الهدنة فى اليمن.. هل تتحول إلى سلام دائم؟
يقف اليمن على أعتاب محطة أساسية من محطاته، بين إدامة الهدنة والسلام أو استمرار الأزمة واستئناف الحرب. خلال الأيام المقبلة، سوف يتعين على أطراف الصراع تحديد مواقفهم من تمديد الهدنة للمرة الثالثة لمدة شهرين آخرين أو رفض تمديدها، وإذا تم التمديد فسيعنى ذلك أن الهدنة والسلام المؤقت قد سادا ربوع اليمن لنحو نصف عام تقريباً، وهى أطول فترة لوقف القتال منذ بدء الحرب، التى مضى عليها ثمانى سنوات حتى الآن. وعلى الرغم من عشرات –وربما مئات- الاختراقات للهدنة من جانب الحوثيين بالأساس، إلا أن الطرفين استمرا فى التمسك بها رسمياً.
فهل يرفض الحوثيون تمديد الهدنة للمرة الثالثة أم يقبلوا بتمديدها فى النهاية؟ فعلى الرغم من إصدارهم بياناً فى 15 يوليو الحالى، أعلنوا فيه رفضهم الضمنى لتمديد الهدنة، معتبرين أنها «مثلت تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها فى المستقبل»، إلا أنه من الصعب أن يبقى ذلك هو الموقف النهائى لهم، والأرجح أن الأيام المقبلة سوف تشهد تغيراً فى موقفهم ليتجهوا إلى قبول تمديد الهدنة فى النهاية، ليس لأنهم أصبحوا أكثر اقتناعاً بالتسوية، أو لأنهم باتوا يرون أن السلام فى مصلحتهم الآن، وإنما لاعتبارات أخرى كثيرة.
حسابات الحوثيين
يقف على رأس الحسابات المؤثرة على قرار الحوثيين بقبول تمديد الهدنة أو عدم تمديدها، عدم القدرة على تحمل تبعات الرفض؛ فلقد ولّد استمرار الهدنة لأربعة أشهر -وتمديدها مرتين متتاليتين حتى الآن- آلية دفع ذاتية، نشرت الاطمئنان باستقرار الأوضاع اليمنية فى الأوساط الدولية، وغلّبت الشعور بأن الأزمة بدأت تأخذ طريقها نحو التسوية. لذلك، فإن من يتسبب فى قطع هذا المسار، سوف يتحمل تبعاته ونتائجه. وإذا كانت المواجهات العسكرية السابقة قد راكمت موقفاً دولياً متعاطفاً بخصوص الجوانب الإنسانية من الحرب، وجرى توجيه الكثير من الانتقادات إلى التحالف العربى بالأساس خلال السنوات الماضية، فإن عدم قبول الحوثيين تمديد الهدنة سوف يقوض التعاطف معهم ويحملهم المسئولية عن كل ما يجرى تالياً فى مسار الحرب.
وعلى الرغم من أن استمرار الحرب ليس فى مصلحة التحالف العربي، إلا أن إقدام الحوثيين على تبنى قرار برفض الهدنة سوف يصب (سياسياً) فى مصلحة موقف التحالف، ويجعل الحوثيين فى وضع لا يحسدون عليه. فقد أصبحت آلية الدفع الذاتية التى اكتسبتها الهدنة أقوى من أى آلية دفع أخرى نحو التسوية، وبعد أربعة أشهر من توقف المعارك نشأ مزاج دولى يعتبر أن تسوية الأزمة اليمنية باتت مسألة وقت، ولم يعد العالم مستعداً لتحمل تفجر الأوضاع فى اليمن مجدداً، فى ظل أزمة دولية عاصفة فى أوكرانيا، بكل ما ترتب عليها من خسائر لحقت باقتصادات العالم، وبما يعرفه المجتمع الدولى من تأثير تجدد الحرب فى اليمن على أسعار النفط، مع احتمال عودة الحوثيين لتوجيه صواريخهم وطائراتهم المسيرة إلى المنشآت النفطية فى العمق السعودي، لذلك فإن رفض الحوثيين للهدنة واستئناف الحرب، سوف يظهرهم أمام المجتمع الدولى باعتبارهم الطرف الذى خرج على التسوية بشكل صريح وتسبب فى عودة المعارك.
