الجهود الدولية والأممية لإحراز السلام في اليمن.. حصاد بلا ثمار خلال العام 2021
يطوي العام الجاري صفحاته بعد أيام دون إحراز الجهود الأممية والدولية أي تقدم في مسار السلام المنشود في اليمن، الذي يدخل عامه السابع مع تصاعد حدة العنف والمواجهات وتراجع فرص التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب اليمنية.
وشهدت الجهود الدولية لإحلال السلام في اليمن تصاعدا لافتا منذ بداية العام الحالي، في ظل رغبة شديدة أبدتها الإدارة الأميركية الجديدة لتحقيق اختراق نوعي، عبر سلسلة من المواقف التي بدأت بالضغط على دول التحالف العربي لدعم الشرعية ومرت بتقديم تنازلات سياسية غير مسبوقة للحوثيين لتشجيعهم على السلام، ولم تتوقف عند تحركات المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ الذي خاض برفقة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ غمار تحدّ صعب لعقد صفقة سياسية مدعومة دوليا وإقليميا تهدف إلى إغلاق ملف الحرب اليمنية المشتعلة.
ويعتقد مراقبون سياسيون يمنيون أن رهانات واشنطن والأمم المتحدة فشلت فشلا ذريعا في جر الحوثيين نحو السلام، حتى بعد أن تم توجيه رسائل إيجابية للجماعة المدعومة من إيران وتطمينها بأنها ستلعب دورا مهما في يمن ما بعد الحرب، إضافة إلى شطب الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية التي وُضعت فيها أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وانعكست حالة الإحباط الدولية والأميركية تحديدا على المواقف التي شهدتها الأشهر الأخيرة من العام 2021، حيث صعدت واشنطن من لهجتها الهجومية على الحوثيين وأدرجت بعض قياداتهم على قوائم الإرهاب وأعلنت عن ضبط سفن أسلحة إيرانية كانت في طريقها إليهم، كما لوحت بإمكانية إعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية، وهو الأمر الذي أخذ منحى أكثر جدية بعد قيام الحوثيين باقتحام مبنى السفارة الأميركية في صنعاء واعتقال العشرات من العاملين فيها، الأمر الذي أحرج إدارة الرئيس جو بايدن وأكد فشل رهاناتها على ترويض جماعة عقائدية متشددة ترتبط عضويا بالمشروع الإيراني في المنطقة الذي يخوض حرب وجود مع المجتمع الدولي.
وبقدر ما شهد مطلع العام 2021 ضغوطا متزايدة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتحالف العربي بقيادة السعودية للقبول بمبادرة سلام وضعها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث، شهد آخر العام تحولا لافتا في المواقف الدولية التي كانت تصب جام حممها على التحالف، قبل أن تدرك أن المشكلة تكمن في طبيعة الجماعة الحوثية وارتهانها لإيران.
وفي تقييمهم لحصاد الجهود الدولية في اليمن خلال العام الحالي، قلل مراقبون وخبراء يمنيون من جدوى تلك الجهود التي اعتبروا أنها كانت تتم على هامش الأزمة اليمنية وبعيدا عن جذورها وأسبابها الحقيقية.
ويصف الباحث السياسي والعسكري اليمني وضاح العوبلي الجهود الدولية والأممية في اليمن، بأنها “صفرية”، ونحن على أعتاب نهاية العام 2021، وعلى مشارف انتهاء العام السابع من الحرب اليمنية.
ويتابع “الحقيقة الوحيدة التي حققها مبعوثو الأمم المتحدة، هي أنهم مثلوا أداة وصل دبلوماسي للميليشيات الحوثية، ومن خلالهم استطاعت قيادات الحوثيين أن تستطلع مواقف الأطراف الدولية، وبالمقابل تنتزع مواقف وتصريحات لصالحها، نتيجة الضغط الذي تسلطه الميليشيات على كل مبعوث أممي، ما يجعله ينجر للتعاطف السلبي وإصدار مواقف وبيانات مغلوطة بغية كسب ود وثقة الميليشيات الحوثية، وهو ما برعت الميليشيات الحوثية في اللعب على أوتاره”.
