرار بسيارته، قبل أن يلوذ الجناة بالفرار الى جهة مجهولة.
المليشيا الحوثية، حاولت تفنيد الحادثة على أنها شائعة، نافية وقوعها عبر تصريح أدلى به القيادي الحوثي “زوقم” للمركز الاعلام الأمني التابع لوزارة داخلية الحوثيين، إلا أن ما يؤكد وقوع الحادثة استحداثها عشرات نقاط التفتيش في صنعاء عقب الحادثة التي تأتي ضمن الصراعات البينية بين جناحي صعدة وصنعاء، حيث سبق ان وجه القيادي “زقوم” اتهامات علنية لقيادات حوثية بارزة في المجلس السياسي الاعلى التابع للمليشيا بالفساد.
وقبلها بيومين، اغتالت عناصر الأمن الوقائي التابع للحوثيين، في ساعات متأخرة من الليل، الشيخ القبلي حسن صالح الراعي، بعد تعقبه في مديرية بني الحارث شمالي صنعاء، ونقله بعد الحادث إلى مستشفى “يوني ماكس” التابع لاحد قيادات المليشيا، زاعمة ان سبب الحادثة إطلاق عيار ناري من سلاحه الشخصي أثناء قيامه بتنظيفه، في الوقت الذي نفى أقارب الضحية هذه المزاعم، مؤكدين انه تعرض لعملية اغتيال آثمة وضلوع قيادات حوثية في مقتله كان على خلاف معها.
وفي 4 أغسطس، أقدمت قيادات حوثية تنحدر من محافظة صعدة (معقل المليشيا الرئيس) على تصفية القيادي الميداني البارز المدعو “ناجي ضيف الله الأمير” المنحدر من محافظة مأرب بعد تصاعد خلافاتها معه بقصف تجمع له مع آخرين بالطيران المسير التابع لها في جبهة الجوبة، جنوبي مدينة مأرب، حيث رصدت المليشيا تحركات القيادي “الأمير” واستهدفته مستغلة اندلاع معارك عنيفة، بين المليشيات مع القوات الحكومية لتصوير حادث مقتله كأنها وقعت خلال المواجهات.
وجاء الحادث مع آخر مماثل في سياق الصراعات الميدانية بين اجنحة مليشيا الحوثي في جبهة مأرب، أودت بحياة القيادي “صالح شملول” المكنى “أبو صالح”، والمنحدر من مديرية المراشي بمحافظة الجوف، في اشتباكات مع قيادي حوثي آخر في جبهة رغوان شمالي غربي مأرب.
وسجل الصراع الداخلي الحوثي مؤخرا تطورا شمل إقالة عدد من قياداتها المحسوبين على جناح صنعاء وإب من مناصبهم لصالح جناح صعدة كان آخرها إقالة “ابو رداد المجهلي”، قائد ما تسمى النجدة بمحافظة صنعاء، و”محمد علي الشامي” مدير الوحدة التنفيذية لكبار المكلفين بمصلحة الضرائب الافتراضية بصنعاء.
وتزايدت الصراعات المسلحة بين القيادات الحوثية مع بروز أجنحة متعددة داخل المليشيا المدعومة من إيران. ويتسابق جناح صعدة من جهة وجناح صنعاء من جهة أخرى، في التصفيات والتخلص من القيادات المحسوبة على الجناح الآخر في سياق حملة تطهير متبادلة داخل المليشيات الحوثية، تصاعدت وتيرتها مع المفاوضات لاجنحة المليشيا المتعددة مع السعودية، وتعود دوافع غالبية تلك الصراعات للخلاف على المكرمات والأموال والمناصب والنفوذ والمنهوبات.