إعادة انتشار القوات الحكومية والتحالف العربي.. لماذا الآن؟
بعد ما يقارب 3 سنوات من اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، الذي وقع بتاريخ 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بهدف وقف القوات الحكومية من اجتياح محافظة الحديدة (غرب) لدواعٍ إنسانية، عادت الأمم المتحدة الاثنين 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بدعوة إلى إجراء محادثات جديدة بشأن الحديدة.
دعوة الفريق الأممي لمراقبة وقف إطلاق النار وتنفيذ مخرجات اتفاق ستوكهولم، جاء بعد 5 أيام من إعادة انتشار أحد أطراف اتفاق ستوكهولم في ضواحي الحديدة، وإخلاء المناطق التي نصّت عليها الاتفاقية التي رعتها الأمم المتحدة، لكنها لم تنفَّذ إلا من طرف واحد بحسب عدة بيانات من قبل القوات المشتركة، وكذلك مراقبون سياسيون للشأن اليمني.
إعادة انتشار القوات المشتركة (قوات عسكرية يمنية مدعومة من التحالف العربي)، جاء في توقيت حسّاس يُشهَد فيه حراك عسكري من قبل الحوثيين الذين أوصلوا المحادثات السياسية أو محاولات الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن بالطرق السلمية إلى طريق مسدود، وحقّقوا مكاسب كبيرة على الأرض، لا سيما في محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز وآخر معاقل الحكومة الشرعية في شمال اليمن.
ما قبل إعادة انتشار القوات المشتركة في الساحل الغربي، نفّذت الإمارات عملية إعادة انتشار من معسكر العلم بمحافظة شبوة، والقوات السعودية من مطار عتق ومن محافظة عدن، بالتزامن مع تقدُّم الحوثي نحو أول محافظة جنوبية، واتهامات وُجِّهت لحزب الإصلاح (إخوان اليمن) بالتنسيق مع الحوثيين لتسليم المناطق المحرَّرة، مستشهدين باجتياح الميليشيا 3 مديريات غربي محافظة شبوة النفطية (جنوب شرقي اليمن) والمطلة على البحر العربي.
عدم رغبة الحوثي بالسلام
تقدّمَ الحوثيون وسيطروا على المناطق اليمنية مستغلّين موقف الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتعامل معهم على أنهم طرف سياسي يمني، على عكس ما ينظر إليهم اليمنيون بأنهم جماعة طائفية متشددة امتدادًا للمذهب الاثني عشري الإيراني، ومعسكر الحرس الثوري و”حزب الله” المدرجَين في قائمة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
جرّاء هذا طالبت أطراف يمنية كبيرة، وبما فيهم وزراء في الشرعية اليمنية، بالانسحاب من اتفاق ستوكهولم، ردًّا على رفض الحوثيين لتنفيذ بنوده ودعوات السلام، بينما يتم تنفيذه من قبل طرف واحد.
كانت الضغوط الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، على الحكومة اليمنية والتحالف العربي، تميل إلى أهمية إنهاء الحرب في اليمن وإن كان لصالح الحوثيين، ما يعني أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى أن تقدِّم الشعب اليمني بل المنطقة كهدية لإيران مقابل إبرام اتفاق نووي معها يرعى المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
لا يمكن أن يقبل الشعب اليمني أو الخليج العربي وخصوصًا المملكة العربية السعودية أن يتمَّ تهديد نظامهم، ويصبحون تحت الحكم الفارسي لمجرد إشباع رغبات الإدارة الأمريكية، التي فشلت أصلًا في سياستها الدبلوماسية خلال العام الأول من تولّي جو بايدن رئاسة البيت الأبيض.
قدّمت المملكة العربية السعودية في مارس/ آذار 2021 مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن، وكذلك الحكومة اليمنية قدّمت تنازلات كبيرة امتثالًا للرغبة الأمريكية في إنهاء الحرب، لكن الحوثيين رفضوا كل ذلك، بل صعّدوا من مطالبهم، وهي مراوغة بهدف استغلال عامل الوقت، وإطالة أمد الحرب واستخدام النفس الطويل لإرهاق الخصم، كما تفعل إيران.
