تحقيق: الحوثيون يستغلون الاتصالات للاحتيال والتجسس وينهبون إيراداتها
كشف تحقيق اسـتقصائي ميداني أن المؤسسة العامة للاتصالات في صنعاء تعيش “واقعاً كارثيا” من حيث “الأداء المهني”، و”المسئولية الأخلاقية” تجاه المواطنين الذين تصلهم خدمات المؤسسة، في ظل سيطرة ميليشيا الحوثي عليها للعام السابع على التوالي، منوهاً إلى أن المشتركين يتعرضون للسرقة والتجسس لخدمة سلطة الانقلابيين الحوثيين.
وحسب التحقيق الموسع الذي أعدته منصة “صدق” اليمنية، فإن سلطة الميليشيا تجني مبالغ خيالية من عائدات المؤسسة التي تحتوي على عدة شركات منها؛ (يمن موبايل، تيليمن، وشبكات الهاتف الثابت واللاسلكي)، كما تستغلها لتنفيذ أجندتها، والاحتيال على المستخدمين.
وذكر التحقيق أن “المؤسسة بدأت إجراءاتها التعسفية ضد حرية المواطنين، وبدأت جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسة بالتراجع حتى بلغت أدنى مستوياتها خلال فترة الحرب التي تعيشها اليمن منذ العام ٢٠١٤م وسيطرة جماعة الحوثي على الدولة”.
ووفق موقع “سبيد تست” فقد تراجع تصنيف اليمن لتصبح من الدول الأسوأ في معدل قياس سرعة الإنترنت حيث تحتل المركز 174 من أصل ١٧٨ دولة، كما تعتبر أغلى دولة في سعر الميجا بايت الواحد على مستوى الوطن العربي، كما حصلت على المركز الأول من حيث كميات الحجب في الشرق الأوسط حسب تقرير KeepItOn.
إيرادات المؤسسة العامة للاتصالات
تتجاوز إيرادات مؤسسة الاتصالات الخاضعة لسيطرة الحوثيين “140” مليار ريال يمني سنويا (240 مليون دولار أمريكي)، من خدمة الإنترنت فقط، وفقاً “للتحقيق الذي أجرته المنصة المهتمة بكشف الشائعات، ما يعني أن سلطة الميليشيا جنت خلال السنوات السبع الماضية “980” مليار ريال يمني من خدمة الإنترنت دون الخدمات الأخرى التي تقدمها المؤسسة.
واتهم التحقيق مؤسسة الاتصالات بـ “التورط في عمليات فساد وتلاعب بإيراداتها، وتوجيهها لجهات غير قانونية”، مشيراً الى أن “المؤسسة قامت بحذف جميع التقارير والإحصاءات السابقة التي توضح عدد المستخدمين وحجم الأرباح التي تحصل عليها، كما أنها لم تنشر ذلك على موقعها الرسمي”.
وأكد رفض العاملين في المؤسسة الإجابة على أين تذهب هذه الإيرادات الضخمة التي تجنيها من المستهلكين طوال العام، رغم قيام فريق العمل بالزيارة الميدانية الى مقر المؤسسة الرئيسي في صنعاء.
وأشار التحقيق الى أن عدد المستخدمين في المؤسسة العامة للاتصالات تجاوز ثمانية ملايين خلال 2021 وهو ما يمثل نسبة 27٪ من إجمالي عدد السكان. وأضاف متسائلاً أين تذهب مبالغ الاشتراكات لهذا العدد الضخم من المستخدمين؟.
وطالب المؤسسة بـ “إصدار تقرير واضح حول حجم إيراداتها، وأين تذهب هذه الإيرادات، وإلا ستكون متورطة بممارسة الفساد، والعبث بمقدرات الدولة، وتسخيرها للمصالح الشخصية، ولتمويل الصراع والحرب على حساب المواطن”.
