خبراء: مليشيا الحوثي تدفع القطاع المصرفي إلى الهاوية
مرحلة جديدة من رحلة المخاطر التي عاشها القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني بشكل عام في اليمن للعام التاسع على التوالي، تواجه الآن القطاع المصرفي، مع إقرار سلطات جماعة الحوثي قانون منع الفائدة تحت مسمى محاربة التعاملات الربوية في البنوك والمصارف.
ومررت ميليشيا الحوثي مشروع قانون يمنحها حق الاستحواذ والسيطرة على جميع الودائع المصرفية في البنوك التجارية والإسلامية والقضاء على ما تبقى من هامش للاقتصاد الوطني المنهار.
وتجاهلت مليشيا الحوثي الاعتراضات من قبل القطاع الخاص وجمعية البنوك في صنعاء، بعد أن رفضتا بشدة تمرير هذا القانون المخلّ بحق القطاع المصرفي، والذي يحظر جميع أنواع الفوائد على الودائع والقروض وخطابات الاعتماد والضمان البنكية.
ومن شأن هذه الخطوة دفع البنوك والمصارف إلى حافة الإفلاس، عبر سحب العملاء لودائعهم من البنوك والمصارف، وتكريس عملية الانفصال الاقتصادي والمصرفي، كون البنوك ستستمر بالعمل عليها في المناطق التي تديرها الحكومة، وهو ما سيؤدي إلى انقسام تام للقطاع المصرفي والمالي في البلاد.
وفي محاولة لاحتواء موقف البنوك الرافض لهذه الخطوة وثني البنوك عن وقف معارضتها لهذا القانون، التقى مهدي المشاط رئيس ما يسمى بالمجلس السياسية الأعلى التابع للحوثيين، بقيادة جمعية البنوك.
وقال اقتصاديون إن هذا اللقاء يأتي من أجل استكمال تمرير القانون وتنفيذ المساعي الحوثية الرامية لتقويض القطاع المصرفي، عبر إيجاد مسوغات قانونية تشرعن لهم عملية الاستيلاء على أموال المودعين، وتخلي مسؤوليتهم القانونية تجاه حقوق الناس.
بينما ترى مصادر خاصة تحدثت لـ”المصدر أونلاين”، أن مليشيا الحوثي تسعى من وراء إصدار هذا القانون إلى منع البنوك والمصارف من الاستثمار مجددا في البنك المركزي اليمني بعدن.
وقالت المصادر إن هناك توجه للبنك المركزي في عدن لإعادة تفعيل أدوات السياسة النقدية، وفتح الاستثمار بأدوات الدين العام، والاكتتاب، وأذون الخزانة والصكوك الإسلامية، بهدف السيطرة على المعروض النقدي.
وأوضحت المصادر أن من شأن الخطوة أن تدفع البنوك التجارية والإسلامية، للتجاوب مع البنك المركزي والشروع في الاكتتاب والاستثمار في السندات والصكوك، لا سيما وأن البنك المركزي اعتمد نسبة فوائد عالية، تتراوح ما بين 18 إلى 20 بالمئة من قيمة الاكتتاب.
وقالت جمعية البنوك اليمنية في مذكرة سابقة، إن الأجدر بجماعة الحوثي أن تتلمس واقع النظام المصرفي بكافة جوانبه، وتقيم الآثار السلبية والخسائر التي لحقت بالبنوك والقطاع المصرفي خلال السنوات الماضية.
وأضافت الجمعية أن القرار الحوثي سيزيد من تعقيد الأوضاع، ويضاعف التحديات والخسائر بالقطاع المصرفي، والاقتصاد اليمني بصورة عامة.
ومما يضاعف الأعباء على الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي، أن الاقتصاد اليمني يعتمد في تلبية احتياجاته الغذائية ومستلزمات الإنتاج على التجارة الخارجية، بالإضافة إلى النقد الأجنبي من خلال تحويلات المغتربين وتلك العمليات التجارية التي تتم من خلال الاعتمادات المستندية والتي تقوم البنوك المحلية بتغطية حساباتها في الخارج لتمويل الواردات.