كل التجارب والمبادرات مع الحوثيين فشلت بهدف السلام وإنهاء الحرب، ووصلت على ما يبدو إلى طريق مسدود، فكان لا بد من إيجاد مخرج لوقف تقدم الحوثي، وإنهاء معاناة الشعب اليمني، لا سيما أن هناك قوة ضاربة في الساحل الغربي، أصبحت مقيَّدة بفعل اتفاق ستوكهولم، لم تستطع الحكومة اليمنية إطلاق يدها لتخفيف الجبهات الأخرى، وأيضًا لم تسمح لها بالمشاركة في الدفاع عن مأرب (شمال شرق) أو أي منطقة أخرى لأسباب مجهولة.
اتفاق ستوكهولم وكذلك موقف الحكومة اليمنية ورفضها من أن يكون هناك التحامًا يمنيًّا لخوض حرب مصيرية وإعادة الشرعية وفقًا للمرجعيات الدولية، منح الحوثيين فرصة التقدم، وتثبيت أوضاعهم على الأرض، والتهام مدينة تلو المدينة، ومحافظة تلو الأخرى، وأمام رفض الحوثي للسلام، وتقدُّمه العسكري، كان لا بد من خطة عسكرية جديدة تخرج القوات المشتركة في الساحل من عباءة اتفاق ستوكهولم.
إنهاء الحرب
من الواضح أن التحركات الأخيرة للمملكة العربية السعودية، أنها تريد أن تتخلص من الضغط الأمريكي، وكذلك إنهاء الحرب في اليمن، بالطريقة التي لا يهدَّد بقاء نظامها، وذلك لن يكون بأي اتفاق سياسي مع الحوثيين، لأن التجارب أثبتت صعوبة ذلك، لكون الحوثيون يبرمون الاتفاقيات حينما يحتاجونها، وينقضونها عندما لم تعد لهم حاجة بها، وبتلك الطريقة وصلوا إلى القصر الرئاسي في صنعاء، وبإمكانهم أن يصلوا إلى الرياض بمثل تلك الحوارات السياسية والاتفاقيات الوقتية، وبالوقت نفسه تتوجه لإجبار المجتمع الدولي بالتعامل مع واقع جديد.
التحركات العسكرية السعودية والإماراتية في اليمن، من خلال إعادة نشر قواتهما في محافظتَي شبوة وعدن، واختتام ذلك بإعادة تموضع القوات المشتركة في الساحل الغربي، تشير إلى أن هناك قرارًا اتُّخذ بهدف تغيير الوضع بما تستطيع من خلاله القوات اليمنية المتواجدة على الأرض والشرعية اليمنية، أن يفرضا واقعًا جديدًا يلجم المجتمع الدولي المطالب بالاعتراف بالحوثيين كواقع أليم، نتيجة لعدم حسم المعركة معهم سياسيًّا أو عسكريًّا.
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نفّذت القوات المشتركة إعادة تموضع وانسحبت من الحديدة، وقالت في بيان إن قرارها ذلك اتُّخذ في ضوء خطة إعادة الانتشار المحدَّدة في اتفاق ستوكهولم؛ الذي تتمسك الحكومة الشرعية بتنفيذه، رغم انتهاكات ميليشيا الحوثي الاتفاق من اليوم التالي لتوقيعه، وما زالت الميليشيات مستمرة في نسف الاتفاق حتى اليوم، وفقًا لما جاء في البيان.
والاثنين 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قال التحالف العربي إن إعادة انتشار وتمركز القوات المشتركة بالساحل الغربي، قرار عسكري لقيادة القوات المشتركة للتحالف لمواءمة الاستراتيجية العسكرية في اليمن، معتبرًا أن ذلك تمَّ بانضباط ومرونة بحسب ما هو مخطَّط له، وبما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف.
وحرص البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، على التذكير بما حققته القوات المشتركة من انتصارات تُوِّجت باتفاق ستوكهولم، ورغم مرور 3 سنوات من تلك الاتفاقية، إلا أن “الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران” (كما ذكر البيان) عطّلت ذلك، مشيرًا إلى أن تجاوزات الميليشيا تخطت 30 ألف خرق لنصوص الاتفاق.
أشار البيان إلى أن إعادة الانتشار والتموضع يأتي في الوقت الذي لا تزال سيطرة الميليشيا الحوثية مستمرة على الموانئ الرئيسية الثلاثة على البحر الأحمر (ميناء الحديدة، ميناء الصليف، ميناء رأس عيسى)، وعدم تمكين الأمم المتحدة من الإشراف على تنفيذ الاتفاق.