والدافع الآخر لترجيح قبول الحوثيين تمديد الهدنة، هو أنهم كانوا الرابحين الأساسيين منها حتى الآن؛ فلقد تضمن اتفاق الهدنة، الذى جرى إقراره فى 2 أبريل 2022، أربعة بنود، تضمنت الثلاثة الأولى منها فى الأغلب مصالح للحوثيين، وهى: وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، ودخول 18 سفينة من سفن المشتقات النفطية خلال شهرى الهدنة إلى موانئ الحديدة، وتشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعياً إلى صنعاء ومنها خلال شهرى الهدنة إلى المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية. أما البند الأخير، والذى كان يفترض أن يحقق مصلحة الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الجديد والتحالف العربى ويتضمن التزاماً حوثياً محدداً، فهو الخاص بفتح طرق فى تعز وغيرها من المحافظات، لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتنقلاتهم، وهو الشرط الذى لم ينفذه الحوثيون.
ويدخل فى حسابات الحوثيين أيضاً، ضمن الدوافع التى ترجح احتمال انتهائهم إلى القرار بتمديد الهدنة، الصلة الوثيقة بين تمديد الهدنة وجولات المحادثات بين السعودية وإيران، وهى المحادثات التى حققت بعض النجاح، لكنها لا تزال فى منتصف الطريق. وتعتبر المحادثات بين المملكة وإيران من أكثر العوامل التى تجعل القرار الحوثى بشأن رفض الهدنة أو قبولها مقيداً، ليس فقط للدعم العسكرى السياسى الذى يتلقاه الحوثيون من إيران، والذى يرجح أن يتأثر بنتائج تلك المحادثات، وإنما لأن استئناف الحرب -فى ظل المحادثات- سوف يفرض على القرار الإيرانى حسابات معقدة، وفى ظل استمرار تعليق محادثات الاتفاق النووى مع إيران، فإن رفض تمديد الهدنة يعنى تعريض محادثات إيران مع السعودية للضرر.
ويضاف إلى ما سبق، أنه لا جديد فى خيارات الحوثيين؛ فماذا يمكن أن يجنوه من قرارات بتوجيه صواريخهم ومسيراتهم إلى المدن والمنشآت النفطية السعودية أكثر مما حققوه فى السابق، خاصة أن ضرباتهم سوف تؤدى على الأرجح إلى تعظيم أصول الرياض عالمياً.
مسار مضاد
مع كل ما سبق، فإن رفض الهدنة واستمرار الحرب يعني، وفقاً للرؤية الحوثية، استمرار الزخم للمشروع الحوثي، بما خلقه من حالة سياسية مذهبية جديدة على أجزاء من شمال اليمن، ويصعب تحويل جماعات الزخم المذهبى السياسى «الجهادية» من هذا النوع إلى جماعات مدنية مؤمنة بالدولة الوطنية، فالمشروع الحوثى ليس مشروع دولة، وإنما هو مشروع ترافق أكثر مع حالة التفكيك والتجزئة، وهذا أهم ما يعترض طريق الدولة فى اليمن. كما يتبدى دافع آخر للحوثيين لرفض الهدنة، من أن مرور الوقت يعنى مزيداً من المكاسب للحكومة اليمنية الشرعية ومجلس القيادة الجديد، ومن ثم التحالف العربي. ويعنى أيضاً المضى قدماً فى مشروع إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن والأجهزة الاستخباراتية بموجب إعلان نقل السلطة، ومن ثم تكريس إمكانات الشرعية فى معركة استعادة الدولة وحماية مكاسب التوافق الوطنى فى حال تجدد الحرب والمعارك. وسوف تشير الأيام المقبلة إلى أى الحسابات سوف يرجحها قرار الحوثي.
عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية