صحيفة دولية: فساد جيش «الشرعية» يمهد الطريق لانتصارات الحوثيين في شبوة ومأرب
تباينت التفسيرات حول الانهيار السريع للقوات الحكومية في مناطق استراتيجية تقع بين محافظتي شبوة ومأرب، بين اتهامات لجماعة الإخوان بتسليم تلك المناطق عمدا، فيما رجحت مصادر مطلعة أن تكون الانتصارات الحوثية المتسارعة والمفاجئة نتيجة الفساد المستشري في مؤسسة الجيش الوطني وعدم وجود قوات حقيقية على الأرض توازي تلك المرصودة في قوائم الجيش.
ووفقا لمصادر مطلعة تمثل إعادة سيطرة الحوثيين على بيحان التي حررها الجيش الوطني في ديسمبر 2017 تحولا لافتا في مسار المواجهات العسكرية بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، حيث تتميز المنطقة بموقع جغرافي هام، وترتبط بحدود صحراوية مع محافظة مأرب يمكن أن تتحول إلى جبهة جديدة مفتوحة لتطويق المحافظة، كما تقع بيحان بالقرب من حقول صافر وجنة الغنية بالنفط والغاز، ويمرّ بمحاذاتها خط نقل الغاز المسال، إضافة إلى كونها مفترق طرق رئيسيا يربط محافظات شبوة ومأرب والبيضاء.
وبحسب مصادر يمنية لم تكن سيطرة الحوثيين على بيحان مفاجئة، حيث استماتت الميليشيات المدعومة من إيران في الحفاظ على المنطقة حتى أواخر العام 2017، عندما تم تحريرها من قبل الجيش الوطني مسنودا بالتحالف العربي، غير أن المصادر أكدت أن السقوط المفاجئ للمنطقة كان أسرع مما كان متوقعا بالنظر إلى حجم القوات التابعة للشرعية المتواجدة نظريا على الأقل فيما يعرف بمحور بيحان العسكري.
ولفتت المصادر إلى أن تسارع سقوط مناطق الشرعية في محافظة البيضاء كان مؤشرا على انتقال المعركة إلى محافظة شبوة المجاورة، حيث تسللت الميليشيات الحوثية إلى مديرية عين قبل السيطرة لاحقا على مناطق بيحان وعسيلان وحريب.
وقال المحلل العسكري اليمني وضاح العوبلي في تصريح لـ”العرب” إن ما حدث في بيحان يوحي بأن هناك تخطيطا حوثيا لتوسيع الهجوم وتنويع محاوره ومساراته نحو مأرب، وكذلك إكمال امتداد جبهاته على خط واحد من الحد بيافع إلى النضود بصحراء الجوف الشرقية.
وأضاف “ما حدث في بيحان يؤكد أن الشرعية لم تدرس المسرح العملياتي بالشكل الكافي، فوفرت نقاط ضعف وثغرات معينه، مقابل تركيز كل اهتمامها وحشد كل قواتها على جبهات مأرب، وهذا خطأ جسيم”.
ووفقا للعوبلي، يهدف الحوثي من هذا الهجوم إلى “تقطيع أوصال الشرعية بين مأرب وشبوة، من خلال الوصول إلى الخط الممتد بين المحافظتين عبر بيحان، وهو ما يفقد الشرعية أيّ مناورة بالقوات بين جبهتي شبوة ومأرب، وبالتالي منع أيّ تعزيزات لجبهات قد تأتي من شبوة في أيّ معركة قادمة للحوثي على جبهات مأرب”.
وتابع “في كل الأحوال فإن سيطرة الحوثي على بيحان والمديريات الغربية من شبوة، ستمنحه عدة خيارات، بالنسبة إلى معركته حول مأرب أو حتى في شبوة، وسيعمل على تشتيت قوات الشرعية على هذه الجبهات، ويناور بقواته فيهما لتحقيق التقدم المطلوب حيث أمكن له تحقيقه”.
واعتبر مراقبون سياسيون يمنيون أن الانهيارات المتلاحقة التي يشهدها عدد من جبهات الشرعية هي نتيجة مباشرة لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة اليمنية خلال السنوات الماضية، إلى جانب الصراع المتصاعد بين المكونات المناوئة للحوثي، وسعي أطراف مؤثرة في الشرعية لاحتكار السيطرة على مؤسسة الجيش الوطني وتوظيفها في الصراعات السياسية، إلى جانب إهمال المعالجات وتدارك الأخطاء التي تسببت في أوقات سابقة بسقوط مناطق محررة.
ووصف الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” تحرك ميليشيا الحوثي نحو المناطق المحررة وخصوصًا الجنوبية، في ذكرى احتفالها السابعة باجتياح صنعاء، بأنه رسالة للمجتمع اليمني والدولي والإقليم بأن تلك الميليشيات المدعومة من إيران ماضية في مشروعها للسيطرة على اليمن، بعيدا عن المسار السياسي الذي تشارك فيه الأمم المتحدة.
ولفت الطاهر إلى أن التصعيد العسكري الحوثي في شبوة ومأرب يأتي بالتزامن مع لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ برئيس الوفد التفاوضي الحوثي محمد عبدالسلام في مسقط، وما تردد عن إصابته بخيبة أمل نتيجة الموقف الحوثي المتشدد إزاء السلام والإصرار على تنفيذ ما يسميها الحوثي “مبادرة مأرب” لوقف الهجوم عليها.
وعن الهدف من السيطرة على بيحان، أضاف الطاهر “أعتقد أن الحوثي لم يكن يخطط للتوغل نحو عسيلان والمناطق النفطية في الوقت الحالي، لكن التخاذل سهل له التمدد أكثر”.
ورجّح أن يكون الهدف من بيحان هو مديرية حريب في مأرب بهدف إطباق السيطرة على مركز المحافظة وآخر معاقل الحكومة اليمنية في الشمال، فحريب تبعد تقريبًا 50 كيلومترا عن مركز محافظة مأرب، والسيطرة عليها تعني سقوط مأرب رسميا، واجتياحها أصبح مسألة وقت وفي كل الأحوال ما تقوم به الميليشيا الحوثية هو تأكيد على نهجها الرافض للسلام.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي اليمني سعيد بكران أن التطورات العسكرية في شبوة خطيرة لكنها غير مفاجئة، مشيرا إلى أن سلطة الإخوان بقيادة المحافظ محمد صالح بن عديو هيأت شبوة للسقوط بيد إيران وذراعها في اليمن خلال هذه السنوات.
وقال بكران في تصريح لـ”العرب” إن سلطة الإخوان أشعلت الانقسامات القبلية ومزقت نسيج المجتمع بعنف وعدوانية إخوانية معهودة، وجعلت المجتمع الشبواني يذوق الألم بطريقة لم يكن يتوقعها ولا يعرفها كمجتمع قبلي لديه ترتيباته الاجتماعية والقبلية المتوارثة. وخلص إلى أن “ما يحدث اليوم هو حصاد مرّ لعهد الإخوان المظلم في شبوة، لقد انتزعوا روح القتال والمقاومة من نفوس الناس”.