احتيال على المستخدمين
في استطلاع للمنصة حول خدمات الإنترنت في اليمن، وما إذا كان مزودو خدمات الإنترنت يحتالون على عملائهم؛ كانت أبرز الاتهامات التي وجهها السكان كالاتي: ” سرقة الرصيد، والتلاعب بالسرعات، وزيادة أسعار الباقات، وحجب بعض التطبيقات والألعاب والمواقع من أجل زيادة حجم الاستخدام، وبيع نقاط الانترنت في السوق السوداء”.
وأظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته المنصة على وسائل التواصل أن 85% من السكان يشكون من سرقة شركات الاتصالات والانترنت لرصيدهم، ونفى ١٥٪ من المشاركين ذلك، بينما أظهرت نتائج الاستطلاع الميدانية أن 70٪ يعتقدون أن مزودي خدمات الإنترنت يسرقون رصيدهم، بينما يعتقد 20٪ أنهم لا يتعرضون لعمليات سرقة، ووقف 10٪ منهم على الحياد.
وفي شهادته للتحقيق قال المهندس (م.ح.ع) وهو أحد ملاك الشبكات المحلية، أنه قام بفصل المودم في المساء ليتفاجأ بفقدان أكثر من 5 جيجا في الصباح دون أي استخدام، وكذلك أوضح (ع.م.ع) أنه تعرض لحادثة مشابهة.
من جانبه اتهم أحد ملاك الشبكات (ب.س.ق) أن “يمن نت” قامت بسرقة 15 جيجا من رصيده أثناء احتدام المعارك التي خاضتها جماعة “الحوثي” في مأرب بشكل مفاجئ، متهماً الشركة بتمويل معارك “الحوثيين”.
وفيما يخص التلاعب بسرعة الانترنت قالت المنصة إنها اجرت عدة اختبارات في عدة محافظات وبأوقات مختلفة فتبين أن الشركة تحتال على المواطنين وأن السرعة الحقيقة أقل من نصف السرعة التي من المفترض أن يحصل عليها المشترك.
وبشأن زيادة أسعار الباقات والاشتراكات قالت النقابة الوطنية للشبكات؛ إن يمن نت قامت في منتصف العام 2019م بزيادة أسعار باقات الإنترنت بنسبة تصل إلى 130٪، كما قامت بإلغاء اشتراكات الباقات الذهبية والتي كانت تأتي برصيد تحميل غير محدود، كذلك قامت بتقليص فترة السداد من شهر إلى 10 أيام فقط؛ بحيث إذا لم يتم التجديد فسيتم خصم الرصيد كاملاً، الأمر الذي أدى إلى استياء واسع بين المشتركين.
وأكد التحقيق الاستقصائي أن يمن نت قامت خلال السنوات الماضية بحجب أعداد كبيرة من المواقع الإخبارية على محركات البحث، كما حجبت العديد من التطبيقات، الأمر الذي أجبر المواطنين على الاستعانة ببرامج كاسرة للحظر لزيارة هذه المواقع والتطبيقات ما يزيد من كثرة استهلاك الرصيد، وهذا نوع اخر من احتيال المؤسسة على المواطنين.
عجز “يمن نت” وازدهار السوق السوداء
على الرغم المبالغ الكبيرة التي تجنيها المؤسسة الخاضعة للحوثيين الا أنها لا زالت عاجزة عن تغطية احتياجات المواطنين، حيث يبلغ إجمالي الخطوط الأرضية التي قامت الشركة بإيصالها للمواطنين- حسب موقع وزارة الاتصالات اليمنية- مليون ومائتا ألف خط فقط، بينما عدد المشتركين تجاوز 8 ملايين.
ويستخدم ما يقارب من خمسة ملايين مواطن الإنترنت بواسطة الشبكات التجارية، وهو ما يمثل نسبة 62.5٪ من إجمالي المستخدمين، والشبكات التجارية عبارة عن مشاريع يستثمر فيها بعض المواطنين بحيث يقومون بالاشتراك في خدمات الإنترنت عبر “يمن نت” -المزود الوحيد لخدمات الانترنت في اليمن- ثم يقومون بإعادة بث الإنترنت إلى المواطنين عبر أجهزة بث أخرى، وفق التحقيق.