هناك 3 إشارات في البيان لا بد من وضع خطوط عريضة عليها، وهي الخطط المستقبلة، والانتصارات التي حققتها القوات المشتركة، وكذلك استمرار الحوثيين بالسيطرة على الموانئ ما يعدّ مخالفًا لروح اتفاق ستوكهولم.
يريد التحالف العربي أن يذكّر الحوثيين بالانتصارات التي حققتها القوات المشتركة، ولولا تلك الاتفاقية لعاد الحوثي إلى الأنفاق الجبلية في صعدة، إلا أن التحالف منح تلك الفرص للحوثيين لعلهم يتعايشوا مع السلام والشعب اليمني بطبيعة إنسانية، غير أنه رغم هذا استغلَّ الحوثيون ذلك بما يخدم المشروع الإيراني في اليمن.
حرص البيان أيضًا بالحديث عن الخطط المستقبلية لقوات التحالف، وهو ما يعني أن اللمسات الأخيرة لإنهاء الحرب قد تمَّ وضعها، لكن ليس بالحوار السياسي كما تدعو الأمم المتحدة، ولكن بالطريقة التي يفهمها الحوثي، وهي العسكرية، لكن ذلك متى وكيف.. هو ما ستجيب عنه الأيام القادمة.
دعا التحالف العربي الأمم المتحدة وبعثتها بالحديدة إلى القيام بدورها لتنفيذ اتفاق ستوكهولم، وهو رد كما يبدو على دعوة سابقة من قبل الأمم المتحدة للطرفَين المتحاربَين في اليمن إلى إجراء محادثات جديدة بشأن الحديدة، في الوقت الذي قصفت فيه قوات التحالف بقيادة السعودية مناطق في جنوب المدينة الساحلية.
— UN Mission to support the Hudaydah Agreement (@UN_Hudaydah) ١٥ نوفمبر ٢٠٢١
ويعني ذلك أن التحالف يريد أن يوصل رسالة للأمم المتحدة، مفادها يجب أن تلزموا الحوثي أولًا بتنفيذ اتفاقية ستوكهولم قبل أن تتحدثوا عن أي محادثات جديدة، وهي أيضًا تأكيد لفشل البعثة الأممية وفريقها في الحديدة التي خدمت الحوثيين أكثر ممّا أن تكون لجنة محايدة.
وذلك يؤكد أنه لن يكون هناك استجابة للفريق الأممي، لأن الثقة به اهتزت منذ أن اغتال الحوثيون ضابط الارتباط العقيد محمد الصليحي (جانب حكومي) في مارس/ آذار 2020، دون أن يكون هناك موقف لـ”أونمها” من تلك العملية، أو من الخروقات المتواصلة لاتفاق ستوكهولم، كان آخرها هجوم الحوثيين على ميناء المخا.
الخلاصة
من الواضح أن هناك إعادة ترتيب للمعركة بشكل كامل، والمملكة العربية السعودية ستعيد بناء التحالف من الصفر، والاعتماد على قوة أخرى، حيث اعترفت في بيانها أنها حققت انتصارات كبيرة، ولولا اتفاقية ستوكهولم لكانت الحرب اليمنية انتهت بانتصار كبير على الحوثيين.
الحرب في اليمن طال وقتها، وأصبحت عبئًا على السعودية، وأثرًا على سياستها الخارجية، وكذلك فاقمت من الأزمة الإنسانية في اليمن، نتيجة رضوخ الحكومة الشرعية والتحالف العربي لضغوط أممية، ومع الوقت وإطالة فترة الحرب أصبحت الأمور تتجه إلى مصلحة الحوثيين، ولذلك جاء قرار إعادة ترتيب المعركة والبدء من الصفر.
ألزم التحالف العربي الأمم المتحدة بإدارة ملف الحديدة من خلال اتفاق ستوكهولم، وذلك لهدفَين، الأول تأمين ظهر القوات المشتركة التي ستنطلق من هناك لتحرير بقية المحافظات، والأمر الآخر إن فشلت الأمم المتحدة في ذلك، فهذا يعني أن اتفاق ستوكهولم سقط، وبسقوطه سيمنح الشرعية بتحرير الحديدة بشكل كامل.
الكاتب: محمود الطاهر
عن نون بوست