ويعتبر العوبلي أن المشكلة تكمن في عدم وجود ضغط حقيقي على الطرف المتسبب في استمرار الحرب، ويضيف “ينتهي العام 2021 كسابقيه، إذ لا وجود لضغط حقيقي وفعلي على الطرف الحوثي، وبالتالي لا وجود لأي مؤشرات واضحة على الأرض تُنبئ باختراق حقيقي في صلب المشكلة اليمنية، والحقيقة أن العام الماضي شهد أطول موجة تصعيد عسكري حوثي متواصل ومستمر ومتتال على أكثر من جبهة، حيث باشرت الميليشيات الحوثية تصعيدها العسكري منذ وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، وهو الذي أخرج الجماعة الحوثية من تصنيفها كـ’جماعة إرهابية’ بعد أن أدرجها سلفه ترامب ضمن قائمة الجماعات الإرهابية”.
وعن الفرص الممكنة لتغيير واقع الحرب المعقدة في اليمن، يقول العوبلي “ندعو المجتمع الدولي والأمم المتحدة، إلى تقييم نتائج جهودهم الرامية للسلام في اليمن، خلال عام 2021، والعمل على صياغة توجهات وبرامج جديدة تراعي في صدارتها ضرورة إيجاد خطة بديلة للتحرك في هذا السياق وتعزيزها بوسائل الضغط والتنفيذ الفعلية والحقيقية ضد الطرف الحوثي المتلاعب والمعرقل، ووضع حد لهذا التصعيد والصلف الحوثي، والتعاطي معه بالتصنيفات التي يستحقها باعتباره يرتكب ما ترتكبه الميليشيات الإرهابية وربما بشكل أكثر إجراما منها، وعلى إدارة بايدن -على وجه الخصوص- أن تستخدم تكتيك الضغط الأقسى والأقصى خلال العام القادم، بعد أن ثبت لها أن مواقفها اللينة والرخوة والناعمة لم تحقق شيئا، وعادت بمردود عكسي على مدى العام الجاري”.
فكر استعلائي
ومن جهته يؤكد الصحافي والباحث السياسي اليمني عبدالوهاب بحيبح أن “الأمم المتحدة في عام 2021 لم تحقق أي تقدم في ملف السلام في اليمن، بل إن هذا العام كان أكثر دموية وإصرارا على مواصلة الحرب ورفض دعوات السلام من قبل الميليشيا الحوثية، وفيها تطورت قدرات الميليشيا على كل المستويات العسكرية وأصبحت لديها أنظمة صواريخ متطورة وطائرات مسيّرة تستهدف بقذائف ذكية”.
ويرى بحيبح في تصريح لـ”العرب” أن “الأمم المتحدة تقف عاجزة أمام هذا التعنت والرفض حيث وضعت الميليشيا شروطا تعجيزية للحوار مع وصول المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، في خطوة تصعيدية ترفض جملة وتفصيلا عملية السلام، والإصرار على الاستمرار في الحرب والقتل والدمار والإرهاب ضاربة بعرض الحائط كل الدعوات الدولية للسلام في اليمن”.
وحول تقييمه للأداء الأممي في اليمن خلال العام 2021، يضيف “أدوار الأمم المتحدة في اليمن يشوبها الكثير من اللبس تجاه استيعاب الأزمة اليمنية بكل أبعادها وتصوراتها وعن عدم فهم حقيقة جذور هذا الصراع، ففي تصوري أن هذا اللبس ناتج عن عدم فهم دقيق لدى المبعوثين الأمميين ومؤسسات الأمم المتحدة ذات العلاقة بالأزمة اليمنية، وهذا القصور في التصور والفهم للأزمة اليمنية، أنتج قصورا كبيرا في معالجة الأزمة اليمنية”.
ويشير بحيبح إلى أن القضية اليمنية معقدة جدا وتحتاج إلى فهم دقيق بالنظر إلى طبيعة الحركة الحوثية كحركة مؤدلجة تنظر إلى السلام من زاوية استسلام الخصم، خصوصا أنها تسيطر على المناطق الاستراتيجية في شمال اليمن وأهمها صنعاء والحديدة وتسعى بكل قوة إلى السيطرة على مأرب المحافظة التي تهجر ونزح إليها الملايين من اليمنيين الذين هربوا من بطش الميليشيا.
وبتابع “الحوثيون يتحدثون من منطلق ديني وليس سياسي، حيث يقدمون أنفسهم كحكام وفقا لنص ديني مقدس، وهي الفكرة التي تنسف عملية السلام في جوهرها، إذ لا يمكن أن يقبل أصحاب هذا الفكر الاستعلائي بأي سلام أو تعايش، وهذا ما لم تضعه الأمم المتحدة في الحسبان، فالمسألة هنا معقدة جدا، وأي خطوة تقوم بها الأمم المتحدة نحو السلام في اليمن دون إدراك ذلك لن يكتب لها النجاح، لذلك فإن المتتبع لمواقف وبيانات المبعوث الأممي والمؤسسات ذات العلاقة يدرك بأن هناك قصورا واضحا في فهم القضية اليمنية، كما أن تلك البيانات والمواقف تغض الطرف وتقف موقف المتفرج العاجز، إن لم تكن المشرع، عن جرائم جسيمة ترتكبها الميليشيا الحوثية على مرأى ومسمع العالم”.
