ارتفاع أسعار الأسماك في عدن بجنوب اليمن يفاقم معاناة السكان (تحقيق)
اعتادت اليمنية أم صابر شراء السمك كوجبة غداء لا يستغني عنها أولادها الأربعة إلا أن الارتفاع الحاد في أسعار السمك في مدينة عدن الساحلية حرم أولادها من هذا الطبق اليومي.
وتشهد عدن، وهي عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا، أزمة كبيرة في المعروض من الأسماك مع اختفاء كثير من الأصناف وبالتالي ارتفاع أسعارها بنسبة 100 بالمئة ليتراوح بعضها بين 12 و15 ألف ريال يمني للكيلو الواحد (10-12 دولارا).
ويمثل سمك التونة أبرز الأنواع التي تعتمد عليها غالبية الأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود كوجبة رئيسية نظرا لأنه أقل سعرا.
وقالت أم صابر (50 عاما)، وهي موظفة في مؤسسة حكومية بعدن وأرملة، وعلى ملامحها الغضب “لم أتوقع يوما أن يختفي الثمد (سمك) من وجبة الغداء التي نعتمد عليها منذ سنوات بشكل أساسي، ليأتي ارتفاع أسعار الأسماك ليكمل على ما تبقى لدينا من صبر”.
ووجهت أم صابر وهي أرملة رسالة للرئاسة والحكومة المدعومة من السعودية قائلة “خافوا الله. التفتوا لما يعانيه الشعب من أزمات متتالية… أولادنا جاعوا… جعنا، يكفي هبوط قيمة الريال قتلنا، وأصبحنا عاجزين عن توفير متطلبات الحياة الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار والغلاء كبير”.
استمرار التهريب
يرجع يمنيون، يعيشون في جنوب بلد ممزق ومنقسم بسبب حرب مستعرة منذ ثماني سنوات، ارتفاع سعر الأسماك إلى استمرار تهريبه للدول المجاورة وخصوصا السعودية وسلطنة عمان رغم صدور قرار حكومي قبل عام يمنع تصدير بعض الأصناف المهمة.
وذكرت مصادر محلية ومتعاملون في تجارة الأسماك بعدن لرويترز أن عمليات تهريب الإنتاج السمكي لدول الخليج وتحديدا السعودية وسلطنة عمان، تعد المعضلة الأهم وراء زيادة الأسعار.
وأوضحت المصادر أن معظم الإنتاج السمكي من خليج عدن يُهرب عبر ثلاث مراحل إلى السعودية وعمان، وتبدأ المرحلة الأولى بنقل الشحنات إلى منطقة شقرة الساحلية بمحافظة أبين على بحر العرب (130 كيلومترا شرقي عدن) ثم تنقل إلى مدينتي المكلا وسيئون بحضرموت ثم إلى الغيضة عاصمة محافظة المهرة الحدودية مع عمان كمرحلة ثالثة.
وتشبه مصادر أمنية وصيادون تهريب الأسماك بتجارة المخدرات إذ يسلك سائقو الشاحنات طرقا بعيدة عن أنظار نقاط الأمن في معظم الأوقات.
تقصير حكومي
في 24 ديسمبر كانون الأول 2021 أصدر سالم السقطري وزير الزراعة والري والثروة السمكية في الحكومة المعترف بها دوليا قرارا بمنع تصدير بعض أصناف الأسماك الطازجة إلى الخارج، خاصة إلى السعودية ودول الخليج، وذلك لشحها في الأسواق المحلية وارتفاع أسعارها بهدف تخفيف الأعباء على المواطنين.
وأكد السقطري لرويترز أن قرار منع تصدير بعض الأصناف المهمة من الأسماك مُطبق منذ أكثر من عام.
وأضاف أن “مسؤولية الأسعار وضبطها مسؤولية عامة، فهناك سلطات مخولة بالقانون لضبط حالة الأسعار وسلامة المواد والأغذية، فضلا عن سلطات محلية بالمحافظات ووزارة الصناعة والتجارة، وأجهزة كثيرة مرتبطة بالصحة والغذاء والكل مكمل بعضه”.
يقول صيادون محليون إن أسعار الأسماك زادت إلى الضعف بسبب قلة حصيلة الصيد نتيجة سوء الأحوال الجوية والمخاطر التي يتعرض لها الصيادون أثناء عمليات الصيد، وكذا ارتفاع أسعار الوقود الخاص بمراكب الصيادين والنقل مما قلص هوامش ربحهم. ويفضل كثيرون إرسال حصيلة صيدهم للخارج مقابل العملة الصعبة.
وقال الصياد هديل محسن صالح (45 عاما) في عدن لرويترز إنه يخاطر بحياته من أجل الصيد الذي يقتات منه لإطعام أسرته “بسبب الرياح الشديدة والأمواج العاتية التي أوقفت الصيادين بشكل كلي خلال الفترة الماضية، لكن هناك أياما تتحسن خلالها حركة الرياح وتكون خفيفة”.
وأضاف “ما أحصده من الصيد أبيعه بالسوق مع احتساب تكاليف الوقود وغيرها من أدوات رحلة الصيد، لكن من يشتري منتوج الصيادين من التجار والباعة يعملوا على رفع الأسعار للمستهلك بصورة مبالغ فيها وذلك لتحقيق أرباح كبيرة”.
وتابع صالح “نحن نغامر في ركوب هذه الأمواج وتخطي الرياح الشديدة، ونذهب لمصير مجهول فقد نعود إلى الشاطئ الذي ذهبنا منه، أو يلتهمنا البحر ونموت .. هذا حال الصيادين هذه الأيام”.
فيما قال خالد حسين أحمد (50 عاما) وهو موظف حكومي في عدن لرويترز “الآن يصل الكيلو بين 10 و12 ألف (ريال) مما يحرمنا من توفير الوجبة الرئيسية المعتمدة على الأسماك لإطعام أسرتنا”.
وأضاف “كنا نشتري نصف الكيلو من سمك التونة بستة آلاف، بعدما كنا نأخذ نفس الكمية بألفين ريال العام الماضي… هذه مصيبة من المصائب حلت على سكان عدن لم نشهدها من قبل في حياتنا”.
وأمر رئيس مجلس القيادة الرئاسي باليمن رشاد العليمي يوم الأربعاء الحكومة بتشكيل لجنة حكومية لتفعيل الدور الرقابي وضبط أسعار الأسماك والأحياء البحرية.
وتشكل عائدات الصادرات السمكية مصدرا مهما لدخل اليمن من العملات الأجنبية، والقطاع السمكي من القطاعات الإنتاجية المهمة في اليمن إذ يحتل المركز الثاني في الناتج المحلي الإجمالي بعد النفط.
ويمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2500 كيلومتر غني بالأسماك والثروة البحرية. وتشير التقديرات والبيانات الرسمية إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية كان يبلغ سنويا حوالي 200 ألف طن قبل اندلاع الحرب مطلع العام 2015، إذ تم تصدير ما بين 40 إلى 50 بالمئة من هذا الإنتاج، مما أدر عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار، غير أنه ومنذ اندلاع الصراع في 2015، انخفض حجم الإنتاج للنصف.