وقالت جمعية البنوك، إن لهذا القرار عواقب وخيمة، حيث يأتي في توقيت حرج للغاية، في ظل غياب للاستقرار السياسي والاقتصادي بالبلد، إضافة إلى أنه يأتي في ظل وجود ديون واستحقاقات متراكمة بمبالغ ضخمة حالية بتعاملات بنكية ستصبح ممنوعة وهي تستدعي السداد قبل التحول الفوري، في الوقت الذي تفتقر فيه الحكومة وبقية القطاعات للأموال اللازمة لتصفية هذه الديون.
كما أنه يأتي في ظل تزايد حاجة البلاد إلى القروض والمنح الخارجية لدعم الاقتصاد اليمني والإعمار.
وتمر معظم البنوك بمرحلة صعبة وتعاني من اختلالات جمة، ومن شأن تطبيق قانون منع الفائدة من قبل الحوثيين أن يدفع هذه البنوك إلى حافة الإفلاس أو إلى مغادرة البلاد إلى الخارج.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الحميد المساجدي، لـ”المصدر أونلاين” إن مليشيا الحوثي منذ انقلابها على الشرعية أجرت عدداً من التعديلات الكارثية على المنظومة القانونية بما يعزز من الانقسام ويؤسس لنظام عنصري انفصالي، في بعض مناطق شمال اليمن، وستؤثر بشكل سلبي على حياة المواطنين وعلى رأس المال عموما.
وأوضح المساجدي في تصريح للمصدر أونلاين، أن من بين هذه التعديلات أقرت المليشيات تعميماً تحت مسمى “قانون منع المعاملات الربوية”، والذي يتعارض مع الدستور اليمني، ومع 14 قانوناً نافذاً صدرت خلال العقود الماضية، إلى جانب أن مشروع القانون (شطري)؛ لأنه يخص المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي.
وأكد المساجدي أن المرسوم الحوثي سيقضي تماما على العمل المصرفي وعلى البنوك، وسيجعل من الدكاكين والبقالات أكثر أهمية من البنوك، كون هذه الأخيرة لم يعد لديها ما تبيع بعد إجبارها على تقديم خدماتها بشكل مجاني، إذ أن المرسوم الحوثي يحرم الفوائد على الودائع والقروض والسندات وخطابات الضمان، والاعتمادات المستندية، والمزارعة والمشاركة والمرابحة والاستصناع، وستشمل التداعيات الكارثية كافة القطاع المصرفي سواء كان تجاري او اسلامي.
وطبقا للمساجدي، فإن الغرض من هذا التعميم نهب أموال الناس بالباطل، وتدمير العمل المصرفي والاقتصاد بشكل عام، في إطار استكمال الخطوات التي اتخذت سابقاً بغرض مصادرة أموال البنوك حيث تم تجميد مبلغ 1.7 تريليون ريال يمني، وهي إجمالي استثمارات البنوك التجارية في الدين الحكومي خلال السنوات الماضية.
من جانبه أشار الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، إلى أن تطبيق قانون الحوثيين الجديد لإلغاء الفائدة في اليمن قد يؤدي إلى فصل كامل بين القطاعين المصرفي والمالي، مما يؤدي إلى صعوبات في إجراء معاملات مصرفية وتجارية سلسة وتراجع الثقة في النظام المصرفي.
وأعرب العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك جمعية الصرافين اليمنيين والغرف التجارية، عن مخاوفهم بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة بهذا القانون.
وحذر العوبلي في حديث لـ”المصدر أونلاين” من أن إلغاء الفائدة على الودائع بموجب هذا القانون قد يزيد من عدم اليقين بشأن العائدات المالية المتوقعة للعملاء، ويعيق قدرة البنوك التجارية على تقديم تسهيلات ائتمانية للأنشطة التجارية.