ويشكو المواطنون من صعوبات بالغة يواجهونها في الاشتراك بخدمات الإنترنت؛ حيث أن عدد الخطوط المتاحة قليلة جداً، وتباع بصعوبة بالغة، بل إن النقابة الوطنية لملاك الشبكات تتهم الوزارة الحوثية ببيع الخطوط بـ “سوق سوداء”.
ولفت التحقيق الى أن مؤسسة الاتصالات تقول للمواطنين إنه لا توجد نقطة انترنت في مناطقهم لإيصالها إلى منازلهم، وهذا ادعاء كاذب، والحقيقة أن هناك نقاط متوفرة قليلة، ويتم بيعها عن طريق السوق السوداء.
ونقل عن شاهد عيان (م.أ.م) في صنعاء؛ قوله إنه ذهب إلى فرع المؤسسة اليمنية للاتصالات في منطقة للحصول على خط إنترنت، فقام المسؤول بتحويله إلى مهندس الشبكة المختص بالمنطقة، وبعد محاولات كثيرة للتواصل مع المهندس المختص؛ يجيبه المهندس بعدم توفر خط (نقطة نت) في منطقة سكنه، ثم يرسل له بعد فترة أحد سماسرة بيع الخطوط بالسوق السوداء ليبلغه توفر (نقطة نت) في مكان سكنه ولكن بمبلغ وقدره 30 ألف ريال يمني.
وحسب تحقيق المنصة فإن هناك الكثير من مناطق البلاد خارج نطاق الخدمة بسبب أضرار الحرب، وغياب دور الصيانة من قبل الجهات المعنية، إضافة إلى أن خدمات التوسع والتطوير شبه متوقفة على الرغم من النمو الهائل في أعداد المستخدمين؛ مما يجعل توفر نقاط الإنترنت قليلة وجعل عملية بيعها عن طريق السوق السوداء.
استغلال حوثي
في نوفمبر٢٠٢١م؛ كشفت شركة “ريكورد فيوتشر الدولية” المختصة في استخبارات التهديدات الإلكترونية؛ عن قيام الحوثيين باستخدام شبكة الإنترنت “لصالحها للمراقبة والتجسس على مستخدمي الشبكة العنكبوتية، وحجب ما يخالفها”، وفق التحقيق.
وكان فريق الخبراء قد قال إنه تلقى معلومات تفيد بأن شركة “تيليمن” بصنعاء اشترت مؤخراً “نظام إدارة النطاق الترددي”(Bandwidth Management System) وهو نظام يسمح بمراقبة كل البيانات والرسائل والنصوص والصوت والفيديو عبر النطاق الترددي
وأكد التحقيق استغلال جماعة الحوثي للمزود الحصري لخدمات الانترنت في البلاد، حيث قامت بحجب المواقع التي تغطي أحداث الصراع، وتعمدت تعطيل خدمات العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، كما أوقف خدمة الإنترنت عن العديد من مناطق ومحافظات البلاد لأكثر من مرة.
وأشار التحقيق الى أن الطريقة التي تدير بها وزارة الاتصالات الحوثية لخدمات الإنترنت وشركة يمن نت مخالفة واضحة وإدانة لها لمخالفتها نصوص الدستور اليمني الواضحة.
وحسب التحقيق الاستقصائي فإن إجراءات كثيرة تمارسها وزارة الاتصالات الحوثية والمؤسسة العامة للاتصالات الخاضعة لسيطرتها دفعت بالكثير من المستثمرين في مجال الإنترنت – بمختلف مستوياتهم- إلى الإحجام عن إنشاء مشاريع أو تقديم خدمات الإنترنت في اليمن، كان من آخرها خروج شركة MTN من اليمن أواخر العام الماضي.
المصدر أون لاين