انفتاح على الجنوب
ويشير نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح إلى أن جهود المجتمع الدولي لإحلال السلام في العام الجاري لم تختلف عن سابقاتها خلال السنوات السبع الماضية، مؤكدا أن تلك الجهود لا يزال ينقصها عامل الجدية لفرض السلام على جميع الأطراف، وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، عبر مقترحات وحلول منطقية وواقعية قابلة للتنفيذ، والأسوأ من ذلك وفقا لصالح أن تلك الجهود “عززت من موقف جماعة الحوثي ومنحتها المزيد من القوة”.
وعن رؤيته للحراك الدولي والأممي في اليمن من زاوية القضية الجنوبية، يقول صالح في تصريح لـ”العرب”، “بالنسبة إلى الجنوب شهد العام 2021 بعضا من الانفتاح الدولي نحو قضيته وأهمها لقاءات الرئيس عيدروس الزبيدي مع ممثلي الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن والمبعوث الأميركي إلى اليمن، ومع ذلك نعتقد أن الوصول إلى تحقيق سلام حقيقي وحلول منصفة يحتاج إلى موقف دولي جريء يستوعب الواقع ويستجيب إلى تطلعات شعب الجنوب ويدعمها في استعادة دولته وعدا ذلك ستظل هذه الجهود مجرد إضاعة للوقت وإطالة لأمد الحرب”.
نكسة دبلوماسية
يؤكد الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” أن المجتمع الدولي ضاعف من ضغوطه الكبيرة على التحالف العربي والحكومة اليمنية خلال العام 2021، من أجل وقف الحرب في اليمن، وانتزع تنازلات كبيرة، أكبرها، وقف الحرب وعدم التحرك عسكريا، والاكتفاء بالدفاع، وهو ما انعكس سلبيا على اليمنيين وحكومتهم الشرعية، واستفاد من ذلك الحوثيون، وحققوا مكاسب كبيرة على الأرض، واقتربوا كثيرا من اكتمال غزوهم لمأرب.
ويعتبر الطاهر أن الضغوط الدولية ناتجة عن عدم فهم طبيعة المشكلة اليمنية، وضعف الأداء الحكومي بمختلف مؤسساته الدبلوماسية والإعلامية والحقوقية، والرئاسية، التي ارتكبت أخطاء كبيرة استغلتها ميليشيات الحوثي لصالحها.
ويضيف “يتحدث العالم أن الحل العسكري في اليمن لن يؤدي إلى نهاية الحرب، لكنني أعتقد أن هذا منظور خاطئ بالنسبة إلى الحوثيين، ففي اليمن يعدّ الحل عسكريا بامتياز مهما تحدث الساسة الدوليون بأن الحل في اليمن سياسي، والدليل في ذلك أنه عندما تحركت القوات الحكومية اليمنية وصلت إلى أسوار صنعاء، لكنها سمحت للجهود الدولية أن تضغط من أجل إيجاد السلام عن طريق الحوار”.
ويرى الطاهر أن المشكلة تكمن في عدم إيمان الحوثي بخيارات السلام واستمرار رهانه على خيار الحسم العسكري، ويتابع “عندما استعد الجميع للحوار، انقلب الحوثيون على كل الحوارات، وحسموا الأمر عسكريا، وها هم اليوم على أسوار مأرب، ونحن حذرنا كثيرا من هذا الأمر، فمهما كانت القوات الحكومية صلبة في الدفاع، فإن قوة الضغط التي تمارسها الميليشيا الحوثية، ستصل في أي لحظة إلى انهيار هذا السياج الدفاعي، وسيتمكن الحوثيون من مأرب، في ظل عدم الضغط الدولي على الميليشيا الحوثية، كما أن الدعوات الدولية أو تلك التي أطلقتها دول الرباعية، لوقف الحرب بشكل فوري، يعتبرها الحوثيون مجرد حديث عابر، ولذلك يرمون كل ذلك عرض الحائط ويستمرون في التقدم، لأنهم يدركون أن المجتمع الدولي سيخضع وسيحترم في الأخير من يسيطر على الأرض، وبناء على ذلك أستطيع أن أقول إن عام 2021، هو عام نكسة دبلوماسية يمنية بامتياز”.