وأشار إلى أن هذا القرار قد يكون خدعة من قبل الحوثيين للاستيلاء على أموال المودعين ومزاياهم مع السماح لهم أيضًا بالاطلاع على المعاملات التجارية، مما قد يعرض الأطراف للمضايقة والابتزاز والاستغلال.
وفي نهاية المطاف، يعتقد العوبلي أن هذا القانون يمكن أن يكون له عواقب سلبية على الاقتصاد اليمني من خلال تفاقم الأزمات الإنسانية القائمة، وتقسيم القطاع المصرفي والمالي بشكل أكبر، والحد من فرص النمو الاقتصادي.
المحل الاقتصادي فارس النجار قال إن القانون الحوثي يؤثر بشكل كبير جدا على القطاع المصرفي اليمني، كونه لا ينسجم مع القرارات الدولية ولا النظام المصرفي العالمي، مشيرا إلى أنه يهدف بدرجة رئيسية للاستيلاء على حقوق العملاء والمودعين.
وأشار إلى أن 90% من استثمارات البنوك اليمنية، هي استثمارات في أذون الخزانة والدين العام للحكومة، وهي مبالغ كبيرة، تسعى مليشيا الحوثي للسيطرة عليها.
وأوضح في تصريح لـ”المصدر أونلاين” أن إجمالي الاستثمارات تبلغ وفقا لإحصائيات رسمية صادرة عن البنك المركزي في عدن، 3,7 ترليون ريال، ناهيك عن الفوائد لهذه الاستثمارات التي تراكمت على مدى ثمانية أعوام.
ويرى المحلل الاقتصادي النجار أن مليشيا الحوثي استولت منذ سيطرتها على البنك المركزي بصنعاء على كافة مدخراته، ولم تدفع فوائد استثمارات البنوك، في أذون الخزانة، كما لم تسمح للمودعين بسحب أموالهم وودائعهم المالية لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء.
وأشار إلى أن مليشيا الحوثي تسعى عبر هذا القانون إلى شرعنة عملية النهب والسيطرة على هذه الأموال التي استثمرتها البنوك التجارية في أذون الخزانة وأدوات الدين العام للحكومة في البنك المركزي على مدى السنوات الماضية منذ ما قبل الحرب.
واعتبر النجار أن من شأن هذا القانون أن يتسبب في أضرار كبيرة، حيث سيؤدي إلى عزل اليمن عن العالم الخارجي وضرب القطاع المصرفي، وإطلاق رصاصة الرحمة عليه، خصوصا وأن القطاع المصرفي ما يزال قطاعاً ناشئاً في اليمن. كما سيمهد لهيمنة منشآت شركات الصرافة التي تديرها قيادة المليشيا على النشاط المصرفي في البلاد، على حساب القطاع المصرفي الرسمي.
ومنذ بداية الحرب، تعرض القطاع المصرفي الرسمي للعديد من المتغيرات، التي أثرت على أدائه، وحدت من قدرته على الإيفاء بالتزاماته تجاه العملاء والمواطنين، وهو ما كان له تأثير سلبي على تراجع نشاطه، لصالح تمدد وانتشار شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية، الغير مرخصة، والتي استحوذت على النسبة الأكبر من النشاط المالي في البلاد.
وكانت إدارة البنك المركزي في صنعاء، التابعة للحوثيين، قد جمدت كافة استثمارات البنوك التجارية، ولم تستطع الوصول إليها، وهو ما أثر على تراجع نشاطها وعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين والمودعين.
وأدى استمرار هذه الاختلالات، إلى انعدام الثقة بالجهاز المصرفي، وبقي البنك المركزي بصنعاء، يتحكم بأرصدة البنوك والمصارف، وأدوات السياسة النقدية مثل أدوات الدين العام، وأرصدة الحسابات الجارية للبنوك، والاحتياطي الإلزامي لها.